أكد الرئيس السوري بشار الأسد، في حوار مع الفضائية السوريّة بثّته مساء أمس، أن دمشق لا تخشى التهديدات الغربية بعقوبات أو شنّ عمل عسكري، مشيراً إلى أن بلاده لا تسمح لأي دولة في العالم بأن تتدخّل في قرارها، واصفاً الدعوات الغربية له بالتنحّي بأنها «بلا قيمة». وتوقّع حصول انتخابات تشريعية ومحليّة في غضون ستة أشهر، وبدء تكوين أحزاب جديدة اعتباراً من الأسبوع المقبل. ورأى الأسد، في مستهل مقابلته، أن «المخطط كان إسقاط سوريا خلال أيام قليلة، ومن حمى الوطن هو وعي الشعب السوري»، لافتاً إلى أن «الوضع الأمني خلال الأسابيع الماضية تحوّل إلى العمل المسلح من خلال الهجمات على مراكز الشرطة». غير أنه أضاف إن الوضع الأمني حالياً أفضل. وتابع «بدأنا بتحقيق إنجازات أمنية لن نعلنها الآن»، مشيراً إلى أن «الحل في سوريا هو حل سياسي، لكن عندما يكون هناك حالات أمنية فيجب حلها في المؤسسات الأمنية والأجهزة المعنية». وشدّد على أن «كل من تورط بجرم ضد مواطن سوري، سواء كان مدنياً أو عسكرياً، سوف يحاسب عندما يثبت عليه ذلك بالدليل القاطع».
ولفت الرئيس الأسد الى أنه «لو لم نكن اخترنا الحل السياسي لما اتجهنا للإصلاحات، لكن الحل السياسي لا ينجح من دون الحفاظ على الأمن»، مضيفاً «نحن في مرحلة انتقالية وسنتابع القوانين وسيكون هناك انتخابات ومراجعة للدستور، وأهم شيء في هذه المرحلة أن نستمر بالحوار». وشدّد على النية بإطلاق حوار في المحافظات مع من يمثل الشارع للنقاش في كل شيء، معتبراً أن هذا الحوار ضروري جداً في المرحلة الانتقالية.
وفي ما يخص اجتماع اللجنة المركزية للحزب، قال الأسد إن «البعض كان يتوقع اتخاذ قرارات، غير أن الاجتماع ليس مؤتمراً، وإنما هو لكوادر من الحزب وطبيعي أن تتم هذه اللقاءات على نحو دوري، واللقاء كان مرتبطاً بالأحداث»، لافتاً إلى أن «الاجتماع تحدث عن الرزمة الإصلاحية التي اتخذت».
وفي ما يتعلق بمراجعة الدستور، وتحديداً المادة الثامنة، قال الأسد «من البديهي أن تكون هناك مراجعة لكل الدستور، سواء كان الهدف المادة الثامنة أو بقية البنود السياسية». وأشار إلى أنه بعد صدور القوانين، سيتم تشكيل لجنة لمراجعة الدستور، يتراوح عملها بين ثلاثة أشهر وستة أشهر. وأضاف «بعد هذه الحزمة نكون قد أنهينا عملية الإصلاح وننتقل إلى التطبيق».
وتوقّع الرئيس السوري أن «تحصل انتخابات مجلس الشعب في شهر شباط المقبل في عام 2012»، لافتاً الى أن «قانون الإدارة المحلية أيضاً انتهى، ويجب أن يعلن في الأيام القليلة المقبلة، وأن قانون الإعلام سيقر قبل نهاية شهر رمضان». وأضاف إنه «في الأيام القليلة المقبلة ستشكل لجنة معنية بقبول طلبات الأحزاب وتضم «وزير الداخلية وقاضياً وثلاث شخصيات مستقلة»، مشيراً إلى أنه «بدءاً من الأسبوع المقبل يجب أن نكون جاهزين لتكوين أحزاب جديدة».
