Iالديكتاتور يتثاءب. جرعة المنوم او المهدئ زائدة في الجلسة الثانية. الديكتاتور ينام على الهواء وامام جماهير افسد حياتها ٣٠ سنة.الجماهير ترى غروبه لحظة بلحظة. تراه هو واولاده في معركة يعرفون انها تلفزيونية، لحظات الظهور هي فرصتهم الوحيدة لتوصيل رسالة بأنهم قادرون على التبجح.النظرات التي تبدو واثقة، مصنوعة من «أبطال» يتصرفون بإحساس الهروب من مصير مجهول.الديكتاتور بالروب دي شامبر، بملابس البيت، القفص اصبح امتداداً لبيته. انه تلفزيون واقع سياسي. والمعركة تدار امام الشاشات ليبدو مبارك بمؤيدين يمارسون العنف لتعطيل المحاكمة. والصحافة تكتب: حرب بين مؤيدين ومعارضين للرئيس السابق.

هذه محاولة لكي يدخل في اللاوعي أن المحاكمة خطوة ليست نهائية، وأن «الزمن» سيعود الى ما قبل ٢٥ كانون الثاني. كيف يكون للديكتاتور معارضون وهو الآن مجرد متهم؟
انصار الديكتاتور، كومبارس عصابته، يلعبون دورهم الاخير ربما، مجرد بلطجية لا مشروع سياسي لديهم سوى صور مطبوعة بركاكة وبكاء وصرخات ووجوه محفور عليها مشاعر هستيرية. هل هذا كل ما تبقى من نظام مبارك؟ ام المشهد المقصود امام التلفزيون: رجل عجوز في لحظة الخرف، ينام بملابس البيت وعلى سرير المرض وأولاد متماسكون، ومؤيدون يطاردون اسر الشهداء.مشهد لا وجود له خارج الشاشة. مبارك وعائلته ونظامه بلا قيمة الآن، اسلحته منزوعة، ووجوده اسير قوى غير مرئية تدفعه الى المجهول.
ماذا سيفعل مبارك اذا حصل هو واولاده على البراءة؟ هل يعودون الى البيت؟
II
إنها عائلة ملعونة بشهوتها في خلود السلطة، وتحاول الدفاع عن نفسها على طريقة المسلسلات التلفزيونية. والإعلام لم يصل الى مستوى اللحظة ويتعامل إما بخبث او بسذاجة مع الوضع ليصنع من اشلاء مبارك طرفاً في المعركة، فتظهر وجوه من المحاربين القدامي في جيشه، يظهرون على الشاشات، ويكشفون عن بضاعة منتهية الصلاحية، مستهلكة، لكنها تستخدم لكي تلتهمها آلة الاستهلاك الكبيرة.الدراما الفاقعة في المحاكمات تقول إن المشهد اصغر من الثورة، وإن وضع الفرعون في القفص، لم يعد كافياً للشعور بأن الثورة تحققت. الديكتاتور في القفص، لكن الديكتاتورية تطل من خلف شبكة مصالح واسعة تريد منع الثورة من الاستمرار.
وهذا ما يتحقق عبر السيطرة على الإعلام والتلفزيون، الذي يريد استهلاك الثورة وتحويلها الى موضوع تصبح فيه مجرد وجهة نظر، تقابلها وجهة نظر اخرى لجيش الدفاع عن مبارك ونظامه وأيامه. مبارك النائم في القفص، بالملابس البيتية، مستسلماً لتأثير مهدئ قوي، لم يحفظ اولاده من قبضة المجهول… تركهم اسرى تأثير خبرتهم التلفزيونية، ودرجة قوة المهدئ.
جمال في الجلسة الثانية دخل كهفه، بينما كان علاء الاكثر فظاظة. كلاهما في لحظات الدفاع اليائس ضد لعنة لا يعرف احد آخرها. الأب النائم ديكتاتور، لكنه اب، وزعيم مافيا انتهى دوره، مازال معلقا بين لحظتين، عرف الاولى يوم التنحي ويوم قال «حاضر يا فندم»... ولا يعرف ماذا ستكون اللحظة الثانية.
القاضي أنهى اليوم المعركة التلفزيونية. وهذا ما قد يصيب الديكتاتور وعائلته بالاكتئاب، فقد ضاعت فرصتهما في اظهار قوة مصنوعة في مواجهة المجهول المنتظر.انها حقاً عائلة تعسة، تتعامل بسلطانها لقديم، وتواجه الناس ببجاحة، وهي تتنقل بين سيارات الاسعاف وسيارات الترحيلات الى متاهة لا يعرفون خريطتها.
III
انهم يريدون تحويل الثورة الى مسلسل تلفزيوني. المسلسل هو الفن الوحيد الذي تطور في عصر مبارك. فيض لا يتوقف، ولا يمكن تأمله او متابعته، له موسم كبير في شهر رمضان، ومواعيد ثابتة، يسعى فيها المسلسل الى اللهاث وراء المشاهد وليس العكس.
المسلسل عقلية كاملة، سيطرت على صناع القرار من التلفزيون والبيزنس الى السياسة وقصور الحكم. كل القضايا الكبرى تحولت في عصر مبارك الى «مسلسلات».. لا حسم، ولا نهاية متوقعة، لكن تطويل مرهق يبرد الحدث، غير أنه لا يمنع من متابعته، وتحويله من «صدمة» الى «حكاية» يمكنها ان تشغل الليالي المملة بتصاعد مثير للحدث.
العقل السياسي الذي حكم مصر في الخمسينيات والستينيات اعتمد على فكرة الصلابة واختار «الخطابة» تراثاً قديماً يعبّر عن فروسية البطل وتراث حديث يصعد فيهما الزعيم الملهم الى الشرفات ليحدث الحشود الغفيرة ويعلمها ويمنحها دروساً في التاريخ.
عبد الناصر اعتمد على الخطابة، بما انها ساحة مواجهة وحسم لمعارك مع الاعداء، صلابة بلا دراما. السادات درامي اكثر، وخطاباته لم تخل من درامية «البطل السينمائي». برامج السادات الحكائية كانت تكمل صورته «الريفية» المعتمدة على روايات شفاهية تحوله في الليالي الى اسطورة، تسيطر على عقل مشاهد يرى فيه «عمدة» بلا بطولات، لكنه الحكيم والداهية وصاحب الخبرة والمقام والمركز الاجتماعي.
مع مبارك اصبحت المسلسلات حقيقة واقعة، وترسخت اشكال «اوبرا الصابون». الحلقات تحول الزمن الى سائل بلا مواجهات مع حدث بعينه، وتنقل المواجهة كلها الى المشاعر، وهو ما يمنح اوبرا الصابون طابعها الرومانسي، وتأثيرها العاطفي المبالغ فيه، وخصوصاً ان جمهورها الاساسي ربات البيوت او المقيمون امام الشاشات.
السياسة في ايام مبارك نزعت الى ان تكون «اوبرا صابون» لأنها تناسب «العقل الهلامي» المشغول بالوجود في اللحظة، لا ماض ولا مستقبل. هكذا يظهر نجوم عصر مبارك وحراسه في برامج التلفزيون على انهم ضحايا لا مشاركون في جريمة مبارك. حراس مبارك ليسوا طرفاً في الحاضر، إنهم شهود على غروب الجنرال الاخير، لكن تقديمهم على انهم ضحايا مؤامرة هو نوع من المساواة بين الجلاد والضحية او منح القاتل فرصة ليفسلف جريمته قبل محاكمته عليها. عقلية المسلسلات تبحث عن دموع المشاهد والهدف واضح: ان يتحول الفرد الى متفرج، وتتحول الثورة الى مسلسل.



