في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها قوات حلف شمال الأطلسي، ترمي بثقلها خلف قوات المعارضة الليبية لمساعدتها على إنهاء حكم العقيد الليبي، معمر القذافي، أظهرت وثائق عثرت عليها قناة «الجزيرة» في مقر الاستخبارات الليبية، أن كلاً من مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ولش، المعروف بتدخلاته في الملف اللبناني، والذي شارك في مفاوضات حرب تموز 2006، وعضو الكونغرس الديموقراطي دينيس كوسينيتش، كانا مشغولين خلال الأسابيع القليلة الماضية بتقديم النصائح إلى النظام الليبي، والبحث له عن طوق للنجاة.
الوثيقة الأولى تتحدث عن لقاء المسؤولين الليبيين، فؤاد أبو بكر الزليطني ومحمد إسماعيل أحمد، ولش «بناءً على طلبه» في القاهرة في الثاني من الشهر الماضي، لمدة تزيد على ثلاث ساعات، جرى خلالها تناول الأحداث في ليبيا. ووفقاً لمحضر الاجتماع، لم يبخل مهندس إعادة تطبيع العلاقات الليبية الأميركية عام 2008، الذي وصف نفسه بأنه «صديق مطلع على الأحداث»، في تقديم مجموعة من النصائح إلى المسؤولين الليبيين لمساعدة القذافي على محاولة الخروج من ورطته، تتضمن سبل التعاطي مع المجتمع الدولي، فضلاً عن المقترحات لـ «بناء الثقة» وتعزيز التواصل مع المسؤولين الأميركيين. وبعدما وعد ولش، الذي يشغل حالياً منصب مدير قسم شركة «بيكتيل» الخاص بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تدير مجموعة من الأعمال في ليبيا، بنقل كل ما دار في هذا اللقاء الى الإدارة الأميركية والكونغرس، فضلاً عن شخصيات خارج الإدارة، تحدث على نحو مسهب عن تطور الموقف الأميركي تجاه الأزمة الليبية، مشيراً إلى وجود «تخبط في الإدارة الأميركية»، وإلى أن الأخيرة قد «تورطت في موضوع ليبيا، بل حتى دخولها كان مشوباً بالتردد في البداية». وأوضح أن «الرئيس (الأميركي باراك) أوباما ووزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون) محاطان بمستشارين حديثي العهد بالسياسة».
أما اللافت، فكان إشارة ولش إلى أنه «لو بدأت المشكلة بسوريا لما كنا نتحدث عن الأزمة الليبية الآن»، قبل أن يقدم نصيحة إلى النظام الليبي بـ «توظيف الأحداث الجارية في سوريا لمصلحتكم، وخصوصاً في ما يتعلق بسياسة الكيل بمكيالين». وأضاف «وعلى العموم، فالسوريون لم يكونوا أبداً أصدقاءكم. لن تخسروا شيئاً من استغلال الوضع في سوريا لمصلحتكم إحراجاً للغرب».
وفي محاولة منه لشرح أسباب الانخراط الأميركي في الرمال الليبية، قال ولش «كان لا بد لأميركا أن تفعل شيئاً وتتدخل بعد لهجة التهديد باستخدام العنف ضد بنغازي، وخاصةً تصريح سيف الإسلام قبيل صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1973»، وفي هذا الإطار نصح «بأن يمتنع سيف الإسلام عن التصريحات الإعلامية، لأن مثل هذه التصريحات سلبية لا تخدم الموقف الليبي».
ونُقل كذلك عن ولش قوله «المشكلة بينكم وبين أميركا هي أزمة ثقة، ومن المهم والضروري اتخاذ اجراءات وخطوات بناء ثقة»، مقترحاً إبلاغ الجانب الأميركي بصورة رسمية بعدد الصواريخ الحرارية المحمولة على الكتف المفقودة، وتخوف الجماهيرية الصادق من وقوع هذه الصواريخ في أيدي تنظيمات متطرفة وجماعات دينية، على أن «تكون هذه المعلومات دقيقة وصحيحة».
