بيت لحم | كان فؤاد في السادسة من عمره حين انتقل للعيش مع عائلته من منطقة «حقل الرعاة» وسط مدينة بيت ساحور، إلى الطرف الشمالي من المدينة. كان ذلك في عام 1981. تعرف وقتها إلى «جبل أبو غنيم»، الذي تعود ملكيته لعائلات من بيت لحم وبيت ساحور. لا يزال يذكر جيداً تلك الغابة الخضراء التي قضى فيها أجمل الأوقات صيفاً وشتاءً، ربيعاً وخريفاً. المنطقة التي سكن فيها فؤاد مع عائلته تدعى «جبل الديك»، حصلوا عليها بقرار من المحكمة الإسرائيلية، لأن سلطات الاحتلال حاولت مصادرتها. وأُجبروا على السكن في منزلهم خلال أسبوع، وإلا خسروه. ناموا ليالي طويلة على الأرض، لأن المنزل لم يكن مكتملاً بعد، كما قضوا عامين متتاليين من دون كهرباء، وعاماً واحداً من دون ماء، أو خط هاتف، والكثير من الخدمات بسبب سيطرة الاحتلال على كل شيء في تلك الفترة.في أواسط التسعينيات، شرعت دولة الاحتلال بتجريف الجبل من أجل البدء ببناء مستوطنة أُطلق عليها آنذاك «هارحوما»، لكنها بالنسبة إلى فؤاد وعائلته بقيت وستبقى «جبل أبو غنيم». كانت الهبّة الشعبيّة عارمة ضدّ البناء على الجبل وإقامة المستوطنة، لكن لا شيء منع قيامها. وها هي اليوم تضم أكثر من 6500 وحدة استيطانية، وقد أقرّت إسرائيل رسمياً بها، إضافة الى قرابة 1000 وحدة أخرى لتوسيعها أكثر، وهي لا تبعد عن منزل فؤاد أكثر من 100 متر على الأكثر.
يعتقد وزير الدولة لشؤون الجدار والاستيطان المهندس ماهر غنيم بأن اسرائيل تسابق الزمن وتفرض الوقائع على الأرض من خلال إعلان بناء وحدات استيطانية جديدة في مستوطنة «جبل أبو غنيم» جنوب القدس المحتلة. «الرسالة واضحة»، يقول غنيم، مفادها أن «إسرائيل لن تتنازل عن القدس، وأنها تعمل على احباط قيام الدولة الفلسطينية»، فيما يتزامن هذا القرار مع الاقتراب من استحقاق ايلول، وأنها بذلك «تضرب عرض الحائط بالقرارات الدولية والأمم المتحدة التي أقرت بأنها منطقة محتلة منذ عام 67 ولا يجوز القيام بنشاطات استيطانية فيها». كذلك يشير الى احتمال أن تكون الهبة الشعبية في إسرائيل بخصوص أزمة السكن والمشاكل الداخلية الأخرى سبباً في هذا القرار.
بدوره، يتحدث الباحث في شؤون الاستيطان، أحمد ابو لبن، عن المشروع الجديد في مستوطنة جبل أبو غنيم، ويذكر أن اللجنة اللوائية كانت قد ناقشت مخططاً آخر سيعمل على تعزيز الوجود الإسرائيلي والبناء الاستيطاني في جنوب مدينة القدس المحتلة بهدف عزل المدينة عن محيطها الجغرافي من المدن الفلسطينية مثل بيت لحم وبيت ساحور، وبالتالي عزلها عن جنوبي الضفة، وذلك عبر بناء حزام من المستوطنات الإسرائيلية التي يدعمها الجدار الفاصل جنوبي القدس المحتلة.
ويؤكّد أبو لبن أنّه «وفي سبيل المضي قدماً في إجراءات الإعداد لبناء المشروع الجديد في جبل أبو غنيم، قامت اللجنة قبل فترة وجيزة بمناقشة مخطط هندسي يحمل الرقم 12626 ويهدف إلى شق شارع جديد لربط مستوطنة أبو غنيم بشارع الخليل. وهذا الشارع معدّ خصيصاً من أجل خدمة المرحلة الثالثة التي من خلالها ستبنى 930 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة أبو غنيم».
ويقول الباحث الفلسطيني «البناء لا يزال متواصلاً على قدم وساق في مستوطنة جبل أبو غنيم في مختلف أجزائها»، بيد أن الجديد هناك هو شبكة البنى التحتية التي يجري حالياً الإعداد لها في المنطقة الواقعة جنوبي المستوطنة وشمالي بلدة بيت ساحور، حيث وصلت أعمال حفريات البنى التحتية إلى منطقة متاخمة تماماً لجدار الفصل هناك. وهذه الشبكة الجديدة معدّة للمشروع الجديد الذي يعد المرحلة الثالثة من مراحل بناء مستوطنة أبو غنيم.
وكان مخطط البناء في مستوطنة جبل أبو غنيم، الذي بدأ الحديث عنه مع بدايات عام 1995، يحمل رقم الخريطة الهيكلية 5053، وينص على بناء 6500 وحدة سكنية على مساحة أرضية تبلغ 2056 دونماً في المنطقة الواقعة جنوبي القدس شمالي بيت لحم قرب بلدة صور باهر.
وكانت لجنة التنظيم والبناء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس قد أقرّت أول من أمس بناء 930 وحدة سكنية استيطانية في مستوطنة «هارحوما» على أراضي جبل أبو غنيم جنوب مدينة القدس المحتلة. وقالت البلدية إنه سيصار إلى طرح عطاءات البناء للمقاولين خلال الأيام المقبلة للبدء بالعمل.
موقع القناة الإسرائيلية السابعة، الذي أورد النبأ، قال إن قرار المصادقة على بناء الوحدات الاستيطانية جاء في أعقاب تجميد عطاءات جديدة للبناء في هذه المستوطنة منذ عامين. ولفت إلى أن وزير داخلية الاحتلال، إيلي يشاي، أعطى تعليماته لموظفي الوزارة للتسريع في إعطاء التراخيص اللازمة للبناء، ما يسمح ببناء العديد من الوحدات الاستيطانية في مختلف المواقع، لحلّ ما سماه مشكلة السكن وغلاء الشقق الاستيطانية.