القاهرة ــ الأخبار يبدو أنّ المجلس العسكري الحاكم في مصر رفع يده عما يجري في ليبيا، ليوحي بأن الملف أصبح بيد وزارة الخارجية وحدها، بدليل أنه لم يصدر حتى الآن أي تصريح أو بيان من جانب العسكر تعليقاً على ما يحدث في طرابلس. «الأخبار» حاولت الاستفسار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية عن الخطوات التي من المفترض أن تتخذها مصر بعد وصول الأمور في ليبيا إلى ما وصلت إليه من الغموض بشكل يستدعي من القاهرة الوضوح، لا الاعتراف بالمجلس الانتقالي فحسب، لكن أيضاً بالتحرك والتأثير في مجريات الأمور. وحتى لو كان المجلس العسكري لا يريد الظهور على سطح الموقف الليبي، فلماذا توارى مجلس الوزراء عن الحدث، في ظل غياب أي رد أو بيان يوضح الموقف الرسمي لمصر، والخطوات التي اتخذتها لمرحلة مع بعد حكم العقيد معمر القذافي، وخصوصاً أنّ معظم دول الجوار تتسابق منذ يومين لتقديم مساعدات وقطع وعود بالمساهمة فى بناء «ليبيا الجديدة»؟

توارى المجلس العسكري لمصلحة ظهور وزارة الخارجية، مع اعتراف أحد أعضاء «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» بأن «الملف الليبي في أيدي وزارة الخارجية، والمجلس العسكري يتابع فقط ما له علاقة بالحدود، ووزارة الخارجية تنسّق وتراجعنا». كلمات مقتضبة كان المقصود منها إنهاء المكالمة التي لم ترق المسؤول العسكري. وفي الاتصال مع «الأخبار»، تهرّب المسؤول العسكري من سؤال عن المطالب التي قدمها ممثلو المعارضة الليبية. لكن مصادر وزارة الخارجية كشفت عن أن ممثل المجلس الوطني الانتقالي، مندوب ليبيا الدائم لدى جامعة الدول العربية، عبد المنعم الهوني، قدم لمصر أربعة مطالب سارعت القاهرة إلى الموافقة عليها، وذلك خلال لقاء الهوني مع وزير الخارجية محمد كامل عمرو الذي أعقبه اعتراف مصر بالنظام الجديد.
وكشف مصدر دبلوماسي النقاب عن أن الطلب الأول الذي قدمه السفير الهوني كان الاعتراف بالمجلس الانتقالي، إذ طلب من مصر الاعتراف بالنظام الجديد في ليبيا خلال يوم أو يومين، لكنه فوجئ بوزير الخارجية يخبره بأنه تم اتخاذ القرار، وأنه سيعلنه خلال دقائق في مؤتمر صحافي، وهو ما حدث بالفعل. وأوضح المصدر أن الطلب الثاني كان تسليم السفارة الليبية في القاهرة ومندوبية ليبيا الدائمة لدى الجامعة العربية إلى «المجلس الوطني الانتقالي». وفيما يتصل بالمطلب الثالث، أوضح المصدر أنه تمثل بتقديم مصر المساعدة العاجلة في تطهير الممرات والطرق المؤدية من وإلى مدينة البريقة الليبية، ومداخلها من الألغام الأرضية التي زرعتها كتائب القذافي. وعن هذا الموضوع، أشار المصدر إلى أن هذا المطلب يندرج في خانة الأهمية الاستراتيجية الكبيرة التي تتمتع بها البريقة في مجال تصدير النفط وتكريره في ليبيا. مطلب استمهلت وزارة الخارجية في تنفيذه حتى تراجع المجلس العسكري فيه، مع طمأنة وزير الخارجية المصري إلى أنه «لا مشكلة في تنفيذه».
وأضاف المصدر نفسه إنّ المطلب الرابع الذي قدمه الهوني كان يخص ملف الطيران، حيث أعرب عن اهتمامه باستئناف «شركة مصر للطيران» رحلاتها إلى بنغازي وطرابلس، وتسيير رحلات منتظمة مجدداً من القاهرة إلى هاتين المدينتين، لأن ذلك سيعد إعلاناً واضحاً بأن الأوضاع قد عادت إلى طبيعتها هناك، رغم اعتراف الهوني وزملائه في المجلس الانتقالي أنفسهم بأن هذه المطارات لا تزال غير مهيّأة لاستقبال الطائرات، وأنه يلزمهم نحو أسبوعين إلى ثلاثة لتكون هذه المطارات مؤهلة لاستقبال الطائرات المدنية.
وسبق لوزير الخارجية المصري أن برّر، مساء أول من أمس، تأخّر مصر في الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي، بتذكيره أنّ نصف مليون مصري يقيمون حالياً في ليبيا، لذلك فإنّ حكومته تخاف من بطش القذافي بحقهم، «بالإضافة إلى وجود قواعد قانونية تحكم الاعتراف لم تكن متوافرة نتيجة لوجود نظامي حكم في ليبيا». وتابع عمرو، في سياق تبريره، إن القاهرة كانت معترفة بالمجلس الانتقالي الليبي عملياً، «وكانت هناك قنوات اتصال كثيرة مفتوحة بيننا وبينهم»، قبل أن يعرب عن أمله بـ«التعاون مع المجلس الانتقالي في الفترة المقبلة لإحكام السيطرة على الحدود بين مصر وليبيا».
قد يكون هناك مبرّر ما أو حسابات سياسية أدّت إلى تأخر النظام المصري في مساندة «المجلس الانتقالي»، لكن ما هي حجة الأحزاب السياسية والمعارضة التي لم تصدر معظمها حتى الآن، بيانات تضامن واضحة، وفضّلت الاختفاء تماماً عن المشهد، أو حتى منظمات المجتمع المدني؟ اكتفى الجميع برد الفعل الشعبي الذي خرج الى الشوارع المصرية احتفالاً بسقوط نظام القذافي. وحدها «الجمعية الوطنية للتغيير» التي يقودها المرشح الرئاسي محمد البرادعي هنأت الشعب الليبي، مشيرة إلى أنها «على يقين من أن ثوار ليبيا لن يرضوا أبداً بأي تدخل خارجي في بلادهم الحرة بعدما خلّصوها من الطاغية، وسيحافظون على وحدتها واستقلاليتها ويدفعونها بخطى واثقة نحو الديموقراطية والتنمية والازدهار، لتصبح ليبيا الجديدة العصرية قوة مضافة إلى الوطن العربي الغالي».