لم توقف الاحتجاجات السائرة في الدولة العبرية خلال هذه الأيام، من أزمة المساكن وإضراب الأطباء، واحتجاجات سائقي سيارات الأجرة على غلاء أسعار الوقود، السياسيين الإسرائيليين عن ممارسة نشاطهم المفضل، وهو اقتراح قوانين جديدة للتضييق على الفلسطينيين. فقد وجد أعضاء الكنيست الإسرائيلي وقتاً للتشديد على «يهودية الدولة» ويعملون على اقتراح قانون جديد يعدّ من أكثر القوانين حدة وعنصرية في العقود الأخيرة، يتضمن تغييراً لتعريف دولة إسرائيل من «دولة يهودية ديموقراطية» «الى «دولة قومية للشعب اليهودي». كذلك يوضح معدوّ الاقتراح بنحو لا يقبل التأويل، أنَّ «النظام الديموقراطي» يكون خاضعاً أساساً لتعريف الدولة العبرية «دولة قومية للشعب اليهودي». ويبدو جلياً الآن أنَّ هذا الاقتراح يحظى بتأييد كبير في ظل الأجواء العنصرية التي يعيشها الكنيست الإسرائيلي والمتصاعدة حدتها أخيراً. ويشتمل اقتراح القانون الجديد أيضاً على إلغاء اللغة العربية لغة رسمية وابقاء اللغة العبرية فقط رسمية. وكتب في القانون أن «اللغة العربية ستتمتع بمكانة خاصة في خدمات الدولة، بحسب ما ينصّه القانون». وتجب الاشارة في هذا الصدد إلى أن اللغة العربية، إلى جانب الانكليزية، كانتا لغتين رسميتين منذ الانتداب البريطاني. وبقيت الحال كما هي عليه مع قيام إسرائيل، وهذا امر لم يكن أصلاً قراراً إسرائيلياً.
ويشتمل القانون على بندٍ آخر يقرّ بأن على القانون العبري أن يكون «مصدر الالهام» للمحكمة ومسني القانون، أي يطلب من أعضاء الكنيست سن القوانين بروح «القانون العبري»، ويطلب من المحاكم ان تحكم بموجب «القانون العبري» إذا لم يكن هناك قانون واضح يحكمون به في سجل القوانين. كذلك يعيد القانون ايضاً إلى الوضع «تجميع الشتات اليهودي، والاستيطان اليهودي داخل حدودها (اسرائيل) وتخصص الموارد لهذه الأهداف»، ويتحفظ القانون على بناء بلدات جماهيرية وتجمعات سكانية لغير اليهود (أي العرب). ويبقي للقانون «تحديد الاعتبارات».
واقترح مشروع القانون كل من أعضاء الكنيست آفي ديختر، وهو من قادة حزب كديما، وسبق له أن شغل منصب رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام «الشاباك». وكذلك عضو الكنيست زئيف الكين من حزب «ليكود» الذي سطع نجمه أخيراً بعدما كان من بين المبادرين إلى قانون المقاطعة، بالاضافة إلى عضو الكنيست دافيد روتم من حزب «اسرائيل بيتنا»، الذي يرأسه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان.
ووقع على القانون حتى الآن 40 عضو كنيست من أحزاب «العمل» و«كديما» و«عنسمؤوت» وهي أحزاب ترى نفسها «وسط» و«يسار» الخريطة السياسية ـــــ ومن بين الـ40 عضواً هناك 20 عضو كنيست من الحزب المعارض «كاديما».
وقد صرّح الكين بأنه يرى اشكالية في قبول هذا القانون في العالم، مبيناً أنه «إذا كنا نتحدث عن العالم الذي فيه الأمم المتحدة قارنت الصهيونية بالعنصرية، عندها كانت ستكون مشكلة. لكن اليوم العالم سيكون مستعدا لقبول هذا». وأضاف: القانون يهدف إلى تسهيل عمل المحاكم في بحث القضايا التي «يتناقض فيها الطابع اليهودي للدولة مع مبادئ الديموقراطية».
ومن المتوقع أن يصوّت الكنيست الاسرائيلي على القانون في دورته الشتوية. وبحسب اقتراح القانون، ستكون مكانته مع قوانين أساس الكنيست، وتغييره يتطلب سن قانون أساسي بديل. ويأتي هذا التعديل من اجل وضع العراقيل أمام محاولة تغيير مثل هذا القانون، الذي يتوقع أن يحظى القانون بتأييد واسع.
وفي السياق، صدّق الكنيست الاسرائيلي في جلسته الأخيرة في الدورة الصيفية، أول من أمس بالقراءة الأولى، على مشروع قانون «مكافحة الإرهاب»، وهو قانون مفصل يحتوي على مئات البنود والأول من نوعه بهذا الشأن منذ عام 1945، حين سن الانتداب البريطاني قانون الطوارئ.
وفي معرض مناقشة القانون، قال النائب جمال زحالقة من التجمع الوطني الديومقراطي إن «المعنى الحقيقي لهذا القانون هو وضع كل مواطن في حالة: أنت إرهابي إذا قرَّرنا أنك إرهابي»، مبيناً أن «القانون موجه تحديداً ضد العرب، فهو قانون عنصري، وهو قانون إرهابي وليس قانون مكافحة الإرهاب كما يقولون». وبعدما شدد على أن «هذا القانون يحول نقاشاً سياسياً شرعياً إلى مخالفة جنائية»، أضاف «هذا قانون مناف لمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان بما فيه حقه في محاكمة عادلة ونزيهة. وهو يمنح الدولة صلاحيات واسعة جداً لاتخاذ اجراءات ضد افراد ومؤسسات من دون توفير الحد الادنى من الرقابة القضائية ومن احترام حقوقهم الأساسية».
ورأى أن القانون «خطير جداً لأنه يعتمد تعريفاً واسعاً وفضفاضاً لما يسمى الإرهاب، يشمل منظمات وهيئات حقوقية خيرية وتربوية ودينية واجتماعية، تمارس حقها الطبيعي في النشاط الجماهيري والاحتجاجي، بادعاء أن لها علاقة بما يسمى منظمة إرهابية».
كذلك وصف زحالقة العقوبات التي ينص عليها القانون بأنها «هستيرية، ومنها أن عقوبة متساوية لمن يساعد ومن ينفذ مخالفة وفق هذا القانون، وعقوبة ثلاث سنوات سجن لمن يعبر عن رأي يدعم او يتماثل مع ما يسمى منظمة إرهابية، أو يرفع علمها أو ينشد نشيدها أو يحمل رمزها أو يوزع منشوراتها أو حتى ينشرها».
ورأى النائب جمال زحالقة أن تمرير القانون بسهولة في الكنيست يعبّر عن الانحطاط الذي وصلته السياسة الإسرائيلية والقيمون عليها وعن الاستهتار بحقوق الإنسان وبمبادئ القضاء.