دمشق | الانتخابات العامة سوف تجرى قبل نهاية هذا العام، وستكون انتخابات حرة ونزيهة تفضي إلى برلمان يمثل تطلعات الشعب السوري من خلال التعددية السياسية التي يتيحها قانون الأحزاب والضمانات العديدة التي نص عليها قانون الانتخابات... لذا سيكون صندوق الاقتراع هو الفيصل ويترك لمجلس الشعب الذي سينتخب أن يراجع القوانين التي اعتمدت ليقرر ما يراه بشأنها. ما سبق لم يكن تصريحاً لشخصية سورية عادية، بل هو تصريح رسمي لوزير الخارجية وليد المعلم الذي لخص حقيقة الكثير مما يجول في أذهان السوريين عن المجلس الذي يفترض أن يمثل شرائح الشعب ويعبر عن آرائه.
ففي حقيقة الأمر أن المجلس الحالي وما سبقه من مجالس على مدار مدة زمنية طويلة خيّبت آمال السوريين في كثير من الأماكن، ولم يعر الشارع لاجتماعاته أي اهتمام ما دام معظم السوريين يشكّكون بنزاهة الانتخابات التي توصل النواب تحت قبة البرلمان، ويعلمون أن معظمهم يحصلون على مكانهم بعد تعيينهم ليكونوا جزءاً من قائمة الجبهة الوطنية التقدمية التي تضمن نجاحها بطريقة روتينية.

هكذا تشكلت عبر سنين قناعة شبه مطلقة لدى غالبية السوريين بأن مجلس الشعب في بلادهم يحوي مجموعة من الاقتصاديين ورجال الأعمال، معظمهم لم يوفر أي جهد يذكر في سعيه من خلال ما يملك من أموال وعلاقات، للدخول إلى حرم البرلمان لتمرير مصالحه وصفقاته، مستفيداً من الحصانة التي تمنح لكل أعضاء مجلس الشعب.
وربما يمثل النائب محمد أكرم الجندي مثالاً صارخاً على ذلك، فقط لظهور قصته إلى العلن، بعدما حصل على قروض كبيرة من المصارف السورية بضمانة لم تكن قانونية، ثم غادر البلاد دون سدادها، مخلفاً وراءه عشرات الضحايا من موظفي شركاته ومحطة شام الفضائية التي افتتحها، والذين لم يحصلوا شيئاً من رواتبهم ومستحقاتهم المالية على مدار شهور طويلة، فيما كانت الاعتقالات المصير الذي واجه العديد من أعضاء مجلس الشعب الذين حاولوا التحليق خارج السرب أو الاستقلالية بآرائهم أو العمل على تأسيس أي حراك سياسي مستقل، ونذكر على سبيل المثال رياض سيف وعارف دليلة.
مع بدء الاحتجاجات في سوريا انطلاقاً من محافظة درعا تحديداً، اختار الرئيس السوري بشار الأسد مجلس الشعب مكاناً لخطابه الأول، لكن النتيجة كانت مخيّبة جداً للآمال، وخاصةً من حيث أداء المجلس الذي اقتصر على سبك قصائد مطوّلة من الشعر والمديح المبالغ فيه والذي وجّه للرئيس، من دون تسجيل ولو مداخلة واحدة عن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، أو تطالب بحقوق المواطن، أو تستنكر الحملة الأمنية التي لم تبق ولم تذر، بل تدرجت خلال السنين الأخيرة حتى وصلت أوجها مع بدء الاحتجاجات.
ومع تأجيل انتخابات مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية في سوريا لحين تطبيق قانون الانتخابات الجديد، أوحى مجلس الشعب السوري أخيراً بنيته الانتفاض من غيبوبته الطويلة. انتفاضة المجلس وتدخله أخيراً كانت مجرد مزحة سمجة لم تمر على أحد، رغم خبر دعوة رئيس المجلس الدكتور محمود الأبرش، إلى جلسة (تهم الوطن والمواطن) التسمية اللافتة والتي يفترض أن تكون تسمية بديهية لكل الجلسات التي عقدها المجلس عبر تاريخه، لكن رغم ما سبق فإن الكثير من الإعلاميين رأوا أن الجلسة لا تزيد على إجراء صوري لتأكيد وجود المجلس وبقائه، حتى لا ينحل دستورياً على اعتبار أن ولايته انتهت منذ تسعين يوماً وهو ما يجعله بحكم المنحل إذا لم تعقد الجلسة التي حصلت أمس.
