أبو شاكر عامل من جنوب فلسطين، تزوج فتاة من إحدى قرى يافا قبيل النكبة عام 1948، وكان يعمل في ورشات البناء في مدينة يافا أيام الانتداب الإنكليزي. جمعته علاقة الكدح والورشة بالعمال اليهود الذين جلبهم الاستعمار ووكالات الصهاينة معهم من اعالي البحار. كانوا فقراء وعمالاً في بلادهم هربوا من النازية التي كانت تبحث عنهم لتقتلهم، جاؤوا إلى فلسطين فصادفوا أبناء طبقتهم من العرب الفلسطينيين. وفي الورشة كان صاحب العمل اليهودي لا يفرق بين يهودي وعربي، وكذلك رب العمل العربي.انضم العديد من العمال اليهود الى الحزب الشيوعي الفلسطيني، ورأوا أنفسهم يهوداً فلسطينيين مناهضين للاستغلال وللاستعمار والصهيونية. كانوا بضعة عمال، سجن بعضهم لمقاومتهم الاستعمار وانتسابهم الى الحركة الشيوعية الفلسطينية.
قامت الحرب واشتعلت الدنيا والصهيونية تنفذ مشروعها في فلسطين. وتم الاحتلال الأول وقامت قطعان مجرمي الحروب الصهاينة بمجازر في مختلف مناطق فلسطين. أصيب العمال اليهود بالذهول من فرط اجرام الصهاينة، كما في مذبحة يازرو. فر أبو شاكر الفالوجي من يافا باتجاه رام الله بادئ الأمر، لكنه قرب إحدى القرى قرر العودة إلى يافا، لا لشيء بل لأن «أجرة العمال اليهود» كانت معه، ويجب أن يعطيها لهم. ألح الكل عليه أن لا يرجع، بل وقال قائل إنهم يهود ويحتلون أرضنا ويقتلوننا، فأجابه أبو شاكر بوعي العامل البسيط «عرق الشغل ما بيفرق بين يهودي ومسيحي ومسلم، وبعدين هذول العمال غير المحتلين لأنهم لو زيهم، كان بيروحوا ع الهاغاناه (العصابات الصهيونية) بدل ما يجوا ويذبحوا حالهم بالشغل عشان ملاليم» ثم اردف أبو شاكر «هذول العمال مسكوف (كناية عن الشيوعيين) مش من جماعة هرزل (هيرتزل)».
عاد أبو شاكر أدراجه واختبأ لعدة أيام في بيوت هؤلاء العمال، الذين أوصلوه الى الضفة الغربية شاكرين له صنيعه «الغريب»، فهو كان بحاجة ماسة الى تلك النقود في ظروف التهجير.
بعدما انقضت الحرب وتحررت بلدان بعض العمال من النازية، عادوا ليصبحوا ناشطين في الحركة الشيوعية في ألمانيا وبولندا وبقي اثنان منهم في فلسطين، بحثوا أعواماً طويلة عن أبو شاكر حتى وجدوه وزاروه في المخيم. أحدهم أصبح اسرائيلياً والآخر هاجر خارج فلسطين الى احدى الدول الاوروبية.
بقيت النكبة مستمرة منذ اكثر من 60 عاماً وبقي وعي العمال العرب واليهود «غير المتصهين» يأبى إلا أن تكون هذه البلاد غير فلسطين، مثل هؤلاء الذين رفضوا أن تكون البلاد التي حمتهم من شر النازية القديمة، رفضوا أن يكونوا رعايا للنازية الجديدة، وردوا الجميل لفلسطين التي حمتهم بأنهم رفضوا الاعتراف بشرعية كيان استغل عذابهم ليطرد ويذبح رفاق كدحهم.