يبدو أن الودّ المستجد بين العراق والكويت، والذي جاء على أنقاض عقود من العداء، لن يدوم طويلاً. إذ تمثّل قضية الحدود البحرية امتداداً لقضايا حدودية أخرى تثير النزاع بين الدولة والإمارة. ميناء «المبارك الكبير» هو العنوان الأبرز للخلاف اليوم، يكاد يتحوّل إلى تهديدات متبادلة. فالميناء الكويتي سيبنى في جزيرة بوبيان التي تقع في أقصى شمال غرب الخليج العربي، وتعدّ ثاني أكبر جزيرة في الخليج (890 كيلومتراً مربعاً) بعد جزيرة قشم الإيرانية.
ويبعد مكان الميناء أكثر من 1299 متراً عن أقرب نقطة عراقية و4000 متر عن الحدود الكويتية العراقية في أقصى شمال غرب الخليج، هو جزء من مشكلة أكبر بين البلدين، منها العلامات الحدودية وملف الأسرى والمفقودين.
وبحسب خبراء عراقيين، فإن الحدود المرسومة منذ عام 1934 جرت عليها تعديلات بتأثير من الجانب الكويتي، وقامت لجنة التحكيم الدولية عامي1991 و1992 برسم حدود جديدة «استقطعت خلالها أراضي عراقية وحقولاً نفطية كثيرة من ناحية صفوان وأم قصر ضمّتها للكويت، فضلاً عن تقليص مساحة المياه الإقليمية العراقية». الخبراء العراقيون يتذرّعون بأن اللجنة الدولية لم يكن فيها عضو يمثل الحكومة العراقية، لهذا اعتبر هذا الترسيم غير قائم من الناحية القانونية. وتبين أن هذا الإجراء جاء تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 833 عام 1993 الذي نص على ترسيم الحدود بين العراق والكويت والبالغ طولها 216 كيلومتراً، ورفضته الحكومة العراقية حينذاك.
وبالعودة الى أزمة ميناء المبارك الكبير، فإن القضية الأساسية التي تمثّل جوهر الخلاف فيه هي أنه سيحرم بغداد من مرفأ على البحر، حسبما يرى مصدر عراقي مسؤول تحدث لـ«الأخبار» في العدد 1455 الصادر في 7 تموز الماضي. أما النائب عن التحالف الوطني طالب شاكر الجعفري، فقد رأى أنه «في حال إنشاء الميناء فوق نقطة التالوك الموجودة في منتصف البحر ستطرأ مشكلة كبيرة، لكون النصف الثاني من البحر مياهاً ضحلة لا يمكن الإبحار عبرها». المصادر العراقية التي تحدثت لـ«الأخبار» يومها رأت أن نية الكويت إنشاء هذا الميناء جاءت بتحريض أميركي هدفه الضغط على بغداد للعمل على التمديد لقوات الاحتلال الأميركي للعراق.
كذلك فإن وجود هذا الميناء في هذه المنطقة سيكون عائقاً في دخول البضائع ودخول البواخر إلى ميناء أمّ قصر الجنوبي والشمالي وإلى ميناء خور الزبير. وهذا حقيقة سيكون حجر عثرة باتجاه الاقتصاد العراقي، وبالتالي إذا ما أنشئ هذا الميناء قد تتوقف الموانئ العراقية، حسبما يؤكد المسؤول الإعلامي لموانئ البصرة، أنمار الصافي.
لعل ما يزيد الطين بلة هو اشتراك العراق مع الكويت في أكثر من مجرد مدخل بحري ضيق إلى الخليج، إذ يربطهما تاريخ طويل مرير من الخلاف على النفط والمياه والحق في الأرض التي يصب فيها نهرا دجلة والفرات في البحر.
ورغم وثيقة عراقية تقول إن حكومة بغداد على علم ودراية بتشييد الكويت لميناء مبارك، وأنه قد نوقش الأمر بين الجانبين عام 2007، بعدما تألّفت لجنة عراقية برئاسة وزارة الخارجية العراقية وعضوية وزارات النقل والتجارة والنفط والبيئة، فإن رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، أعلن أن بلده لم يطّلع على المشروع «إلا من طرف ثالث».