وعن الإعلام بعد صدور القانون وآلية تطبيقه، قال الأسد إنه لن يكون هناك «سقف للإعلام سوى القانون وأن يكون موضوعياً». ورأى أن الإعلام السوري حقق نقلة مهمة في الشهرين الأخيرين.
وفي ما يخص التدخل العسكري في سوريا، كشف الأسد عن أنه في عام 2003 بعد سقوط بغداد، وقبل ظهور حركات المقاومة هناك أو بروز الفشل في أفغانستان، «أتى مسؤول أميركي إلى دمشق ليقول إن الخطة هي أن سوريا بعد العراق، ومطلوب تنفيذ مجموعة من المطالب، فرفضنا، وجاءتنا التهديدات، حتى إنه تم إرسال خرائط تحدّد الأهداف التي ستقصف في أي عمل ضد سوريا». وشدّد على أن «تداعيات أي عمل عسكري علينا ستكون أكبر بكثير مما يمكن تحمله، وذلك لمجموعة من الأسباب، منها موقع سوريا، وقدرتها التي يعلمون جزءاً منها ولا يعلمون الجزء الآخر». ووصف دعوات التنحي الأخيرة الصادرة عن بعض الدول الغربية بأنها «بلا قيمة».
وعن الوضع الاقتصادي الذي تأثر بالأحداث التي تشهدها سوريا، قال الأسد إن «الوضع الاقتصادي خلال الشهرين الأخيرين بدأ يستعيد عافيته»، مؤكداً أن «الحصار لم يتغير وهو موجود وحتى بظروف العلاقات الجيدة». وقال إن «سوريا لا يمكن أن تجوع، ذلك مستحيل، فلديها اكتفاء ذاتي، وموقعها الجغرافي أساسي لاقتصاد المنطقة، وأي حصار عليها سيضرّ عدداً كبيراً من دول المنطقة وسينعكس على دول أخرى». وأشار إلى أنه رغم الحصار فإن البدائل موجودة، ومنها التوجه شرقاً الذي سبق أن اتخذت دمشق قراراً بشأنه، و«نحن مستمرون في هذا التوجه».
وبالنسبة إلى تعاطي الدول الغربية مع رزمة الإصلاح التي أعلنها واعتبارها غير كافية، رأى الأسد أن «الإصلاح بالنسبة إلى كل الدول الاستعمارية من الدول الغربية هو أن تقدم لهم كل ما يريدون وأن تتنازل لهم عن كل الحقوق وهذا شيء لن يحلموا به، لا في هذه الظروف ولا في ظروف أخرى». وقال إن «علاقة سوريا مع الغرب علاقة نزاع على السيادة، هدفها المستمر أن ينزعوا السيادة عن الدول، ونحن نتمسك بسيادتنا من دون تردد».
وعن العلاقة مع تركيا في المرحلة الأخيرة، ولا سيما بعد المواقف التي اعتبرت «تصعيدية»، قال الأسد «نحن لا نسمح لأي دولة في العالم قريبة أو بعيدة بأن تتدخل في القرار السوري». وأشار إلى أنه بالنسبة إلى التصريحات التركية «وبما أننا لا نعلم النيات، فيمكن أن نضعها في ثلاثة احتمالات، أولها الحرص على سوريا، ونحن نقدر ذلك، وثانيها القلق من الوضع وامتداداته، وهذا أمر طبيعي، والثالث هو محاولة أخذ دور المرشد أو المعلم أو لاعب الدور على حساب القضية السورية، وهو مرفوض رفضاً باتاً من أي مسؤول في أي مكان في العالم، بما فيها تركيا».
