دمشق | يرى خبراء الاقتصاد المهتمون بالوضع في سوريا أن السياحة والتصدير وغيرها من القطاعات الاقتصادية الحيوية، بعيدة كل البعد عما يمكن أن تجرّه العقوبات الدولية من تبعات سلبية على أحوال البلاد وأهلها. مع ذلك، لا يمكن أن تنأى السلطات بالتعاملات المالية بعيداً عن هذه التأثيرات، وذلك باعتراف من ذوي الشأن. وإن كان معظم هؤلاء يرفضون التعليق على هذه النقطة منذ بداية الأزمة الداخلية، إلا أنهم، في جلساتهم، يتحدثون عن بوادر أزمة مصرفية حقيقية تلوح في الأفق ستنعكس بأزمة اقتصادية وركود عميق جداً، من مؤشراته ما يرتبط بالعقوبات الأوروبية والأميركية، ولا سيما أن التسويات للعمليات المصرفية تحصل في الخارج من جهة، ومن جهة ثانية هناك ودائع بالعملة الأجنبية موظفة في الخارج. فما مصير كل ذلك؟
السياحة دون أوروبا

كان قطاع السياحة أول القطاعات التي دقت جرس الإنذار، معلناً دخول الاقتصاد السوري مرحلة متأزمة لم يحتج تقويمها إلى الإعلان عن الأرقام، إذ إن التأثيرات جاءت واضحة وملموسة منذ بداية الأزمة. يُضاف هنا أن التأثر بدأ من تناقص سياحة المواطنين الأوروبيين، وهذا كان يظهر من خلال عمل مكاتب السياحة والسفر بحسب مدير التخطيط والإحصاء في وزارة السياحة، قاسم درويش. حتى السياحة الخليجية تراجعت، لذلك جرى التركيز على السياحة المحلية، فعمدت وزارة السياحة الى تفعيلها بالاتفاق مع أصحاب المنشآت الفندقية ومكاتب السياحة وكذلك اتحاد غرف السياحة.
وبالنظر الى آخر الأرقام المتوافرة، فقد وصل عدد الليالي الفندقية في الربع الأول من العام الجاري إلى 363871 ليلة، بينما وصلت للفترة ذاتها من العام الماضي إلى 442837 ليلة، حسبما أوردت وزارة السياحة. نائب اتحاد غرفة سياحة دمشق، يسار كيوان، يشير إلى أن التراجع في السياحة السورية، ولا سيما الأوروبية منها، بدأ منذ الشهر الرابع، أي منذ بدء الأزمة في آذار، وهو مستمر لتكون نسبة السياحة الأوروبية صفراً في المئة. لكن كيوان يجزم بأن هذا التراجع «بعيد عن احتمال تأثر السياحة بالعقوبات الأوروبية، إنما سببه الظروف الداخلية للبلد». ويضيف «نعيش كل يوم بيومه كمسؤولين عن قطاع السياحة، ونتصرف بحسب تطورات الأوضاع، فهناك مكاتب سياحية كثيرة توقفت عن العمل، ومنهم من عمد الى تسريح عماله أو من أبقى موظفيه مقابل نصف رواتبهم، ونتوقع استمرار هذه الحال حتى نهاية العام وبداية 2012». وتنشيطاً للسياحة، يقول كيوان «ندرس مع وزارة السياحة إعداد برنامج تسوق خلال فترة الأعياد يعتمد على السياحة الآتية من مصر والأردن ولبنان».