وبالتالي، ثمة التباس يحيط بالمشروع الكويتي والمواقف العراقية على حد سواء. فبحسب الوثيقة الموقّعة بيد وزير الخارجية هوشيار زيباري، فإن الميناء يقع تحت سيادة الكويت وداخل حدودها البحرية. لكن العراق يرى أن تشييد الكويتيين للميناء يمثّل ضرراً على مصالحه ويخنق اقتصاده وملاحته البحرية، رغم تأكيد الوثيقة المذكورة عدم إضرار ميناء مبارك بمصالح العراق.
وما يزيد الالتباس حول هذه القضية نفي رئيس الوزراء العراقي، علمه بنية الكويت بناء ميناء على حدودها مع العراق، أو أن يكون قد تم إطلاعه على هذا المشروع إبان زيارته للكويت بداية العام الجاري، رغم أن وزير الخارجية الكويتي، محمد الصباح، يؤكد أن بلاده أطلعت المالكي على المشروع آنذاك.
القضية بحسب النائب الكويتي فيصل المسلم، هي أن «النفس العراقي لا يزال نفساً عدائياً كارهاً للكويت»، فيما يرى المتحدث باسم الحكومة العراقية، علي الدباغ، أن «الحكومة العراقية تدعو الكويت وحفاظاً على العلاقات الأخوية بين البلدين إلى أن يكون التعاون من خلال اللجنة العراقية المكلفة بمتابعة هذا الموضوع بتزويدها بالمعلومات المطلوبة للوصول الى موقف يحفظ حقوق العراق وشعبه». وبغداد التي أثارها تشييد الميناء، المُفترض الانتهاء منه عام 2016، طالبت الكويت رسمياً في تموز الماضي بوقف العمل في المشروع إلى حين التأكد من أن حقوق العراق في المياه المشتركة لن تتأثر. دعوة سارعت الكويت الى رفضها، مؤكدة أن أعمال البناء ستستمر.
وهذه هي المرة الأولى التي تطلب فيها الحكومة العراقية رسمياً وعلى نحو صريح من الكويت وقف العمل في ميناء مبارك، بينما قامت الأخيرة بمحاولة طمأنة الجانب العراقي، مشيرة إلى «أن ميناء مبارك الكبير لا يمثّل أي إعاقة لا من قريب ولا من بعيد للملاحة البحرية في خور عبد الله». لكن العقدة وصلت الى ذروتها مع تهديد كتائب حزب الله العراق بقصف الميناء في حال مباشرة العمل ببنائه، الأمر الذي دفع الى تصلب الموقف الكويتي. موقف عبّر عنه وكيل وزارة الخارجية خالد الجار الله، أول من أمس بقوله إن «التهديدات لا تخيفنا والمشروع يمضي قدماً كما هو مقرر».
ومع استمرار العراق في تسديد تعويضات غزو الكويت، وآخرها دفعة بقيمة مليار و60 مليون دولار، تتحول قضية الحدود قنبلة موقوتة من غير المعروف متى تنفجر.



1,1 مليار دولار للبناء

منذ نيسان الماضي، حين وضعت الكويت الحجر الأساس لبناء ميناء «مبارك الكبير» في جزيرة بوبيان، بدأ خبراء عراقيون بتحليل الآثار التي يمكن أن تنجم عن هذا البناء، معتبرين أن بناء الميناء سيؤدي الى «خنق» المنفذ البحري الوحيد للعراق، لأنه سيسبّب بجعل الساحل الكويتي ممتداً على مسافة 500 كيلومتر، بينما يكون الساحل العراقي محصوراً في مساحة 50 كيلومتراً.
ويتوقع أن ينجز المشروع في عام 2016، إذ بدأ العمل به في أيار الماضي من خلال مجموعة من الشركات بقيادة الشركة الكورية الجنوبية «هيونداي». لكن العراق طلب من الكويت «التوقف عن العمل» بعد عشرة أيام، ريثما يتأكد من أنه لا ينتهك حقه في المياه المشتركة والملاحة.
وسيُبدأ في تشغيل الميناء، المُقدّرة كلفة بنائه، بنحو 1,1 مليار دولار، بأربعة أرصفة مخصصة للحاويات يمكنها استقبال ما يعادل مليوناً و800 ألف حاوية سنوياً، وستنجز المرحلة على 3 أجزاء.