دمشق | مع نهاية الأسبوع الأول من شهر رمضان، غابت مظاهر البهجة المعتادة عن مجمل مناطق العاصمة دمشق والضواحي المحيطة بها، وتحولت العديد من المناطق الشعبية مثل الميدان والجزماتية وباب الجابية وساروجا وغيرها، التي عادة ما تشهد حراكاً ونشاطاً وطقوساً شعبية خلال شهر الصيام، إلى مناطق شبه خالية من زوارها. وطوّقت الحواجز الأمنية مجمل المداخل المؤدية إلى العاصمة يوم الجمعة الماضي، مانعة وسائل النقل العامة الكبيرة من الدخول إليها، وفتشت في البطاقات الشخصية لبعض من ركابها بحثاً عن مطلوبين. وفسّر البعض هذه الممارسات بأنها «تخوّف واضح تماماً تظهره الأجهزة الأمنية من حدوث خروقات وتجاوزات قد تسبّب خروج تظاهرات كبرى أو اعتصام أعداد كبيرة من المتظاهرين في إحدى الساحات الدمشقية».
كذلك، أصبح وجود العناصر الأمنية والجيش أمراً شبه اعتيادي في مجمل مناطق العاصمة وضواحيها المختلفة والقرى والبلدات المحيطة بها، كما هي الحال مع حرستا، عربين، جديدة عرطوز، القابون، داريا، ركن الدين وغيرها. وتوزعت أعداد كبيرة من عناصر الأمن ووحدات للجيش وحفظ النظام بالقرب من جميع المساجد التابعة لهذه المناطق بعد صلاة المغرب مباشرة، في محاولة للتصدي ومواجهة ومنع أي تظاهرات أو تجاوزات أمنية، بعد صلاة التراويح، التي توعّد الشارع السوري المنتفض بتحويلها إلى تظاهرات يومية تطالب بإسقاط النظام السوري.
وصعّدت الأجهزة الأمنية السورية عملياتها للمرة الثالثة في بلدة معضمية الشام، القريبة من العاصمة السورية. وروى محمد أحد سكان «البلدة الجريحة»، كما سمّاها، ما يحدث قائلاً «في أول أيام الشهر المبارك، فوجئنا بمحاصرة وحدات عسكرية جميع المداخل والمخارج المؤدية إلى بلدتنا». ويشرح ممارسات الأجهزة الامنية في الأسبوع الأول من شهر رمضان قائلاً «جميعنا توقعنا أن تكف الأجهزة الأمنية يدها عن بلدتنا، مع بداية شهر التسامح والصيام، لكن ما زلنا نتعرض للممارسات القمعية يومياً. هناك نحو 25 شاباً يعتقلون يومياً، بعد عمليات دهم لعدد كبير من المنازل، وتخريب محتوياتها وترويع سكانها».
وعن الأسباب التي تبرر هذه الممارسات، يضيف «أؤكد لكم أنه لا صحة لمجمل الشائعات التي يقدمها النظام السوري عن وجود إمارة سلفية في المعضمية، أما الصور التي قدمها للنفق المزعوم تحت جامع الزيتونة الذي هرّبت الأسلحة عبره، فقد تبيّن أنه نفق في المكسيك!». ويتابع «أما الحساسيات الطائفية فهي من صنع النظام نفسه، فجميع المشاهد المصورة للتظاهرات التي خرجت في بلدتنا تنفي صحة هذه الأقاويل»، مشيراً إلى أن «نقمة النظام السوري على بلدتنا أبررها بخروج المتظاهرين بأعداد كبيرة مع بداية الأحداث نصرة لمدينة درعا، وهذا ما أقلق النظام والأجهزة الأمنية من امتداد التظاهرات إلى المناطق القريبة، وأيضاً قرب بلدة المعضمية من مركز العاصمة، وتفاقمت الأزمة بعد سقوط الشهيد الاول من أبناء البلدة».
