«يتنغّض» تجار مخيم البارد كلما ذكّرهم أحد بوضعهم الذي كانوا عليه قبل الأحداث التي شهدها المخيم صيف 2007، وما نتج من الاشتباكات بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام من تدمير وتهجير لسكانه، ما أدى إلى محو مخيم كان يُعدّ درّة المخيمات الفلسطينية في لبنان، وشطبه عن الخريطة، وكان مثالاً حيّاً على اندماج الفلسطينيين بجوارهم اللبناني.قبل ذلك التاريخ، كان المخيم بالنسبة إلى أهالي عكار والمنية والضنية وبقية مناطق الشمال عموماً، ولا سيما الفقراء من أهل الأرياف أو الفئات الشعبية التي تسكن على تخوم عاصمة الشمال، سوقاً رئيسياً يتزودون منه بكل ما يحتاجون إليه من بضائع: من اللحوم إلى المواد الغذائية إلى المعدات الكهربائية، مروراً بالألبسة والتجهيزات المنزلية، والبلاط والبورسلين ومعدات البناء... إلخ. وسر الإقبال أن الأسعار هنا كانت دائماً أقل من «الخارج»، والمعاملة حسنة. هنا، كان الناس «ييسرون» أمور بعضهم.
هذا الواقع يؤكده رئيس جمعية تجار المخيم حسن موعد، الذي يشير إلى أن «ازدهار المخيم اقتصادياً كان نتيجة اعتمادنا على زبائننا من اللبنانيين، الذين كانوا يمثّلون ما لا يقل عن 60% ممن كانوا يتبضعون منه»، ما جعله ينقل عن بعض ممن يلتقيهم من زبائنه اللبنانيين قولهم له: «لقد اخترنا سوق مخيم البارد؛ لأن بضائعه أرخص من الخارج، وخسارتنا للمخيم لا تقل عن خسارتكم له، الخسارة مزدوجة بيننا وبينكم».
وضع المخيم اليوم لا يمتّ إلى ماضيه بصلة؛ لأن السوق الرئيسي كان يقع داخل الجزء القديم من المخيم الذي دُمّر بالكامل، وجُرف ركامه، ويعاد اليوم بناؤه ببطء شديد. في هذا الإطار، يشير موعد إلى أن «85 % من المحال التجارية كانت داخل الجزء القديم، والباقي في الجزء الجديد؛ لأن المحال في الجزء القديم (نحو 1200 محل من أصل 1515 محلاً في مجمل أنحاء المخيم) كانت مملوكة من أصحابها، ما أراح التجار ووفّر عليهم. أما خارجه، فهي مستأجرة؛ لأن القانون اللبناني لا يسمح لنا بالتملك».
بعد السماح بعودة أهالي المخيم تدريجاً، إلى الجزء الجديد تحديداً، واجهت الحركة التجارية فيه عدة صعوبات، أبرزها ـــ حسب موعد ـــ أن «أكثر من نصف أهالي المخيم لم يعودوا إليه بعد، وأن نحو 35% فقط من التجار عادوا إليه، إما لأن بعضهم أصيب بخسائر كبيرة لم يستطع بعدها «التقليع» مجدداً، وإما لأنهم رتبوا أوضاعهم خارج المخيم، بعدما وجدوا أن الإجراءات الأمنية المشددة حول المخيم لن تجعله يعود إلى سابق عهده، ولو بالحد الأدنى».
هذه الإجراءات الأمنية التي ما انفكّ أهالي المخيم يطالبون برفعها، أو تخفيفها على الأقل، جعلت أعداد اللبنانيين الذين يزورونه للتبضع بعد عودة الحياة إليه تدريجاً قليلة؛ فهم وفق موعد «لا يتجاوزون 40 شخصاً يومياً، ما أصاب الحركة بالركود وأدى إلى إقفال محال افتتحت بعد العودة، أو انتقال أصحابها للعمل إلى خارج المخيم».
أحمد ناصر (تاجر بورسلين)، هو واحد من الذين انتظروا طويلاً في المخيم تحسّن أحوالهم بلا طائل، فدفعه الوضع القائم إلى إقفال مؤسسته داخله ونقلها إلى جواره على أوتوستراد المنية ـــــ العبدة الدولي؛ لأن «العمل داخل المخيم في هذه الظروف يجعلنا بالكاد «نطلع» أجور العمال ومصاريفنا»، يقول.



خسائر كبيرة

لم ينفع كثيراً تعويل تجار مخيم البارد في حصولهم على تعويضات مقابل الخسائر التي تكبدوها. رئيس جمعية تجار المخيم حسن موعد الذي كان يملك 3 محال ومستودعاً في المخيم يبيع فيها اللانجري وتجهيزات العرائس، كل ما حصل عليه من مساعدات اقتصر على ما وصله من هبة الاتحاد الأوروبي التي بلغت 8 آلاف دولار، رغم أن خسارته هي بحدود 150 ألف دولار!
وضع تجار البارد ازداد صعوبة أخيراً، بعدما صادر الجيش اللبناني في المخيم معظم الدراجات النارية المخالفة، ما أدى إلى تراجع مبيعاتهم التي كانوا يعتمدون في جزء منها على توصيل السلع للبيوت عبر هذه الدراجات.