ومن النصائح التي قدمها ولش أن «يكون هناك اجتماع بينكم وبين الأميركيين، ولا يرى لزوماً لوجود وسيط بين الطرفين». ومن هذا المنطلق، شدد المسؤول السابق في ادارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، على «إبقاء الاتصال والتعامل مع الأميركيين، وضرورة تقديم مقترحات عملية للعمل والتقدم إلى الأمام، والتركيز على خطوات الحل أكثر من التركيز على أسباب الأزمة وبداياتها، وليس هناك مانع من إعلان ذلك رسمياً في حالة تقديم أية مقترحات للعمل مع الجانب الأميركي من خلال المتحدث الرسمي للدولة مثلاً».
كذلك أشار مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابق إلى أن العرض الذي قدمه الجانب الليبي بتحسين العلاقات الاقتصادية مع أميركا والرغبة في بناء تعاون اقتصادي معها يعدّ خطوة جيدة وإيجابية في الطريق الصحيح، ويجب التركيز عليها وإبقاؤها في الضوء. وطالب ولش بألا يطغى الحديث عن المقاومة والصمود على «تقديم مقترحات الحلول من جانبكم، وعرضها على العالم». وفي إطار حديثه عن أهمية العزف على وتر المخاوف الأمنية الأميركية، شدد ولش على ضرورة التركيز على «أية معلومات أمنية مرتبطة بالقاعدة، أو أية تنظيمات أصولية إرهابية يمكن إيصالها إلى الجانب الأميركي عن طريق أجهزة استخبارات دول مثل مصر، المغرب، الأردن وإسرائيل»، مشيراً إلى أن «أميركا ستسمع منهم، وسيكون المردود أكثر إيجابية». أما للحصول على أفضل النتائج، فأشار ولش إلى أنه «يفضل أن تبدو هذه المعلومات كأن مصدرها أجهزة هذه الدول».
وفي السياق نفسه، نقل المحضر عن ولش استغرابه «عدم فهم الإدارة الأميركية حقيقة وجود تنظيمات اسلامية متطرفة وعناصر تابعين ومرتبطين بالقاعدة في ليبيا، وخاصة في المناطق الشرقية»، كما «طلب تزويده مستقبلاً بأية معلومات دقيقة وصحيحة عن التطرف في ليبيا، وغيرها من المعلومات، ووعد بنقلها وتوظيفها»، كذلك نصح «بإرسال هذه المعلومات الى رجال الفكر والباحثين».
وفي محاولة لتحسين صورة النظام الليبي، اقترح وولش «إبراز عناصر تكنوقراطية جيدة للعالم، بما يؤكد وجود جيل جديد كفوء»، واستغرب «عدم الظهور المتكرر لمسؤولين ليبيين لمخاطبة الرأي العالمي بما يخدم قضية ليبيا».
أما عن أفضل المؤهلين العرب لأداء دور الوساطة في الأزمة الليبية، فأشار ولش إلى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، مؤكداً أنه يستطيع «أن يؤدي دوراً مؤثرا»، ناصحاً «باستمرار الاتصال به والتنسيق معه». في المقابل أوضح ولش أن ما قامت به قطر ضد ليبيا «كان غطاءً لتمرير عملية البحرين وتغطية ما حصل». ووصف قطر بأنها (cynical) أي بمعنى «مُحتقر ومُستهزئ».
ومن النصائح الإضافية التي قدمها ولش أهمية مشاركة ليبيا بصورة فعالة في اجتماعات الجمعية العامة، وعرض القضية أمامها للمناقشة، مشيراً إلى أنّ من «الممكن استخدام دولة أخرى لتعرض القضية أمام الجمعية العامة».
أما الوثيقة الثانية، فتظهر مراسلة بين مسؤولين ليبيين، وأشارت «الجزيرة» إلى أنها تتضمن مجموعة من الأدلة التي طلب السناتور الديموقراطي، دينيس كوسينيتش، الذي صوت ضد التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي في ليبيا، الحصول عليها في إطار سعيه إلى التشكيك في ادارة اعضاء المجلس الانتقالي الليبي، وإقناع المشرّعين الأميركيين بضرورة عدم دعمه.