وفي كل الأحوال، لا يبدي الشارع السوري بكل أطيافه أي اهتمام لأي خطوة يقوم بها المجلس الحالي، بل قوبل السؤال عما يمكن أن يصدره المجلس بشيء من السخرية عند الكثيرين. وتوضح إحدى مذيعات التلفزيون السوري، التي تتحفظ على ذكر اسمها، أن «مجلس الدمى جرب طويلاً، ولم ينتج من تجربته سوى الخيبة، لذا صار من المستحيل أن يخرج بأي شيء يذكر»، فيما تضحك ريما وهي واحدة من الشخصيات المعارضة قبل أن تخبرنا بأنها لم تكن على علم إطلاقاً بموعد انعقاد الجلسة، وتؤكد أنه سواء كان الإجراء روتينياً من أجل ضمان شرعية المجلس لحين التمكن من عقد انتخابات أم أنها جلسة حقيقية، فذلك لا يعني الشارع السوري الذي فقد ثقته بهذا المجلس وبغيره من المؤسسات التي تمثل امتداداً حقيقياً لفساد النظام. وتضيف «الخبر قديم جداً وباهت والنتيجة معروفة سلفاً».
أما فراس، الشاب السوري الذي يعمل في محطة إخبارية تتهمها السلطات السورية بالتحريض، فيقول «سيحافظ المجلس على شرعيته من خلال عقد هذه الجلسة التي تتيح لرئيس مجلس الشعب تحديد دورة استثنائية، وبالتالي عقد جلسات متلاحقة تبقي شرعية المجلس لحين إما سقوط النظام أو انتهاء الأحداث الاحتجاجية».
وبالفعل، بعد انتهاء الجلسة صرح النائب محمد حبش لـ«الأخبار» عن مجريات هذه الجلسة، فقال «للأسف لم تتعدّ الجلسة كونها جلسة إجرائية لضمان شرعية المجلس قبل أن يمر تسعون يوماً على انتهاء ولايته، ثم انتخاب مكتب للمجلس وتمكين رئيس المجلس من عقد دورة استثنائية على اعتبار أنه بحسب نظام الجلسات لا يمكن عقد جلسات قبل الشهر العاشر، لكن بعد هذه الجلسة صار من الممكن دعوة رئيس المجلس إلى جلسات متتالية تناقش ما يهم المواطن والوطن حقيقة لأن جلستنا لم تتطرق لأي قضية وطنية على عكس ما روّج»، ليفشل مجلس الشعب السوري المنتهية ولايته مجدداً في فرصة ربما كانت الأخيرة أمامه، ليسجل موقفاً تاريخياً أن الشعب السوري يحمّله جزءاً من المسؤولية تجاه الدماء التي سالت على الأرض.
في موازاة ذلك، بحثت الحكومة السورية أمس مشروع قانون الإعلام في صيغته النهائية، فيما أوضح وزير الإعلام الدكتور عدنان محمود أن مشروع القانون يكرس مبدأ الحرية الإعلامية وفقاً لأحكام الدستور والقانون.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» إن «مجلس الوزراء ناقش في جلسته النوعية التي عقدها اليوم برئاسة الدكتور عادل سفر مشروع القانون، الذي يحدد المبادئ والأسس التي تستند إليها ممارسة العمل الإعلامي وحقوق وواجبات الإعلاميين وشروط وإجراءات الترخيص لإصدار الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية».
وأوضح محمود عقب الجلسة أن «مشروع القانون يهدف إلى تنظيم وتطوير عمل وسائل الإعلام بمختلف أشكالها المسموعة والمرئية والمقروءة والإلكترونية بما يتناسب مع عملية الإصلاح الشامل في سوريا، ويواكب بيئة الإعلام المعاصر ويساهم في تطوير الأداء الإعلامي كبنية مؤسساتية وكادر بشري وسياسات إعلامية تركز على الشأن العام وقضايا المواطنين، وربط الإعلام بالمجتمع بكل شرائحه وأطيافه وتقديم المحتوى الإعلامي بأسلوب احترافي عالي المستوى».