لم تعلن إسرائيل الرسمية خططها العسكرية تجاه قطاع غزة، لكنَّ أوساطاً سياسية وعسكرية ترى ضرورة في «إنزال ضربة» لإعادة قوة «الردع» من دون أن تكون هناك عملية عسكرية على غرار عملية «الرصاص المصبوب». لكنَّ ما يميّز الحالة الإسرائيلية في تعاطيها الراهن مع غزة، هو دخول القاهرة إلى الاعتبارات، وخصوصاً أنَّها طرف في العملية الأخيرة بعد مقتل عدد من جنودها عند الحدود المصرية الإسرائيلية. ورأى بعض المراقبين أنَّ العملية الأخيرة على مقربة من مدينة إيلات، خفّفت ضغط الاحتجاجات الاجتماعية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكنَّ هذا ليس دقيقاً، وخصوصاً أنَّ نتنياهو، الذي تباهى مراراً بالسياسة الأمنية وعدم وقوع قتلى أثناء دورته الحالية، يجد نفسه أمام امتحان أصعب بعد عملية عدّها «اعتداءً على السيادة»، وكشفت عن عطب دفاعي في الجنوب، ما أدّى إلى فتح التحقيق من بعدها. ليس هذا فحسب، بل على رئيس الوزراء اليوم اتخاذ قرار بالتعاطي مع غزة للمدى البعيد في ظل الحفاظ على العلاقات المصرية الإسرائيلية، وهو اعتبار لم يكن وارداً لدى أسلافه. وللمقارنة، يمكن القول إنه في عام 2006، في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك، قتل جنديان مصريان على الحدود الإسرائيلية المصرية. التحقيق الإسرائيلي الداخلي قال إنّهما قتلا «خطأً»، بعد يومين فقط، استقبل الرئيس مبارك رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود اولمرت في شرم الشيخ. لكن اليوم المرور على مقتل الجنود، ليس وارداً في مصر، على الأقل شعبياً، وخصوصاً أن مشهد العلم الإسرائيلي يحترق بين الجماهير المصرية الغاضبة يؤرق إسرائيل، لا أمنياً فحسب، بل استراتيجياً على المدى البعيد.
جنرال الاحتياط في الجيش الإسرائيلي غيور آيلاند، وهو شغل رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، قال، في مقابلة مع إذاعة الجيش، «نحن (الإسرائيليين) نستطيع أن ننهي هذه الأحداث» في غزة. ورأى أنَّ في هذه المرحلة ممكن تحسين العلاقات مع مصر، نظراً إلى وجود «مصالح متصلة» بين الجانبين، ذكر منها أن النظام المصري الحالي لا يريد أن يفقد السيطرة في سيناء، ولا يرغب السماح بحرية حركة كبيرة بين غزة وسيناء، مضيفاً أن المصريين معنيون بإعادة تزويد الغاز الطبيعي لإسرائيل لـ«أسباب اقتصادية صرف». وقال إنه لا يمكن الحديث عن المصالح المذكورة في حال تصعيد في غزة. مشيراً إلى أنه من مصلحة إسرائيل اليوم «إنهاء الموضوع».
ويرى مسؤولون عسكريون إسرائيليون أنه لا مناص من رد قوي في أعقاب القصف على بلدات الجنوب. وقال الموقع الإلكتروني لصحيفة «يديعوت أحرونوت» إنَّ أوساطاً عسكرية لمّحت إلى أن «غياب الرد (أي عدم القصف في الليلة الواصلة بين السبت والأحد) لا يدل على ضعف، بل على مسيرة تفكير وتخطيط قد تؤدي إلى نتائج أفضل»، ولمحت أيضاً إلى أنه لا نيات للخروج إلى عملية برية واسعة، مبينين أن «هناك ما يكفي من درجات حتى نصل إلى هناك. ممكن ضرب المنظمات الإرهابية بشكل ذي معنى، حتى بطرق أخرى». لكنَّ هناك أصواتاً في الحكومة الإسرائيلية تنادي بعملية واسعة. نائب رئيس الحكومة الإسرائيلي سيلفان شالوم لا ينفي أن تتوجه الدولة العبرية إلى عملية برية في أعقاب سقوط صواريخ غراد على مدينة بئر السبع، بينما قال مصدر سياسي إسرائيلي آخر لصحيفة «يسرائيل هيوم» إنه «لا توجد هناك أي نيات للخروج إلى عملية «الرصاص المصهور 2». لكن كل شيء متعلق بحماس. إذا واصلوا إطلاق النار باتجاه بلدات إسرائيل فإنهم سيتلقون ضربة». في جميع الحالات تقف إسرائيل اليوم بوضعية تريد الحفاظ على العلاقات المصرية الإسرائيلية من ناحية، وتوجيه ضربة إلى غزة من ناحية أخرى. وهذا واقع ليس سهلاً. المحلل آري شبيط، رأى أن ما حصل من تطورات سياسية عسكرية واقع قاسٍ. وقال: «ضربة الواقع قاسية، من ناحية الأميركيين، الذين بدأوا يفهمون ماذا فعلوا في الشتاء الماضي حين أسقطوا مصر مبارك. كذلك قاسية تجاه الإسرائيليين الذين آمنوا بأن هذا الصيف سيكون مدنياً اجتماعياً. وهي قاسية لمن تلهف لثورة التحرير ويعي الآن أن ثورة التحرير تفتت السلام».