لا تزال الظروف الغامضة التي أحاطت بمقتل القائد العسكري للمجلس الانتقالي الليبي الجنرال عبد الفتاح يونس تثير الكثير من التساؤلات. وتشكك العديد من المصادر في صحة «الرواية الرسمية» التي أعلنها رئيس المجلس الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، في مؤتمر صحافي نعى فيه الجنرال يونس، والقائلة بأن الفقيد قُتل في كمين لكتائب القذافي. أصوات عديدة، بمن فيها شيوخ قبيلة الجنرال يونس، توجه أصابع الاتهام إلى «المجلس الوطني الانتقالي»، خصوصاً أن الجنرال كان قد استُدعي من جبهة القتال التي كان يديرها في «مصراتة»، للمثول أمام «لجنة مساءلة» في بنغازي، للتقصي حول ما أُثير بخصوص قيامه باتصالات سرية مع المعسكر الموالي للقذافي.
هل وقع يونس ضحية «الدبلوماسية الموازية» الغربية، التي تسعى إلى إقامة صلات سرية بين «الثوار» والموالين للقذافي، بحثاً عن «تسوية سياسية» أم سقط بفعل «حرب نفسية» مضادة من معسكر القذافي، كما لمّح إلى ذلك عبد الجليل؟
الاحتمال الثاني لم يُستبعد في تقرير أمني فرنسي خُصِّص لخلفيات مقتل يونس، واطلعت «الأخبار» على نسخة منه. يشير التقرير إلى أن القذافي رصد 4 ملايين دولار لمن يأتيه برأس يونس، وهو ما يعادل 10 أضعاف المبلغ الذي رُصد لرئيس المجلس الانتقالي. ومثّل انشقاق الجنرال المغدور، الذي يعدّ من أقدم رفاق درب القذافي، وأحد «الضباط الأحرار» الذين شاركوا في انقلاب الفاتح من سبتمبر 1969، صدمة قوية للقذافي، الذي نفى الخبر في البداية، ورجّح أن يكون يونس قد خطفه المنشقون، غير مصدّق أن «ضابطاً وطنياً» مثله يمكن أن ينضم إلى «أعداء الثورة».
لذا، لا يستبعد التقرير الفرنسي أن تكون استخبارات القذافي وراء دسّ المعلومات التي جرى تداولها بخصوص الاتصالات المزعومة بين يونس ومعسكر القذافي، وذلك ضمن «حرب نفسية» تهدف إلى التحريض ضده والتشجيع على تصفيته من قبل رفاقه في المجلس الانتقالي، أو لاغتنام فرصة استدعائه إلى بنغازي لنصب كمين لتصفيته.
لكن التقرير أورد أيضاً احتمالاً آخر لم يسبق تداوله من قبل، حيث تحدث عن وجود قرائن ترجّح تورط إسلاميي «الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية» في التخطيط لتصفية يونس، علماً بأن عداوة قديمة تربط «الجماعة» بالجنرال يونس الذي تورط، أيام كان وزيراً لداخلية القذافي، في عمليات القمع الدموي التي سحقت تمرّد «المقاتلة» في بنغازي، عام 1995. كذلك أطلق يونس حملة اعتقالات واسعة ضد «المقاتلة»، إثر تدبيرها محاولة اغتيال أُصيب خلالها القذافي في رجله اليمنى، خلال شهر تشرين الثاني 1996. وسُجن في تلك الحملة 1800 من أفراد «الجماعة»، ولم يُطلق سراحهم سوى بعد «الهدنة» التي عقدتها «الجماعة»، سنة 2008، مع سيف الإسلام القذافي. ويشير التقرير الفرنسي الى أن «المقاتلة» تعد إحدى المكونات الرئيسية للمجلس الانتقالي الليبي، حيث يشارك قرابة 800 من أعضائها في القتال ضمن قوات «الثوار»، تحت إمارة عبد الحكيم بلحاج، الشهير بلقب «أبو عبد الله الصادق»، الذي اعتُقل في أفغانستان، سنة 2004، وسلّمته الاستخبارات المركزية الأميركية إلى ليبيا، ثم أطلق سراحه سنة 2008.