بدا المشهد الأمني في سوريا، أمس، أكثر هدوءاً بعد الحصيلة الكبيرة التي سجّلها يوم الأربعاء في صفوف أرواح السوريين، حيث بلغ عدد قتلى المدنيين المعارضين للنظام 34 بحسب «الهيئة العامة للثورة السورية»، بينما أفاد إعلام النظام عن مقتل نحو 8 جنود في حمص على أيدي «العصابات الإرهابية المسلحة». في ظل هذا المشهد، تسرّبت معلومات جديدة عن الحراك السياسي المعارض، المنتظر بلورته في المؤتمر المعارض الموسّع، والذي سيعقد في دمشق في 17 أيلول الجاري. وعلى وقع دعوة هيئات المعارضين إلى التظاهر اليوم تحت شعار «جمعة الحماية الدولية»، أوضح «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن «ثلاثة عسكريين منشقّين عن الجيش قُتلوا، واعتقل اثنان آخران أثناء وجودهما في منزل شقيق الضابط المقدم المنشق حسين هرموش، أثناء العملية الأمنية التي نفّذتها القوات الأمنية مدعومة بقوات عسكرية في جبل الزاوية صباحاً». يُذكَر أن هرموش سبق أن أعلن انشقاقه مع عناصره في حزيران الماضي، معلناً تأليف ما سمّاه «الضباط الأحرار السوريين». من جهتها، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» أن العملية في جبل الزاوية «أدت إلى استشهاد ثلاثة من عناصر القوة الأمنية وجرح ثلاثة آخرين»، حيث «عُثر على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر والبزات العسكرية».
أما في تطورات حمص، فقد تابعت الأجهزة الأمنية عملياتها مع اعتقال «أكثر من 150 شخصاً» في حي باب عمرو، بحسب «المرصد السوري» دائماً. غير أنّ «سانا» تحدثت عن مقتل ثمانية من رجال الشرطة وقوات الأمن وإصابة العشرات برصاص «مجموعات إرهابية مسلحة» في حمص. وفي دعوة «جمعة الحماية الدولية»، شدّد بيان لـ«الهيئة العامة للثورة السورية» على عدم السعي «للتدخل العسكري العربي أو الدولي على الأراضي السورية، ونرفض الوصاية من أي طرف كان، لكننا نحمّل النظام المسؤولية المباشرة لأي تدخّل قد يحصل بسبب تعنّته وإصراره على القتل بدم بارد وارتكاب المجازر بحق المدنين العزّل والمتطلعين إلى الحرية والكرامة والديموقراطية والمساواة».
أما على صعيد الحراك الداخلي في سوريا، فقد نقل موقع «شام برس» عن وكالة «آكي» الإيطالية ما كشفته مصادر من المعارضة السورية عن أن القوى والأحزاب والتجمعات المعارضة الرئيسية داخل سوريا وخارجها «اتّفقت بشكل أوّلي» على العمل المشترك في ما بينها، وفق إطار الحد الأدنى من التفاهم في المرحلة الحالية. وأشارت المصادر لـ«آكي» إلى أن «مشاورات حثيثة جرت بين القوى والتجمعات السياسية الديموقراطية الأساسية داخل سوريا وخارجها»، ومن أهمها «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديموقراطي» و«إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي» و«مجموعة العمل الوطني» و«لقاء التنسيق الديموقراطي» و«التيار الإسلامي المستقل»، فضلاً عن «ممثلين عن «التنسيقيات»، وعدد من الشخصيات المعارضة المستقلة، من أجل تأليف «مجلس وطني» يمثّل القوى الفاعلة في الحراك الشعبي من الداخل والخارج. ووفق تلك المصادر، فإن المجلس الوطني «سينشئ مؤسساته وينتخب قيادته، على أن تشارك في الاجتماع الشامل والعلني الذي سيُعقد في العاصمة السورية دمشق في 17 أيلول الجاري لانتخاب مجلس وطني للمعارضة يمثّلها مجتمعة، هدفه توحيد القوى والتعبئة لاستمرار الثورة السلمية في سوريا، وإقامة نظام ديموقراطي برلماني، وبناء الدولة المدنية الديموقراطية التعددية». وأوضحت المصادر نفسها أن نحو 250 من ممثلي هذه القوى سيحضرون الاجتماع، على أن يُعقد في مكان خاص، من دون انتظار موافقة السلطات الرسمية السورية، وعلى أن يستمر المؤتمر يوماً واحداً ينتهي بالاتفاق على عهد وطني، وإصدار بيان ختامي يؤكد مطالب المعارضة السورية التي تتوافق كلياً مع مطالب «المتظاهرين والمحتجين»، مع مشاركة المعارضة السورية في الخارج في الاجتماع «عبر دوائر هاتفية مغلقة».
دبلوماسياً، برز كلام الرئيس محمود أحمدي نجاد، مساء أول من أمس، الذي دعا نظيره السوري بشار الأسد إلى «التراجع عن خياره العنفي بالتعاطي مع معارضيه، والدخول معهم في حوار». وقال نجاد، وفق الترجمة الفورية للتلفزيون البرتغالي الذي أجرى حواراً معه، إنّ «الحلّ العسكري لا يمكن أن يكون الحلّ الصحيح». وتابع قائلاً إنّه «يجب معالجة المشاكل من خلال الحوار». وأشار إلى أنّه «بإمكان دول أخرى مساعدة الحكومة السورية والشعب في التحاور بما يؤدي إلى حلّ خلافاتهم والقيام بالإصلاحات التي تحتاج إليها البلاد»، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى أن دولاً أجنبية «لا تملك الحقّ في التدخل في الشؤون الداخلية للدول مثلما حصل في ليبيا مثلاً». وقد وجدت وكالة «أسوشييتد برس» في الموقف الإيراني الجديد «علامة واضحة لبدء نفاد صبر طهران إزاء سلوك الأسد».
على صعيد متّصل، أكّد نائب وزير الخارجية الروسي، المبعوث الشخصي للرئيس ديمتري مدفيديف إلى سوريا، ميخائيل مارغيلوف، أنه سيلتقي كلا طرفي النظام والمعارضة السوريين «للمساعدة على التوسط في الأزمة السياسية السورية، للإبقاء على الرئيس الأسد في السلطة». وقال مارغيلوف إنه سيلتقي اليوم في موسكو وفداً يمثل المعارضة السورية، قبل أن يجتمع يوم الاثنين المقبل مع مستشارة الرئيس الأسد بثينة شعبان في العاصمة الروسية أيضاً.

(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)