أما المعتلقون من سكان بلدة المعضمية فيبلغ عددهم منذ بداية الأحداث نحو 4000 معتقل، مشيراً إلى أنه «في اليوم الثالث من شهر رمضان، اعتقل تسعة شبان من عائلة واحدة مع والدهم العجوز المسن، وبطاقات البحث عن المطلوبين أصبحت تشبه الدعوات التي توزع للأفراح، فلان الفلاني وأولاده جميعاً».
أما عدد القتلى الذين سقطوا في البلدة حتى اللحظة، فأوضح محمد أن «محصلة الشهداء حتى الآن 14، أعرف معظمهم شخصياً، وقد قُتل آخرهم مساء الجمعة الماضي، عندما خرجت تظاهرات مسائية احتجاجاً على منع المصلين من تأدية صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان».
وعن الأجواء اليومية التي تعيشها بلدة المعضمية الآن، قال محمد «على الرغم من الاعتقالات بالجملة، وحملات الدهم اليومية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، ومحاولة ترهيب السكان العزل، تخرج يومياً تظاهرات صغيرة ومتفرقة في البلدة. هذا ما تطلّب انتشاراً أمنياً واسعاً جداً من قبل الشبيحة وعناصر حفظ النظام والجيش، في جميع الشوارع والأزقة». وأضاف «مساء البارحة احتشد أكثر من 300 عنصر أمن في الشارع القريب من بيتي، وشهد إطلاق نار كثيفاً في الهواء، على أثره بقيت خائفاً على عائلتي طيلة الوقت، أنتظر لحظة دهم منزلي كما حدث في مرات سابقة».
وعن الأخبار التي تتناقلها صفحات تنسيقيات الثورة السورية على الشبكة العنكبوتية، بشأن ما يحدث داخل بلدة المعضمية، أوضح محمد أنه «على الرغم من انقطاع جميع أنواع الاتصال شبه الدائم عن بلدتنا، هناك من يعمل دائماً على نقل الحقيقة عبر وسائل مختلفة، مثل هواتف الثريا أو تقنيات أخرى مثل أجهزة «الأي باد» المتطورة التي تستطيع تصوير المشاهد وبثّها إلى شبكة الإنترنت في الوقت نفسه». ويضيف «المعلومات والمشاهد التي ذكرتموها جميعها صحيحة، وعلى النظام السوري أن يوقن تماماً أن زمن التعتيم الإعلامي والجدران الفولاذية التي كان يطوّق بها الحقيقة قد انتهى الآن، وأن جميع ممارساته وأفعاله التي قام بها داخل بلدتنا مصورة ومثبتة على نحو قاطع، وننتظر الوقت المناسب لعرضها ونشرها للعالم أجمع، وما قدمته وسائل الاعلام المختلفة، ما هو إلا جزء صغير جداً ممّا نحتفظ به». وعن قراءته للمرحلة المقبلة، في ظل التطورات المتسارعة، في جملة الإصلاحات والقوانين التي يقدمها النظام وتطورات المواقف السياسية الدولية بشأن الاحداث السورية قال محمد «دعونا من كل هذا الآن، جميع الإصلاحات والقوانين والقراءات السياسية للأحداث لا تعوّض قطرة دم واحدة أهدرها النظام السوري بأعصاب باردة من أبناء شعبه. ما زلنا ندعو إلى سلمية الاحتجاجات والتظاهرات، والمشاهد الدموية التي عرضت أخيراً لممارسات العصابات المسلحة، لا أحد يستطيع تقبّلها أو احتمالها إنسانياً».