(الأخبار)

اعتقالات جديدة في حمص وإدلب... والبعثة الدوليّة تبدأ مهمّتها




نفذت السلطات السورية خلال اليومين الماضيين حملة اعتقالات جديدة تركزت في مدينتي حمص وإدلب، في وقت باشرت فيه بعثة الأمم المتحدة لتقويم الأوضاع الإنسانية في سوريا مهماتها بزيارة ضواحي دمشق

اتجهت الأنظار، أمس، إلى مدينة حمص وسط مخاوف من تعرض قرية العقرب لحملة مداهمات جديدة، بعد أنباء عن تعزيز السلطات السورية وجودها العسكري في المنطقة، وذلك في أعقاب ارتفاع عدد قتلى «جمعة بشائر النصر» إلى 34 شخصاً.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن المرصد السوري لحقوق الإنسان قوله إن 10 حافلات كبيرة تابعة لقوات الأمن السورية شوهدت أمس عند مدخل قرية العقرب «في ما بدا أنه استعداد لعملية اجتياح القرية»، مشيراً إلى أن الأهالي عثروا أول من أمس على جثامين 4 من أبناء القرية، لم يذكر هوياتهم، في أرض زراعية كانت «عناصر من الأمن والشبيحة قد اختطفتهم». كذلك ذكر نشطاء أن القوات الأمنية اعتقلت عشرات الأشخاص خلال غارات في محافظة إدلب بشمال البلاد، كما داهمت قوات الجيش والأمن حي الخالدية في مدينة حمص بوسط البلد.
وكان المرصد قد أعلن، أول من أمس، «سقوط ثمانية جرحى، بينهم سيدة في جوبر قرب حي بابا عمرو، جراء إطلاق الرصاص المستمر من قبل قوات الأمن السورية»، مشيراً إلى «انقطاع الاتصالات الأرضية عن حي الإنشاءات وبابا عمرو والاتصالات الخلوية والأرضية عن حي الخالدية». وقال إن مواطنين اثنين من مدينة الرستن لم يذكر اسميهما «استشهدا برصاص قوات الأمن السورية». كذلك ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان «أن جهازاً أمنياً في مدينة دير الزور اعتقل الجمعة الطبيب أحمد عبد الله حسون خلال محاولته إسعاف متظاهر أصيب بجراح بالغة برصاص الأمن».
بدورها، تحدثت وكالة «يونايتد برس أنترناشيونال» عن اقتحام قوات أمنية سورية فجر أول من أمس بلدة الموحسن شرق مدينة دير الزور شرق سوريا، ولم تواجه أي مقاومة أو وضع حواجز، ودخلت إلى أحياء المدينة وبدأت حملة اعتقالات طالت العشرات، وبخاصة الشباب منهم، وأن أحد المعتقلين أصيب بطلق ناري.
وفي اللاذقية، أوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن «قوات من الأمن والشبيحة اقتحمت حي قنينص وروّعت الأهالي واعتقلت من تصادف وجوده في الشوارع، كما فرضت حصاراً على الحي ومنعت الدخول والخروج منه». أما في الحراك في ريف درعا، التي قتل فيها 5 أشخاص يوم الجمعة الماضي، فنقلت «فرانس براس» عن ناشط قوله إن مواطناً جرح ظهر أول من أمس إثر إطلاق قوات الأمن الرصاص عليه، فيما نقل عن اتحاد تنسيقيات الثورة السورية وهي منظمة ناشطة أن رجلاً قتل في الحراك بمحافظة درعا عندما أطلقت قوات الأمن النار على جنازة. وأوضح الناشط «أن الأهالي رفضوا تسلّم جثامين أبنائهم الذين استشهدوا الجمعة لأن الأجهزة الأمنية طلبت منهم تعهداً بعدم خروج تشييع كبير للشهداء، فرفض الأهالي وتحول تجمعهم قرب المشفى إلى تظاهرة أطلقت قوات الأمن الرصاص عليها لتفريقها».
وبالتزامن مع ذلك، أعلنت منظمات حقوقية أن الأجهزة الأمنية السورية اعتقلت أول من أمس الناشطة ملاك سيد محمود، بعدما تقدمت بطلب للحصول على جواز سفر في مدينة حلب، فيما دعت صفحة «الثورة السورية» على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك الى متابعة التظاهرات «في العشر الأواخر» من شهر رمضان.
