في مخيم فلسطيني يقع في الأردن اسمه مخيم حطين، واسمه المتداول هو مخيم «شنلر» على اسم مبشّر ألماني يدعى ثيودور شنلر «مش هيرتزل» بنى مدرسة قريبة من المخيم، هناك في هذا المخيم وككل المخيمات في الأردن، السوق ذو أسعار رخيصة جداً، لأن الضرائب على ما يبدو لا تطال البسطات والمفارش هناك. ورغم أن هذا السوق يعتبر سوقاً شعبياً، لا أعرف كيف تسرّبت فاكهة مثل «الكيوي ­­­­والأناناس والفراولة والبابايا والكلابلا» والعديد من فاكهة أفريقية استوائية غريبة، حتى ثمرة «القشطة» المعروفة في فلسطين كانت على لوح عرض في منتصف السوق. كنت ذاهباً إلى المخيم لإحضار بعض البطاطا «بلا معنى». في السوق كان الحاج أبو زيد مع حفيده النجس «بريزة»، والبريزة هو اسم للعشرة قروش الأردنية، وسمّي بالبريزة لسبب لن أذكره. المهم بريزة سأل جدّه الذي أصبح أبناؤه سلفيين عن هذه الفاكهة. وبالتأثير السلفي الوهّابي قال الجد لحفيده: هاي أشياء حرام، زي أبو طارق الكلب ما ببيع أشياء حرام، «أبو طارق صاحب محل بيع المشروب»، فيسأل بريزة «ليش بتنباع في السوق؟»، أجابه الجد «الحكيم» بأن هذا كلام سياسة لا يجب أن تقوله. أصبت بالصدمة من جارنا أبو زيد. بعد يومين اشتريت بضع حبات من الكيوي، ووجدت بريزة في الحارة. ناديته وقلت له تعال تذوّق هذه الفاكهة. قشّرت الحبات القليلة وقطّعتها، وأكلنا أنا وبريزة هذه الشرائح من الكيوي، فقال ببلاهة: ليش كل إشي حرام زاكي؟ فقلت له لأنها غالية، والغالي حرام ع اللاجئين. سألني بريزة ما هو السفرجل، فأجبته بأن السفرجل فاكهة كانت موجودة في فلسطين، ولكنها تستعمل للشعر هذه الأيام، وهي فاكهة قاسية جداً وحلوة، تشبه التفاح قليلاً، ويصنع منها المربّى في وسط فلسطين وشمالها. بريزة الغبي لم يفهم ما هو السفرجل، لكنه قال إن أبو زيد كان يحكي له ولإخوته ولأبناء عمه عن فاكهة فلسطين، أن هناك في البلاد حبة البرتقال اليافاوية تشبه البطيخة بحجمها، وأنها مثل العسل في طعمها، والجوافة رائحتها تشمّها من بعد 200 متر، وبحجم البرتقال اليافاوي نفسه، وعنب الخليل الحبة مثل «بز البقرة»، وطعمها مثل العسل أيضاً، وشجرة الزيتون تعصر نصف تنكة من الزيت. فقلت له: جدّك أكبر كذّاب في المخيم، ولكنه في هذه الأشياء صدق.
بريزة أصبح من أهم زبائن أبو طارق الكلب، وبقي شوكة في حلق والده وأعمامه السلفيين.
في فلسطين فاكهة أصبحت اليوم محرّمة، لأنها من فاكهة الجنة التي طردنا منها، لكننا لم نطرد بسبب خطية ارتكبناها، ولا لأننا أكلنا من شجرة معرفة الخير والشر. ورغم أن من حمل هذه الخطية عن البشر وفداهم بروحه فلسطينيّ من ناصرة الجليل، طُرد مواطنوه من فلسطين، لا لشيء، بل لأن فلسطين جنة حقيقية في الأرض والسماء.