التصدير إلى أوروبا مستمرّ

الحديث عن مدى تأثر الصادرات السورية بالعقوبات الأوروبية يصفه المعنيون بأنه موضوع فيه الكثير من الشجون، بينما تمتنع الغالبية عن ذكر أي انعكاس سلبي له على الاقتصاد السوري، مؤكدة أن تصدير التجار إلى أسواق أوروبية لم يتوقف و«أمور التجار تسير على نحو جيد»، على حد تعبير معاون المدير العام لهيئة تنمية وترويج الصادرات، صالح الرفاعي، الذي يكشف أنه «خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، (أي قبل بدء الأزمة)، بلغت قيمة الصادرات نحو 135 مليار ليرة سورية، مع الإشارة إلى انخفاض الصادرات السورية عموماً في عام 2010».
وتُعد إيطاليا أكبر شريك أوروبي تجاري لسوريا، بحسب الرفاعي الذي يتحدث عن أن «خطة هيئة التنمية تقضي بالتوجه نحو أسواق جديدة في آسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة ودول أميركا اللاتينية لتكون أسواقاً مجدية أكثر من السوق الأوروبية».
وبحسب مدير «صندوق دعم الصادرات»، إيهاب اسمندر، تشير تصريحات المصدّرين إلى أن معظمهم مستمر بالتصدير إلى الأسواق الأوروبية، «والعقوبات لا علاقة لها بالجانب التصديري، لكن التدخل الجديد الحاصل في هذا المجال كان بإقامة شركات متخصصة في أوروبا بالاستيراد نتيجة الحالة الأمنية». ويوضح أنه في السابق، «كان المستورد الأوروبي يعطي مهلة للتسديد، أما الآن فالتسديد أصبح يجري بطريقة مباشرة». ويشير اسمندر إلى أن هذه الشركات «يملكها سوريون يستوردون البضائع السورية إلى أوروبا، ويؤمنونها للمستورد الأوروبي مباشرة وبالأسعار نفسها». وبذلك، اختصرت الشركات تكلفة النقل، فأوروبا تستوعب نحو 28 في المئة من الصادرات السورية، منها النفط والفوسفات والمواد الكيمائية، على حد تعبير المسؤول في «صندوق دعم الصادرات».
وتفتقر بعض الجهات إلى الأرقام الإحصائية الحديثة، وتشير آخر الأرقام عن الدول التي يعاني منها المصدّرون إلى دول الخليج العربي أولاً، وهي التي تحتل مرتبة متقدمة لا ينافسها فيها أحد من ناحية الاستيراد من سوريا.
ويعود ذلك الضرر أساساً إلى أن أسواق الخليج العربي هي البوابة الكبيرة للصادرات السورية من جهة أولى، بينما فرضت هذه الأسواق، بحسب حجمها المالي، نوعاً خاصاً من مواصفات الجودة، ما يعني عدم تنازلها في ظل منافسة البضائع الدولية والصناعات العالمية على أي خاصية، وبالتالي تزداد طبيعة المنافسة وصعوبتها. في الوقت نفسه، فإن أوروبا تضع معايير صارمة على البضائع الداخلة إلى أراضيها، كما أنها لا تستورد إلا جزءاً يسيراً من البضائع المُصنّعة خارج أراضيها، علماً بأن أوروبا تعتمد على استيراد مواد خام أولية معظمها من بلدان العالم الثالث، ما يؤكد أن للتصدير الى هذه الدول خصوصيته ومصاعبه خارج حدود المواد الخام.
ولعل أكثر ما يلفت الانتباه اعتبار المُصدّرين أن السوق الأردنية بمثابة السوق الثالث من ناحية المشاكل بالنسبة إلى السوريين، رغم قرب الأردن وسهولة النقل البري إليه، وخاصة أن البضائع السورية المتجهة إلى أسواقها ليست بالقليلة. لكن يقل حجم المشاكل المشار إليها في السوق الأردنية عند مقارنتها بالنسب التي حصلت عليها أسواق الخليج العربي وأوروبا، لتبدو أقرب من حيث التوزيع والكم. وتتغير نسب زيادة أو انخفاض الصادرات السورية بحسب وجهتها، إذ تتزايد حصة الدول العربية من 16 في المئة لعام 2005، إلى 53 في المئة عام 2009، فيما تحافظ كتل دول أوروبية أخرى وآسيا على حصتها من هذه الصادرات. في المقابل، تنخفض الصادرات السورية بقوة مع باقي دول العالم من 30 في المئة إلى 7 في المئة عام 2008، بينما تشهد تحسناً بسيطاً عام 2009. كما تتراجع حصة الاتحاد الأوروبي من 45 في المئة إلى 30 في المئة، وذلك نتيجة تراجع أهم مكوّنين من الصادرات السورية الى الاتحاد الأوروبي، وهما النفط بعد انخفاض معدل إنتاجه، والنسيج لظروف الأزمة المالية العالمية.