من جهته، تحدث موقع «سيريا نيوز» عن مقتل ثلاثة من العاملين في البحوث العلمية، فضلاً عن إصابة رابع إثر إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين يوم الثلاثاء الماضي على السيارة التي كانت تقلهم على أوتوستراد حلب دمشق، فيما أشارت الوكالة الرسمية السورية «سانا» إلى مقتل ضابطين وإصابة 3 آخرين بجروح أول من أمس «إثر استهداف مجموعات مسلحة حافلة عسكرية كانوا على متنها تقلّ عدداً من ضباط وعناصر القوات المسلحة إلى أماكن عملهم في منطقة جورة العرايس في حمص»، وتحدثت عن تشييع 17 عسكرياً خلال اليومين الماضيين.
في غضون ذلك، بدأت بعثة الأمم المتحدة لتقويم الأوضاع الإنسانية في سوريا، أمس، زيارة لبعض البلدات التي شهدت احتجاجات في ريف دمشق، والتقت بعض المواطنين في بلدتي داريا والمعضمية غرب العاصمة العاصمة السورية، في وقتٍ من المقرر أن تعقد فيه اليوم جلسة خاصة جديدة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف حول الوضع في سوريا.
وأوضح مصدر دبلوماسي غربي في دمشق أن البعثة، الى جانب مهمتها في محافظة ريف دمشق، ستزور اليوم مدن حمص وتلكلخ وسط سوريا، فيما تزور غداً اللاذقية وإدلب شمالاً، على أن تختم جولتها بزيارة كل من حماه والرستن وتلبيسة وسط سوريا.
من جهته، أعرب الناطق الرسمي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في دمشق، صالح دباكة، عن أمل البعثة بالتمكن «قريباً جداً» من زيارة آلاف المعتقلين الذين تم توقيفهم منذ بداية حركة الاحتجاجات.
في هذه الأثناء، شهد اليومان الماضيان توالي المواقف الدولية إزاء الوضع في سوريا. وأكد الوزير في وزارة الخارجية البريطانية، اليستير بيرت، أن بريطانيا لم تقرر بعد ما إذا كانت ستساند عقوبات اقترحها الاتحاد الأوروبي على قطاع النفط السوري، وذلك بعد يوم من إرجاء الاتحاد الأوروبي النقاش بشأن الحظر النفطي الى الأسبوع الجاري.
من جهته، أعلن رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الفدرالية (الشيوخ) الروسي، ميخائيل مارغيلوف، أول من أمس، أن لجنته قد تشكل وفداً مشتركاً مع نواب من مجلس الدوما لزيارة سوريا قريباً، معرباً عن اعتقاده بأن المشاورات بهذا الشأن قد تبدأ مع بداية الدورة الخريفية للبرلمان الروسي بمجلسيه.
من جهته، حث وزير الخارجية الياباني تاكياكي ماتسوموتو إثر استدعاء السفير السوري لدى اليابان محمد الحباش، سوريا على الوقف الفوري للعنف ضد المدنيين، داعياً الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي.
من جهته، أفاد الحباش بأنه سينقل الموقف الياباني إلى حكومته، قائلاً إن القوة العسكرية تستخدم ضد المجموعات المسلحة فقط.
أما عربياً، فقررت نيابة الكويت توقيف النائب الإسلامي محمد هايف المتهم بتهديد حياة السفير السوري في الكويت، قبل أن تفرج عنه بكفالة.