وحمّل محمد المسؤولية كاملة للجيش والأجهزة الأمنية المختلفة عن جميع هذه الأحداث الإجرامية مهما كانت خلفياتها «لا أعرف حتى هذه اللحظة لماذا لم يعرض الاعلام الرسمي مشهداً واحداً من التظاهرات التي خرجت في بلدتنا حتى يوضح حقيقة الشعارات التي تدعو إلى الطائفية كما يشيع؟ أو مشهداً واحداً من تشييع شهدائنا الذين قتلوا برصاص الأمن أمام أعين أهلهم وجيرانهم كما حدث يوم الجمعة الماضي؟ ربما هذا ما يلخّص قراءتي للمرحلة المقبلة».
أما الشابة فاتنة التي تسكن في ضاحية قدسيا القريبة أيضاً من العاصمة دمشق، فتشير إلى أن جولة سريعة في مجمل المنتديات والصفحات على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» يستطيع المتصفح الخروج بنتائج غير مبشّرة، «هناك انقسام كبير يعيشه الشارع السوري، بين مؤيّد للنظام أو معارض مناهض لا يتقبّل فكرة بقاء النظام يوماً واحداً، أو حتى ساعة واحدة». وتضيف «على الرغم من حجب موقع فايسبوك، لكنني أعتبره وسيلة صادقة أكثر موضوعية من جميع ما تقدمه وسائل الإعلام الرسمية أو العربية من تناقضات وأخبار ومعلومات لا تخدم سوى سياستها المتناحرة». وتضيف «أحاول دائماً الوقوف على الحياد. لديّ عدد كبير جداً من الأصدقاء، سواء كانوا موالين أو معارضين للنظام السوري. لكن بدأت أشعر بالخطر على حياتي وحياة عائلتي، بعد جملة التهديدات التي وصلتي من كلا الطرفين».
وتؤكد فاتنة قلقها من صفحات ومنتديات عديدة انتشرت في الآونة الأخيرة، يحاول القائمون عليها، سواء كانوا معارضين أو موالين، تصنيف بعضهم بعضاً، وتضعهم في خانة الخيانة أو العمالة: «هناك قوائم اسمية تنتشر الآن على فايسبوك تتضمن أسماءً محددة مع العناوين المفصّلة لأصحابها، تتهمهم بالخيانة، وتطالب بمحاسبتهم. والطريف في الموضوع أن اسمي وعنواني المفصّل قد أدرج في قائمتين مختلفتين، واحدة مع الخونة الموالين للنظام، والثانية مع الخونة المؤيدين للنظام. إنها إحدى المفارقات المؤلمة بحق تلخّص الواقع التي يعيشه الشارع السوري الآن».



علماء حلب يطلبون وقف «سفك الدماء»

أصدرت مجموعة من كبار علماء الدين الإسلامي في مدينة حلب بياناً، أمس، استنكروا فيه ما يحصل في سوريا من «سفك للدماء البريئة»، محمّلين القيادة السورية باعتبارها «الطرف الأقوى» النصيب الأكبر من المسؤولية. وحسب البيان، فإن علماء حلب ناشدوا أولي الأمر «إفساح المجال لممارسة حرية التعبير والرأي، ومنع الجهات التي لا تمثل الدولة على اختلاف تسمياتها من التصدي الشرس للمتظاهرين السلميين، والكف عن الاعتقالات التعسفية، وإطلاق سراح معتقلي الرأي كافة، والإسراع في تعديل الدستور (المادة الثامنة خصوصاً)».
كذلك ناشدوا سائر فئات الشعب «الحرص على وحدة أبناء الوطن الغالي والعمل على تمتينها، والحفاظ على ممتلكات الوطن العامة والخاصة».
والموقّعون على البيان هم مفتيا حلب الدكتور إبراهيم السلقيني والدكتور محمود عكام والدكتور محمد أبو الفتح البيانوني والدكتور نور الدين عتر، وكل من المشايخ محمد زكريا المسعود، ومحمد نديم الشهابي، وعلاء الدين قصير، وعبد الله المسعود، ومحمد الشهابي، ويوسف هنداوي، وأحمد شريف النعسان.
(سيريا نيوز)