القاهرة | لم يكن يتصور أحد أن يكون رد فعل مصر الرسمية على قتل جنودها على الحدود بهذا الضعف؟ وحدها إسرائيل راهنت وربحت. لم يطرد السفير الإسرائيلي ولم يُستدعَ السفير المصري من تل أبيب، كل ما حدث هو تجميد الموقف. المجلس العسكرى أعطى الضوء الأخضر لحكومة عصام شرف بعقد جلسات ولقاءات مع قادة المعارضة والأحزاب والائتلافات لتخفيف حدة انتقاده على موقفه من أحداث الحدود، ومعظم قوى المعارضة ترفض الصيغة وتصر على طرد السفير وقطع العلاقات من دون التلويح بالحرب.
أمس حدثت المفاجأة، عندما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، أن «اسرائيل ستوافق على وجود قوات مصريّة مدعومة بالهليكوبتر والعربات المدرعة في سيناء، لكن لن توافق على دخول وحدات دبابات إضافية للكتيبة الموجودة بالفعل حالياً في سيناء». وهذا معناه إعادة انتشار للقوات المصرية في شبه جزيرة سيناء وتعديل موازين القوى، بما يضمن قطع الطريق على المطالبين بتعديل اتفاقية السلام مع إسرائيل.
مصادر عسكرية مصريّة قالت إن هناك مشاورات مع الجانب الإسرائيلي لبحث إمكان ضخ قوات إضافية للسيطره على الوضع في سيناء، لكن المصادر عادت وأكدت أن الحكومة المصرية لم تبلغ رسميّاً بموافقة تل أبيب على زيادة عدد القوات. ولفت مصدر عسكري آخر إلى أن القاهرة «لن تقبل بوجود مؤقت للقوات المصرية؛ لأننا نريد القضاء على بؤر التطرف التي تعاظم حجمها وهددت سيادة الدولة»، مشيراً إلى أن تعديل اتفاقية كامب ديفيد في ما يخص القوات، بات أمراً حتمياً؛ لأن «المصريين لن يقبلوا باقتطاع أي جزء من دولتهم». وأضاف أن القوات المصرية حالياً في سيناء تحتاج إلى دعم نوعي وكمي للوفاء بمتطلبات تأمين المنطقة.
في هذا الوقت، قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن القاهرة تدرس عدداً من البدائل ستُقدم على اتخاذها ضد إسرائيل، نافية أن تكون قد تراجعت عن سحب سفيرها من تل أبيب بسبب ضغوط أميركية. ونقل الموقع الإلكتروني لصحيفة «الأهرام» المصرية، عن المصادر التي وصفتها بـ«المطلعة» قولها إن القاهرة تدرس عدداً من البدائل ستتخذها ضد إسرائيل إن ثبتت مراوغتها في تنفيذ مطالبة مصر بالاعتذار على قتلها الجنود المصريين. وأوضحت أن «من بين تلك البدائل تقديم شكوى ضد إسرائيل في المجلس العالمي لحقوق الإنسان لإدانتها ومساءلتها عن هذه الجريمة والمطالبة بالتعويض اللازم لأسر الضحايا والتعهد بعدم تكرارها».
ونفت تلك المصادر أن تكون القاهرة قد تراجعت عن سحب سفيرها من تل أبيب نزولاً عند طلب أميركي أو ضغوط بقطع المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة، البالغة نحو ملياري دولار، موضحة أن القرار المصري «جاء بعد مواءمات وتقويم جاد للموقف من كافة جوانبه»، ورأت القاهرة أن «الإقدام على مثل هذه الخطوة (سحب السفير) من شأنه قطع الاتصالات مع إسرائيل، وأنها لن تحقق الأهداف التي تسعى إليها مصر، وأن أضرارها ستكون أكثر من منافعها».
من جهة ثانية، خذلت القوى السياسية الفريق سعد الدين الشاذلي، القائد العسكري الذي أطلق اسم مليونية أمس تكريماً له، حيث غابت كل القوى تقريباً عن المشاركة في التظاهرات التي شهدها الجسر المقابل للسفارة الإسرائيلية للمطالبة بطرد السفير؛ إذ توافد أمس بضع مئات فقط للمشاركة في الحدث.
كان من المفترض أن تكون هناك «مليونية لطرد السفير»، لكن ذلك لم يحدث. ما يقرب من خمسين شخصاً فقط هم من صمدوا، حتى صباح أمس، في الاعتصام أمام مقر السفارة، حيث كثفت قوات الشرطة العسكرية والأمن المركزي وجودها منذ الساعات الأولى، تحسباً لاقتحام المتظاهرين مقر السفارة. ولم تقتصر المشاركة في التظاهرة على سكان القاهرة فقط، حيث توافد متظاهرون من محافظات الإسكندرية والسويس ودمياط والصعيد.
المتظاهرون أدوا «صلاة الجمعة» أمام مقر السفارة، وعقب الصلاة مباشرة، بدأوا بترديد هتافات «مش هنمشي هو يمشي»، «تسقط تسقط إسرائيل»،
«بنرددها جيل ورا جيل بنعاديكي يا إسرائيل». وأحرقوا العلم الإسرائيلي، وأعلنوا استمرار التظاهر لحين استراداد كرامة المصريين بطرد السفير الصهيوني، وسحب السفير المصري من تل أبيب، ووقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل. في أثناء التظاهرة وقعت حادثة احتواها الشباب، حيث أطلق أحد المتظاهرين النار من مسدسه، وهتف «إن كنتم لا تجدون السلاح، فها هو السلاح وها هم الرجال»، ثم أطلق عدة طلقات صوتية، فهتف المتظاهرون «السلاح فين، الرجالة أهيه». أحد ضباط الجيش حاول منع الشاب من إطلاق النار، لكن بعض المتظاهرين التفوا حوله، وأكدوا للضابط أنها طلقات صوتية.
البعض فسر ضعف المشاركة، أمس، بأن غالبية الداعين إلى هذه المليونية قرروا أن تكون بعد الإفطار، وهو ما جعل عدد المتظاهرين أمام السفارة قليلاً، مؤكدين أن عدداً من ائتلافات الشباب قررت النزول ليلاً.