(أ ف ب، رويترز، الأخبار)

تركيا وأدوات الضغط: العين بصيرة واليد قصيرة



يرى مراقبون في تركيا أنّ التصريحات التركيّة النارية إزاء نظام الرئيس بشار الأسد يصعب أن تصرَف عملياً، ذلك أن الأدوات المتاحة للأتراك ليست بكثيرة

إسطنبول ــ فاطمة كايابال
تعجّ وسائل الإعلام التركية والعالمية بتحليلات وتخمينات عن الأدوات المتوافرة للقيادة التركية في ضغطها المتواصل على نظام الرئيس السوري بشار الأسد لتلبية شروط «المجتمع الدولي» في وقف العنف والشروع بالإصلاحات الجذرية. وفي ظل إجماع معظم المراقبين على استبعاد أي موافقة تركية للدخول في أي حملة عسكرية على دمشق، اتفقت مجموعة من الصحافيين والمسؤولين السابقين، في أحاديث مع «الأخبار»، على أن يد تركيا في الأزمة السورية الحالية «قصيرة»، والأدوات المتاحة لها قليلة.
ويشير نصّوحي غونغور، من صحيفة «ستار» الموالية لحكومة رجب طيب أردوغان، إلى أن تركيا «حالياً لا تملك ذاك النفوذ الهائل للتصرف ضد سوريا، وعلى أنقرة حالياً أن تأخذ في الاعتبار طهران أكثر من أي وقت مضى قبل أن تقدم على أي خطوة ضدّ دمشق. في الماضي، كانت تركيا تتصرف بحماسة كبيرة لتحويل المنطقة، لكنها حالياً في وضعية صعبة للغاية، وهذه الوضعية الصعبة هي ما يضع تركيا أمام نقاش جدّي حول مكانتها ووزنها في المنطقة». ورداً على سؤال عن احتمال قيام تركيا بسحب سفيرها المعتمد لدى سوريا، يذكّر غونغور بأنّ هذه الوسيلة اعتمدتها تركيا اعتماداً نادراً للغاية، مستبعداً بشدة حصول ذلك حيال الأزمة السورية. أما بالنسبة إلى إمكانية دعم أنقرة رسمياً للمعارضة السورية لتكون بديلاً لنظام الرئيس الأسد، فيرجّح الصحافي في الجريدة، التي تُعَدّ اليوم الأقرب إلى الحكومة، ألّا تقوم أنقرة بتبنّيه «لكنها في المقابل لن تقف في وجه تكوّن معارضة موحدة ومنظمة». بكلام آخر، لن تعترف أنقرة رسمياً بأحد أطراف المعارضة السورية من دون أن يمنعها ذلك من السماح بتنظيم المزيد من المؤتمرات المعارضة على أراضيها، على حد تعبيره.
وفي السياق، يعرب غونغور عن اعتقاده بأنّ القيادة التركية لن تفرض عقوبات على سوريا إلا إذا كانت معتمدة من الأمم المتحدة، «وحتى في هذه الحالة، ستكون تركيا إحدى الدول التي لن تطبق العقوبات الدولية تطبيقاً كاملاً». وبما أنّ الحديث عن تنظيم موقف إقليمي موحد ضاغط على نظام الأسد، بات يرد على ألسنة رسميي الحكومة التركية، وأبرزهم وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، رجّح غونغور أن تنظّم تركيا مؤتمراً إقليمياً أو حتى دولياً لتنسيق الجهود الدبلوماسية الضاغطة على دمشق، نظراً إلى أن هذا الخيار هو «إحدى الأدوات القليلة التي تملكها». غير أنه يعود ليذكّر بأنّ تركيا «سبق أن حاولت فعل الكثير في العالم العربي السُّني من دون أن تنجح»، في إشارة إلى محاولة أنقرة التوسُّط في الأزمة البحرينية، وجهود إيصال مرشحين مقربين إليها إلى الحكم في بغداد ولبنان... ويبرر ذلك «الفشل» بالتأكيد أن للعالم العربي عادات وتقاليد سياسية تجعل من حكامه وشعوبه غير قادرين على المشاركة في الجهود الدبلوماسية التركية دائماً.
