يقترب عيد الفطر، فيقصد اللبنانيون من صيدا والجوار مخيم عين الحلوة لتوفير مستلزمات العيد. يدوّن صاحب ملحمة صغيرة داخل المخيم طلبات أم فؤاد اللبنانية من منطقة التعمير، «عشرة كيلو لحمة و12 دجاجة». الطلبية ليست كلها لأم فؤاد، بل إنّ «الأحبّة والجيران أوصوني بشراء لحمة العيد من المخيم». تبرر السيدة تسوّقها بالقول: «بحسبة صغيرة منوفّر مئة ألف ليرة فيما لو اشترينا هذه الكمية من صيدا». تبتاع صيداوية أخرى هي أم محمود العيلاني من سوق الخضر في المخيم أصنافاً متعددة من الخضر والفاكهة. تقول بثقة: «إنّ ثمن ما دفعته يعادل ثمن كرتونة تفاح من سوق صيدا». أما مريم الجردلي، فتشتري من المخيم «ثياب العيد» لأطفالها الثلاثة، مؤكدة أنّها لو اشترت الملابس نفسها من «قلب صيدا» لدفعت120 ألف ليرة بدلاً من 50 ألف ليرة لبنانية دفعتها في المخيم». وكانت العيلاني والجردلي قد اعتادتا التبضّع من سوق المخيم منذ سبع سنوات على الأقل، «كل أغراضي من المخيم. حتى إن سعر دواء السكري هنا أرخص بكثير من صيدليات صيدا»، كما تؤكد العيلاني. وتردف: «لا تواخذني بجيب ثلاث علب بحق علبة واحدة».من جهتها، تروي الجردلي كيف أنّها زائرة دائمة للمكان. «كنت صغيرة عندما كنت أشتري الفساتين من سوق المخيم». واللافت أنّ الجردلي صنعت ملبن العيد (نشا مبلول بسكر محلّى) في منزلها وأتت إلى السوق لتبيعه لأحد المحال في المخيم بسعر مقبول، حتى يبيعه بدوره لزبائنه من لبنانيين وفلسطينيين». خطوة شبيهة بتبادل تجاري بينها وبين بائعي المخيم، يبقى ميزانه راجحاً لمصلحة سوق المخيم. هذا السوق الذي يقول عنه أبو جورج إنّه «بجنّن» وأسعاره زهيدة جداً. يضيف: «لا تواخذني، أنا مسيحي من درب السيم وبجي ع المخيم ». وكمن يهتف في تظاهرة يقول أبو جورج: «عين الحلوة متنفّس لكل الفقراء، ولحّق حالك يا فقير». حتى السمك في عين الحلوة أرخص ممّا هو عليه في زيرة صيدا. فأبو الوليد الميعاري اعتاد الاصطياد في بحر صيدا وبيع غلته في السوق، فيسأله لبنانيون «بدنا أكلة سمك»، فيوصلها كـ«ديلفري» إلى منازلهم في صيدا. لا يقتصر سوق المخيم على الخضر والفاكهة والمواد الغذائية والاستهلاكية، فهنا سوق مفتوح للبرادي والأقمشة والمفروشات. وفي الشتاء، ينشط سوق السجاد وبيع الزيت والزيتون. تستفسر صباح حلبي، فتاة صيداوية مقبلة على الزواج، عن كلفة «البرادي» في صيدا لمنزلها الزوجي، لتصل إلى نتيجة أنّها «تكلّف 700 دولار، فيما لا يتجاوز السعر في المخيم مئتي دولار». اعتبارات عدة أملت على من هم داخل المخيم بيع سلعهم بأسعار زهيدة، منها أنه ليس هناك ضرائب أو رسوم تفرض على أصحاب المحال في المخيم كما هي الحال في المناطق اللبنانية، بينما تكون الكلفة المالية لبناء المتاجر والمحال في المخيم متواضعة، وهي محال ليست بحاجة إلى رأسمال أو موظفين، وفوق هذا كل، فإنّ هامش الربح البسيط الذي يرضى به البائعون في المخيم «كبير وبعيد عن الجشع والطمع، وفوق هذا وذاك تضامن الفقراء مع الفقراء»، كما يقول حسن علوان. تفاعل تجاري عزّز علاقات تاريخية قائمة بين مدينة صيدا والجوار، وعاصمة الشتات الفلسطيني، أي مخيم عين الحلوة. علاقات أخوية، قومية، اجتماعية، وإنسانية، ومصير مشترك، معها يجزم كثيرون بأن مجتمع عين الحلوة بات من النسيج الصيداوي ولا يمكن الفصل بينهما.



حركة المتبضّعين

يقوم سوق مخيم عين الحلوة على حركة المتبضّعين الوافدين إليه من صيدا وقراها. يخبرنا ذلك محمود العلوان، صاحب محل تجاري داخل المخيم. ويرى تاجر آخر أنّ إجراءات الجيش اللبناني المشدّدة عند مداخل المخيم أثّرت في «حرية التنقل والتسوق»، وإلّا لكان المخيم عاصمة تجارية. يتفق الاثنان على رفض نظرة لبنانية عنصرية، على حدّ قولهما، وأمنية حيال عين الحلوة. فالمخيم في نظرهما ملجأ لمعدمي الحال يقصدونه لتوفير قوت يومهم. «المخيم رسالة إنسانية، إنه أبو الفقراء من لبنانيين وفلسطينيين».