ووفقاً للوثيقة، طلب كوسينيتش تأمين أدلة على «تصرفات تدل على فساد قادة المعارضة، بما في ذلك تضمنها أي دوافع شخصية على سبيل المثال لكسب المال أو الحصول على أنواع معينة من السلطة»، إضافةً إلى أي دليل على مبيعات الأسلحة إلى المعارضة في بنغازي أو مصراته، أو تهريب الأسلحة على متن قوارب إلى مصراته.
كذلك اقترح السناتور الأميركي تأمين «معلومات عن عمل تنظيم القاعدة في المعارضة»، وأدلة «على فظائع ارتكبها جنود متمردون».
وفي إطار سعيه إلى التصويب على عمل حلف شمال الأطلسي، طالب كوسينيتش بتقديم «أي دليل على سقوط قتلى بين المدنيين من جانب حلف شمال الأطلسي»، وتأمين «أي دليل على أن الانتفاضة كانت حدثاً مخططاً له قبل الأول من شهر شباط، ويشمل اتصالات جرى اعتراضها والأسماء والتواريخ»، كما اقترح تأمين دليل «على أن الاتصالات مع بريطانيا والولايات المتحدة كانت قبل صدور قرار الأمم المتحدة، لإظهار أن النظام كان يحاول التفاوض سلمياً». كذلك طلب «قائمة ووصفاً للجهود الإنسانية التي بدأها النظام منذ اندلاع الانتفاضة، ومحاولاتهم مساعدة السكان المدنيين».
وطالب السيناتور الديموقراطي بـ«قائمة ووصف لأي جهود منعها حلف شمال الأطلسي أو المتمردون»، مشيراً إلى أنها «ستُستخدَم من أجل رفع دعوى قضائية، الدفاع عن سيف الإسلام في المحكمة الجنائية الدولية، الدعاية لإصلاح صورة النظام، وأخيراً المساعدة في المواقف التفاوضية». وفي محاولة للدفاع عن التوجهات الإصلاحية للنظام اقترح كوسينيتش تقديم «أدلة على أنه قبل بدء الانتفاضة، كانت هناك مشاريع ديموقراطية سارية، على سبيل المثال خطة للانتخابات». كذلك اقترح الحصول على قائمة القبائل المعروفة بإخلاصها للنظام، وأماكن عيشها وعديدها لاستخدامها وإظهار «أن المتمردين لا يملكون الدعم الكامل من البلاد».
وأخيراً، طلب السناتور الديموقراطي، «الأدلة الداعمة على أن النظام لديه عادة منتظمة لتوظيف عسكريين أفارقة في وحداته العسكرية الأفريقية، وأنه لم يكن بالشيء الجديد مع اندلاع الانتفاضة توظيف (المرتزقة)».



كوسينيتش ينفي

على الرغم من نفي السناتور الديموقراطي دينيس كوسينيتش أن يكون هو المقصود في الوثيقة التي كشفتها الجزيرة قائلاً «أي إيحاء بأني كنت أفعل أي شيء آخر غير محاولة وضع حد للحرب غير المصرح بها هو خيال»، لم ينف الأخير قبل فترة وجود اتصالات بينه وبين مسؤولين في نظام القذافي.
وبعدما كشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن محاولة نظام القذافي إقناع عضو الكونغرس الديمقراطي، الذي طالب بمحاكمة قادة حلف شمال الأطلسي أمام المحكمة الجنائية الدولية، بزيارة طرابلس كجزء من مهمة سلام على نفقة ليبيا، كتب الأخير رداً للصحيفة جاء فيه « في جهودي لإنهاء الحرب، اتصلت بي أطراف كثيرة، بما في ذلك أعضاء من نظام القذافي وبعض ممن يملكون علاقات مع المتمردين. والتوصل إلى حل عادل وسلمي يتطلب الاستماع الى جميع الأطراف».