من جهته، كان للمدير العام السابق لوزارة الخارجية التركية، أوغور زيال، الذي تولّى منصبه في زمن الضغوط على سوريا لطرد زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من أراضيها، رأي في الموضوع؛ فوفق كلامه، على القيادة التركية أولاً محاولة الحؤول دون تطوّر الأمور في سوريا نحو منحى أكثر سلبية، «لكن تركيا عاجزة عن فعل ذلك وحدها، والغرب لن يكون طرفاً مساعداً لها في ذلك. لذلك، على تركيا السعي إلى الحصول على دعم إقليمي من خلال تنظيم مؤتمر يضم دول المنطقة للنظر في المسألة السورية». ويلفت إلى أن الأمر الآخر الذي يمكن تركيا فعله حالياً هو تمهيد الطريق للمفاوضات بين الحكم في سوريا والمعارضين له، «وهو ملف يجب العمل عليه بدقة وبعيداً عن وسائل الإعلام وتسريباتها». وشأنه شأن عدد كبير من المراقبين الأتراك، يحذّر المسؤول التركي السابق من أنّ سحب السفير التركي من سوريا هو «خيار غير عقلاني، وخصوصاً لأنه على السفراء أن يعملوا في أيام الأزمات بنحو أكبر بكثير من عملهم في أوقات السلام لدى الدول المعتمدين لديها». وعن رأيه في فرض عقوبات تركية أحادية الجانب على سوريا، يوضح زيال أنّ هذا الموضوع يجب أن يخضع للفحص المركَّز، وذلك لأسباب عدة: «أولاً لأنه يجب انتظار توفير غطاء دولي من الأمم المتحدة لهذه العقوبات. وثانياً، لأنه يجدر التأكد من هوية الطرف المتضرر من هذه العقوبات: هل سيكون الشعب أم النظام؟». وهنا، يشدّد زيال على ضرورة التواصل مع الإيرانيين، تحديداً «بعدما أظهرت الأزمة السورية تناقض المصالح التركية والإيرانية في المنطقة، معترفاً في الوقت نفسه بأنّه يصعب إقناع حكام طهران بالتخلي عن الأسد «لكن يجب إقناعهم بعدم التسبب بجعل الأمور أكثر سوءاً مما هي عليه اليوم».
رأي قريب يعبّر عنه الكاتب في صحيفة «ملييت» المعارضة، سميح إيديز، الذي يجزم بأن «ما يمكن تركيا فعله محدود، لأنّ الجهود التركية غير مأخوذة بجدّية من السوريين، وهو ما يزعج الأتراك فعلياً، لأن ذلك يضرب جزءاً من الهيبة التركية». وعن تقديره لمسار تطور الموقف المستقبلي لأنقرة إزاء النظام السوري، يتوقَّع إيديز أن ينتهي الأمر بالأتراك نحو «الاستسلام» في ما يتعلق بحثّ الأسد على القيام بالإصلاحات ووقف القتل، وأن ينضمّوا في النهاية إلى المعسكر الغربي، إضافة إلى استمرار سعي أنقرة في تأدية دور المسؤول عن حشد القوى الإقليمية للضغط على الحكومة في دمشق، مع ترجيحه إبقاء الحدود البرية مفتوحة مع سوريا لاستقبال المزيد من اللاجئين.
وفي المقلب الآخر المتحمس للشروع بخطوات تركية قوية ضد نظام الحكم في الشام، ذكرت صحيفة «زمان»، أمس، أن المسؤولين الأتراك يدرسون «فكّ الارتباط وعزل الإدارة السورية»، وذلك بعدما «فشلت محاولات الحوار مع النظام السوري». ونقلت عن محللين أنّ الخطة ستُسهم «في تغيير الأمور بسوريا التي ستخسر أحد حلفائها الأساسيين في المنطقة»، من دون أن تكشف مصادر الصحيفة عن ماهية الخطوة التالية التي تتحدث عنها.


معارضون في إسطنبول لإنشاء «مجلس وطني»



واصل معارضون سوريون، وخصوصاً من التيار الإسلامي، أمس، لليوم الثاني على التوالي، مباحثاتهم في إسطنبول بشأن فرص إنشاء «مجلس وطني» بهدف تنسيق العمل بين مختلف أطياف المعارضة السورية لإسقاط النظام، في وقت أبدت فيه «الهيئة العامة للثورة السورية»، المؤلّفة حديثاً، تحفّظها على هذه الخطوة.
