الجزائر | برغم استمرار الجيش الجزائري في الانتشار على امتداد 900 كلم من الحدود المشتركة مع ليبيا، لتأمين البلاد من خطر الجماعات الإرهابية المسلحة وعصابات التهريب التي تنشط بكثافة في المنطقة، فإن السلطات الجزائرية تستعد لمراجعة قرار غلق الحدود المشتركة مع الجارة الشرقية الذي اتخذ العام الماضي (أيار/ مايو 2014)، وفتح عدد من المعابر لأسباب إنسانية وأخرى دبلوماسية.
ومع أن الخبر لم يتأكد رسمياً بعد، لكن وسائل إعلام محلية في البلدين أفادت عن اعتزام الجزائر إعادة فتح حدودها مع ليبيا على مستوى ثلاثة معابر: الدبداب، طارات وتين الكوم. وذكرت أن لجنة تشكلت في الجزائر لهذا الغرض، تضم خبراء في وزارات الدفاع والخارجية والأمن، بهدف تحديد آليات تنفيذ القرار ووضع قائمة سوداء للممنوعين من دخول البلاد.
يأتي الحديث عن قرار إعادة فتح الحدود، بعد نحو عام ونصف من غلقها إثر انهيار الدولة في ليبيا وسيطرة الميليشيات المسلحة على المواقع الحدودية مع الجزائر، التي ترفض بدورها التعامل مع غير السلطات الرسمية في ليبيا أو حتى تلك التي لا تحظى بتمثيل شعبي.
وتلخصت أسباب غلق الحدود في منع تمدد العناصر الإرهابية المنتشرة فوق الأراضي الليبية باتجاه الجزائر، ومنعهم من التواصل مع جماعات جزائرية تحمل الأفكار نفسها، وخاصة مع ظهور تنظيم «داعش» الذي يسيطر على مناطق في ليبيا، وورود معلومات استخبارية عن محاولات اختراقه البلاد عبر الحدود الليبية.
في حديث إلى «الأخبار»، يوضح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري سابقاً بوجمعة صويلح، أن قرار فتح الحدود يأتي بعد تسجيل السلطات نوعاً من الانفراج الأمني على الحدود مع ليبيا. ويؤكد أن «غلق الحدود لم يكن موقفاً من السلطات الجزائرية، بقدر ما كان إجراء تنظيمياً أملته ظروف قاهرة تتعلق بالوضع الأمني، ومع ذلك كانت الحدود مفتوحة للحالات الإنسانية الحرجة وتنقل الأفراد على نطاق ضيق».
ويوضح صويلح أن اعتزام الجزائر فتح حدودها يجري عبر التنسيق مع السلطات الليبية الموجودة على الأرض، ويتزامن مع تواصل جولات الحوار التي احتضنتها الجزائر برعاية الأمم المتحدة بين الفرقاء الليبيين من أجل دفعهم نحو إنهاء حالة الانقسام والفوضى الذي تعيشه البلاد. وحول ما إذا كان هذا القرار يشكّل «بادرة حسن نية من الجزائر تجاه الفرقاء الليبيين»، يقول البرلماني الجزائري، إن «النية الحسنة في حل المشكلة الليبية لم تغب يوماً عن الجانب الجزائري، على اعتبار أن أمن البلدين مرتبط ومتداخل، لكن الجزائر عبر هذا القرار التنظيمي تريد التعامل بمرونة أكبر مع الجانب الليبي حتى تؤكد له استعدادها للتعاون وعدم تخوفها من الوضع السائد في ليبيا».
ومنذ الأيام الأولى لبدء الحراك المسلح في ليبيا عام 2011 لإطاحة نظام العقيد معمر القذافي، دفع الجيش الجزائري بتعزيزات إضافية على الحدود مع ليبيا، تحسباً لانفلات الوضع في هذه المناطق الصحراوية الشاسعة وتحولها إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية المسلحة، ثم بعد انهيار النظام الليبي شدد الجيش الجزائري تحصيناته الدفاعية ورصد لذلك إمكانات بشرية ومادية ضخمة، بإنشاء 18 منطقة عسكرية مغلقة بين البلدين، وفق ما تذكره مصادر غير رسمية، فضلاً عن انتشار وحدات الجيش في بقية المناطق الحدودية الملتهبة هي الأخرى، وخاصة مع مالي والنيجر وتونس.
وقد أدت تلك الأوضاع إلى إرهاق الموازنة العامة للدولة الجزائرية التي رصدت في سنة 2015 مبلغ 12.22 مليار دولار لوزارة الدفاع الوطني بارتفاع بلغ مليار دولار عن السنة السابقة، بينما وصلت ميزانية وزارة الداخلية إلى 6.4 مليارات دولار في مقابل 6.3 مليارات دولار للسنة السابقة. وفي المجموع، ستنفق الجزائر خلال العام الجاري أكثر من 18 مليار دولار على أمنها فقط، وهي أموال يقول الخبراء إنها تعادل ميزانيات دول أفريقية مجتمعة.
ويعتقد الباحث في الشؤون الاستراتيجية الأمنية بوحنية قوي، أن «السلطات الجزائرية لديها هواجس أمنية من التنظيمات الإرهابية التي تحمل أفكاراً توسعية مثل داعش الذي يبث باستمرار أشرطة دعائية تهدد الجزائر»، مشيراً إلى أن «الجزائر تنظر إلى الأمر بجدية بالغة وهي تسعى إلى مراقبة حدودها بوسائل التكنولوجيا الذكية، ولكن وقائع الجغرافيا وامتداداتها تجعل المهمة الاستراتيجية صعبة، ولكنها ليست مستحيلة».
ويرى بوحنية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «معادلة جديدة ترتسم في الأفق خوفاً من استحداث هذا النوع من التنظيمات لولاءات جديدة، ولذلك تشكلت غرفة عمليات مكونة من أجهزة مختلفة تعمل بالتنسيق مع الأنتربول لمراقبة سير عمليات الدعم اللوجستي الذي قد يتخذ من صحراء الساحل معابر آمنة وداعمة للتنظيم».
وكان الانفلات الأمني على الحدود قد وصل إلى الذروة مع الهجوم الإرهابي الذي طال مصنع الغاز في تيغنتورين (تابعة لمحافظة إليزي الحدودية مع ليبيا) في كانون الثاني/ جانفي 2013، وأسفر عن مقتل 39 عاملاً من جنسيات مختلفة؛ بينهم جزائري واحد. وقد أثبتت التحقيقات الأمنية أن الإرهابيين الذين نفذوا العملية جاؤوا أساساً من مالي، وينتمون إلى 11 جنسية بينهم مصريون وتونسيون، فيما طرحت بجدية فرضية عبورهم الحدود المشتركة مع ليبيا.