«كتلة لمجابهة الإسلاميّين»

أعلن ليبراليون وحزب يساري وحزب صوفي أمس تشكيل كتلة سياسية باسم «الكتلة المصرية» لمجابهة الإسلاميين في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في تشرين الثاني المقبل. وقال مؤسس حزب الجبهة الديموقراطية، وهو حزب ليبرالي كان في المعارضة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إن الهدف من الكتلة هو أن يقول المشاركون بوضوح شديد إنهم مؤمنون بأن مصر يجب أن تكون دولة مدنية ديموقراطية. واتفقت الكتلة التي ضمت 15 جماعة سياسية على العمل معاً لجمع التبرعات للانتخابات وأن تتقدم بقائمة مرشحين موحدة وأن تخوض حملة الدعاية الانتخابية في كيان واحد. وأيدت الكتلة أيضا اقتراحاً من حكومة عصام شرف يدعو إلى إصدار «إعلان دستوري» يمنع الإسلاميين من احتكار وضع الدستور الجديد إذا فازوا بالغالبية في البرلمان. وإلى جانب الجبهة الديموقراطية، تضم الكتلة حزب المصريين الأحرار وهو حزب ليبرالي يقوده رجل الأعمال نجيب ساويرس (الصورة)، ونقابة الفلاحين المستقلة وحزب التحرير الصوفي وحزب التجمع الوطني التقدمي وهو حزب يساري، كما انضم حزب الوفد إلى الكتلة أول من أمس بعدما انفرط تحالفه مع الإخوان المسلمين الأسبوع الماضي.
(رويترز)