دمشق | شهدت الحياة السياسية السورية نقلةً نوعية بعدما عقدت مجموعة من المعارضين السوريين مؤتمرها الأول في حزيران الماضي في فندق سميراميس وسط دمشق. أسماء معارضة وقفت على الحياد ولم تشارك في اللقاء في حينها، واعترضت على اعتبار أن المؤتمر المذكور بمثابة جامع للمعارضة السورية، وأصرّت على أنه مجرد لقاء حواري وتشاوري ضم عدداً من الأسماء بصفتها المستقلة، من دون إشراك الأحزاب أو التنظيمات المعارضة، التي تُعدّ الأساس والقاعدة بحسب وجهة نظرهم. وفي الأسبوع الثاني من شهر أيلول المقبل، تعقد هيئة «التنسيق الوطنية» مؤتمراً يتوقع منه أن يُحدث نقلة نوعية جديدة في بنية المعارضة السورية، بعدما دعت الهيئة جميع الأحزاب والتنظيمات والمتظاهرين في الشارع، إلى المشاركة، وإلى ترشيح أسماء لتكون عناصر فاعلة من قادته ومنظماته المختلفة. وأكّد الأمين العالم لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي، الذي يشغل منصب المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية السورية، حسن عبد العظيم، في اتصال مع «الأخبار»، أن العمل التنظيمي هو في طور الاستكمال استعداداً للمؤتمر المقبل. ويقول عن هذه الاستعدادات «حدّدنا الهيئة العامة والمجلس الوطني والمجلس المركزي، والمكتب التنفيذي، وسوف يعقد المجلس الوطني مؤتمراً موسعاً في الأسبوع الثاني من شهر أيلول لنعلن فيه مؤسسات الهيئة، وعدداً من الوثائق كالورقة السياسية التي أقرتها الهيئة التأسيسية واللائحة التنظيمية، ومشروع برنامج وخطة عمل وطني».
وعن تواصل هيئة التنسيق الوطنية مع الشارع المحتج في سوريا، يجيب إنه «لطالما عملنا على التواصل قدر الإمكان مع الشارع المحتج، الذي نعدّه أهم نقطة في كل هذا الحراك الشعبي، بدليل أننا أشرنا في الوثيقة التأسيسية السياسية للهيئة، إلى أن لهذه القوى في الحراك الشعبي ثلث عدد المشاركين في المؤتمر المقبل، مع الإصرار على ألا تقل نسبتهم عن ثلث عدد القادة في جميع مؤسسات الهيئة»، كما يتوقع عبد العظيم أن يحتوي البيان الختامي للمؤتمر على «العديد من التوصيات والمقترحات». وفي تعليقه على «مؤتمر سميراميس»، وتجاهل النظام السوري لمقترحاته وتوصياته، يعلّق بأن «ما يعنينا هو مطالب الشعب السوري المنتفض، وسنعمل من أجل تحقيقها جميعاً دونما نقصان، وذلك بجميع الوسائل السلمية الممكنة»، معرباً عن أسفه لأن السلطة السياسية في سوريا «لم تتوافر لديها إرادة حقيقية في التغير الديموقراطي بعد، وتريد إبقاء الوضع على هو عليه». وبالنسبة إلى شمولية المشاركة في المؤتمر، يكشف أن فريق العمل الذي ينضوي فيه «حاول أن يشمل كلّ القوى الوطنية المعارضة لنشاركها التأسيس ووجهات النظر والأفكار والمقترحات»، مطمئناً إلى أن هيئته «تحاول بشتى الوسائل إشراك ما بقي من تحالفات أو أحزاب أو مجموعات معارضة لم تسهم في تأسيس الهيئة وغابت عن المؤتمر الأول ليكون لها موقع وحضور وتفاعل معنا، كل هذا من أجل توحيد قوى المعارضة في خندق واحد». واعترف عبد العظيم بدعوة بعض أطياف المعارضة الموجودين في الخارج من أجل المشاركة في المؤتمر «لأننا نعتبرهم جزءاً لا يتجزأ من معارضة الداخل، وحتى اللحظة أبوابنا مفتوحة لاستقبال جميع التيارات اليسارية والوطنية والديموقراطية، وحتى الإسلامية المعتدلة والليبرالية للمشاركة معنا في الهيئة والحراك». ورداً على سؤال عن احتمال سعي النظام إلى منع انعقاد المؤتمر أو حدوث مضايقات من جانب أجهزته الأمنية المختلفة، يذكّر عبد العظيم بأنه «لسنوات طويلة، تعرضت المعارضة السورية بمختلف أطيافها وتوجهاتها لمضايقات أمنية واعتقالات وحرمان من الاجتماع أو اللقاءات العلنية، وهذا ما يجعلنا نعمل في ظروف صعبة جداً، ويجب علينا متابعة نشاطنا السلمي بغض النظر عن المضايقات أو سياسة المنع والاعتقال».
وفي حديثه مع «الأخبار»، رفض الكاتب والصحافي السوري المعارض فاتح جاموس، تسمية المؤتمر الذي عقد في فندق سميراميس بـ «مؤتمر المعارضة» لأنه «لم يقدم صيغة للمعارضة المنظمة، سواء أكانت أحزاب معارضة، أم تحالفات وتنظيمات شعبية». غير أن جاموس يستدرك بالتأكيد على أن «أي نشاط سياسي علني في الداخل السوري يجب تشجيعه والوقوف إلى جانبه، لأنه أكثر أصالة وصدقية من جميع الأنشطة والمؤتمرات التي تعقدها المعارضة في الخارج». ويفصّل خشيته من تكريس المؤتمر المقبل لظاهرة سلبية من وجهة نظره وهي «ظاهرة المعارضين المستقلين في سوريا، لأنه عندما يعتقد المعارض المستقل بعدم وجود أحزاب أو تنظيمات سياسية تعبر عن رأيه، فمع مرور الوقت عليه أن يجد حزباً أو تنظيماً سياسياً يتقاطع مع تفكيره، لكون التنظيم الحزبي أكثر رقياً وتأثيراً في مؤسسات المجتمع المدني من الحالات المستقلة».
وعن تعامل النظام السوري مع مقترحات وتوصيات المؤتمر الأول للمعارضة، أو اللقاءات التشاورية التي تلته، تابع جاموس إنّ «علينا توضيح بعض المسميات، فالنظام لم يدعُ إلى مؤتمر حوار، بل كان اجتماعاً تشاورياً للوصول إلى الحوار معه، وعندما علمنا أن هذا المؤتمر يهدف إلى وضع الأسس للحوار، رفض الكثير من الأسماء حضوره أو حتى التعاطي معه».
وفي السياق، يذكّر جاموس بأن الرئيس السوري بشار الأسد لم يدعُ إلى الحوار مع المعارضة السورية بعد. أما عن توقعاته لكيفية تقبل الشارع المنتفض لمؤتمر هيئة التنسيق الوطنية، فيعلق بأسف: «حتى اللحظة، هناك أسماء كثيرة من المعارضة السورية لا تلتقي فعلياً مع الشارع المنتفض، وهذا ما يتطلب منها إيجاد صيغة مناسبة للتواصل مع الحراك في الشارع. هناك فرصة حقيقية الآن لجميع المشاركين في المؤتمر المقبل من أجل التواصل والتلاقي مع المتظاهرين في الشارع، عبر إشراك تنسيقيات مختلفة»، مرجحاً أن يتوقف تفاعل الشارع مع مثل هذه المؤتمرات على ما سيخرج عنها من توصيات ومقترحات.