تصاعدت التحركات في الفترة الاخيرة، تحديداً بعد ذكرى النكسة، ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الاونروا. هذه التحركات لم تستهدف سياسة الوكالة بل استهدفت مباشرة مديرها العام في لبنان سلفاتوري لومباردو. الاستهداف المباشر للرجل، تبلور من خلال حملات اطلقت على الفايسبوك تارة او من خلال البيانات الموقعة باسم «الحملة الفلسطينية لإسقاط لومباردو» تارة اخرى. الحملة الاخيرة اصدرت بيانات تفوق بعددها ما اصدره المجلس العسكري في مصر منذ بدء الثورة، وكلها كانت ضد لومباردو و«المؤامرة التي يطبخها» الرجل في «مطبخ الطابق الثالث» من مقر الوكالة، كما وصفه احد البيانات. المشكلة ليست في هذه البيانات التي تستخدم لغة «الابلسة»، تجاه موظف، ولو كان كبيراً، بل في ان التصعيد لم يكن محصوراً ضد الوكالة التي قلصت خدماتها كثيراً تجاه الفلسطينيين بل ضد «الشخص». ففي المخيمات لا يختلف اثنان على ان كمية ونوعية الخدمات التي قدّمتها الاونروا بعد عام 1995 اختلفت عما قبله. فعندما كانت الثورة الفلسطينية بمؤسساتها موجودة على الاراضي اللبنانية كانت خدمات الاونروا اضعاف ما هي عليه اليوم. حينها كان التعليم مجانياً، الاعاشات كانت توزع في نهاية كل شهر، والطبابة مجانية. لكن بعد توقيع اتفاقية اوسلو تقلصت هذه الخدمات تدريجاً لتصل الى ما هي عليه اليوم. والأرجح ان للأمر علاقة بالأزمة المالية العالمية التي ضربت اقتصادات الدول المانحة، الراعية الاساس للاونروا، وقد تكون هناك ايضاً حسابات لهذه الدول ربطاً برؤيتها لحل القضية الفلسطينية. لكن كيف بدأت هذه التحركات؟ قبل مسيرة العودة في 15 ايار المنصرم، قامت حركة حماس بالتعاون مع قائد المقر العام لحركة فتح في لبنان منير المقدح، بعدد من الاعتصامات امام مقر الوكالة الرئيسي في منطقة بئر حسن، وعقدت مؤتمرات صحافية وورش عمل لعرض الواقع السيئ الذي تعيشه الاونروا. لكن مع اقتراب ذكرى النكبة اوقف الفلسطينيون كل تحركاتهم استعداداً لمسيرة العودة. بعد مسيرة العودة، شغل المسؤولون الفلسطينيون بالإعداد لمسيرة العودة 2. بعد فشلها اعيد التركيز على احياء التحركات ضد الاونروا، لكن هذه المرة عبر التصويب على مديرها العام لومباردو مباشرة.هكذا، أقيمت اعتصامات عدة امام مقر الوكالة الرئيسي في بئر حسن، وصدرت بيانات حكت عن «مؤامرة الطابقين الثاني والثالث» الموجودين في مبنى الوكالة في بئر حسن. وفي التفاصيل انه يوجد في الطابق الثالث «مطبخ مؤامرات» لومباردو، اما في الطابق الثاني فقيل في بيان آخر انه يوجد موظفون «يسحبون كل المعلومات الموجودة عن الفلسطينيين». ومع البيانات، سرت شائعات عن لومباردو وكيف انه سافر الى بعض دول الاتحاد الاوروبي لاستمزاج رأي تلك الدول حول امكانية استقبالها عدداً من اللاجئين، بمعنى آخر من أجل توطينهم وإلغاء حق العودة. وبهذا يكون لومباردو يساهم في تطبيق «التوطين» بنحو غير مباشر. كذلك اتهمت الحملة لومباردو بأنه حصل من وكالة التنمية الاميركية على مبالغ مالية من اجل اجراء دراسات في المخيمات لمعرفة مزاج الفلسطينيين في ما يتعلق بحق العودة. الشائعات والأخبار المتداولة بين المعنيين بملف الوكالة لا تقف عند هذا الحد. يتناقل بعض هؤلاء ان لومباردو اتصل بالرئيس الفلسطيني محمود عباس طالباً منه كبح المقدح الذي يقود جزءاً من هذه التحركات خصوصاً بعد وصول «خبريات» للومباردو عن تهديدات لأمنه الشخصي. هكذا، منذ انطلاق الحملة ضد الاونروا في الاساس، ثم ضد لومباردو في ما بعد، تلاقت حركة حماس التي قادت هذه التحركات ومعها بعض فصائل قوى التحالف الفلسطينية والمقدح. يتساءل البعض: ما الذي جمع الاثنين معاً؟ الجواب البديهي الذي قد يساق هو أن «المصيبة تجمع»، اي مصيبة تقليص خدمات الوكالة. لكن لماذا لا تركز الحملة على سياسة الوكالة ولم استهداف شخص لومباردو؟ لم لا تكون الاعتصامات امام سفارات الدول المانحة التي قلصت دعمها للاونروا بسبب ازمتها المالية او بسبب «مؤامرة» ما ضد الفلسطينيين؟ عن هذا يجيب مدير مكتب شؤون اللاجئين في حركة حماس ياسر عزام بأن هذه التحركات جاءت «بعد سلسلة لقاءات مع لومباردو، تطرقنا خلالها للفساد الموجود في قسم الصحة والتعليم والتوظيف في الوكالة». يضيف عزام «كان لومباردو يردد دائماً انه سيعمل على تحسين واقع الاونروا لكنه لم يفعل شيئاً على هذا الصعيد، لذلك اطلقنا الحملة ضده. فهو من يقف في وجه الاصلاحات، وعندما انطلقت هذه التحركات حاول لومباردو ان يفرق بيننا وبين حلفائنا من فصائل موجودين في تحالف القوى او حتى مع المقدح نفسه»، يقول.
اما الاونروا التي قصدتها «الأخبار» بهدف الاجابة عن التهم الموجهة اليها، وخاصة في مسألة «خبريات» التهديد الشخصي لمديرها العام، فقالت على لسان لومباردو نفسه، وبعد انتظار طويل، إن «الاونروا تتابع كل الاستفسارات التي تستند الى وقائع ويكون لها اسس فعلية. لكن هذا لا ينطبق على هذه الأسئلة (التي وجهناها اليهم)، لذلك لسنا في موقع التعليق او الاجابة عنها».



بعد نكسة عام 1948، تأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بموجب قرار صادر عن الجمعية العامةللأمم المتحدة. في 8 كانون أول 1949 بدأت الاونروا عملها من خلال تقديم الإغاثة المباشرة وبرامج التشغيل للاجئين الفلسطينيين. اما عملها الميداني فقد بدأته الوكالة في الأول من أيار 1950. بالنسبة إلى الفلسطينيين، فهم يرون الاونروا الشاهد الدولي الوحيد على لجوئهم. وفي غياب حل لمشكلة اللاجئين، تقوم الجمعية العامة للامم المتحدة بالتجديد المتكرر لولاية الأونروا، وتمتد ولايتها الحالية حتى 30 حزيران 2014.