وقال الناشط عبيدة النحاس (الإخوان المسلمين)، الذي يشارك في أعمال المؤتمر لوكالة «فرانس برس»، «نواصل المحادثات وسنتمكن كما أعتقد من إعلان شيء ما»، موضحاً أن المحادثات كان يفترض أصلاً أن تنتهي أمس، لكنّ «المشاركين يريدون جميعاً الكلام والتعبير عن مواقفهم». وعندما سئل عن إمكان إنشاء «مجلس وطني» في إسطنبول، أكد أن المشاركين في الاجتماع، الذين جاؤوا من سوريا ومن الخارج، «يتقدمون باتجاه اقامة مثل هذا المجلس»، لكن تجري مناقشات في الوقت الحاضر بشأن هذا المشروع الذي يعود إلى حزيران الماضي.
وكان النحاس قد أوضح، أول من أمس، أن «المجلس الوطني السوري سيتألف من 115 الى 150 عضواً، نصفهم أو اكثر سيكونون من داخل سوريا، والباقي من المنفى»، مشيراً إلى أن هذا المجلس يفترض «أن يُسمع المجتمع الدولي صوت الثورة السورية ومطالبها».
من جهته، رأى المحامي ياسر طبارة، الذي يعيش في الولايات المتحدة، أن «الأولوية المطلقة بالنسبة الينا هي سقوط نظام الرئيس بشار الأسد»، مشيراً إلى أن «سبعة أو ثمانية مكاتب» ستنبثق عن اجتماعات هذا المجلس تعنى خصوصاً بـ «الشؤون الخارجية والتخطيط السياسي والاقتصاد والإعلام»، فيما أشار السياسي السوري، الذي أدّى دوراً رئيسياً في اعداد قائمة المرشحين، وائل مرزا، إلى أن المجتمعين يرغبون في اعداد خارطة طريق للتحول وتحقيق الوحدة بين المعارضة.
ويأتي اجتماع إسطنبول، الذي يشارك فيه العضو البارز في الإخوان المسلمين بسوريا ملهم الدروبي، والشيخ مطيع البطين، الذي كان من قادة الاحتجاجات في درعا، والسجين السياسي السابق خالد الحاج صالح، في وقت انتقدت فيه «الهيئة العامة للثورة السورية»، التي تضم نحو 44 مجموعة ولجنة تضم تجمعات المحتجين، وخاصة اللجان التنسيقية في المدن داخل سوريا والمعارضين في الخارج، المؤتمرات الداعية الى إنشاء مجالس انتقالية او حكومات في المنفى، مشيرةً إلى أن مثل هذه الدعوات «كان لها تداعيات سلبية على الثورة».
وأكدت الهيئة أنها «تؤيد أي مسعى حقيقي إلى توحيد جهود المعارضة السورية في الداخل والخارج بما يدعم الثورة السورية»، لكنها شددت على «رغبتها في تأجيل أي مشروع تمثيلي للشعب السوري» من اجل «المصلحة الوطنية والثورة السورية». وبررت موقفها «بالعمل على التوافقية الكاملة لكافة اطياف ومكونات الشعب السوري في الداخل والخارج، ما يمكّن الثورة السورية من تحقيق أهدافها وتطلعات شعبنا بإسقاط النظام وبناء الدولة المدنية الديموقراطية لكل السوريين».
ودعت الهيئة «كل السياسيين السوريين المعارضين في الداخل والخارج» الى أن «يكونوا على قدر المسؤولية في الاجتماع والتوحد، وعلى مستوى التضحيات التي قدمها ويقدمها أبناء شعبنا السوري، التي استطاعت وحدها أن تصنع الإنجاز الذي نعيشه اليوم».
(أ ف ب، رويترز)