اللاذقية | بالشموع المضاءة، والشعارات المؤيدة لرئيس الجمهوريّة بشار الأسد، وبين عدد كبير من صوره إلى جانب العلم السوريّ، بدأ اعتصام أهالي مدينة اللاذقية، أوّل من أمس، عند دوّار الزراعة. الدوار الذي شهد، خلال السنوات الأربع الماضية، عشرات التجمّعات المؤيدة للدولة ورئيسها، غير أنّ الاعتصام هذه المرّة، جاء بدعوات مكثّفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفيّة استشهاد العقيد المهندس حسّان الشيخ، على يد سليمان هلال الأسد، ابن القائد السابق لقوّات «الدفاع الوطني» في اللاذقية، نتيجة إشكال فرديّ حول أحقيّة المرور، بعدما أراد المتّهم تجاوز سيّارة الشيخ، وحين لم يتمكّن الأخير من إفساح الطريق، قام المتهم بتجاوزه واعتراض سيارته، ومن ثمّ ترجّل مقترباً منه.
وحين أفصح العقيد عن هويته «ما كان منه إلا أن شتمه، وشتم الجيش» بحسب حديث شقيق العقيد الشهيد، إلى إذاعة «شام إف إم»، الذي وصف الحادث كما رآه: «كنت أجلس إلى جوار العقيد، وفي المقعد الخلفي ولداه التوأم. وبعدما أنهى الشاب ملاسنته مع العقيد، صعد إلى سيارته، ومن هناك توجّه إلينا بسلاحه مطلقاً الرصاص، ليصاب شقيقي في صدره، ويفارق الحياة بعد وصوله إلى المستشفى بربع ساعة، ولم أعرف أنّ القاتل هو المدعو سليمان الأسد إلا في اليوم التالي». هذه الحادثة التي كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، بالنسبة لأهالي مدينة اللاذقية الذين خبروا، على مدى سنوات، عدداً كبيراً من الجرائم التي ارتكبها المدعو سليمان الأسد، من دون محاسبة، وهو ما دفع بعض المعتصمين إلى التذكير بأنّ التجمّع اليوم هو للهتاف لسوريّا وللشهيد، لتتوحّد الهتافات أخيراً مطالبةً بإعدام القاتل.

المحافظ: القاتل سيلاحق ويقدّم للقضاء أياً كان
اسمه أو كنيته

وكان اللافت هو الوجود الكثيف لعناصر الأمن في مكان الاعتصام، دون الاعتراض على ما يجري، وكذلك قيام عناصر شرطة المرور بتنظيم السير، وتحويله بعيداً عن مكان الاعتصام. ورغم الإجماع الشعبي على ضرورة أن ينال القاتل عقابه، إلّا أنّ الأمر لم يخلُ من انقسام بين المؤيدين حول غاية الاعتصام، إذ وجد بعضهم أنّه ربّما يكون الفتيل الذي يشعل مدينة اللاذقية، وخاصّة بعدما قامت جهات معروفة بمعارضتها للنظام «بتبنيه». «الثورجية مسكوا القضية، وعم يحاولوا يستغلوها إعلامياً، وبطريقتهم الرخيصة المعتادة، ليوهموا الرأي العام إنو الرئيس متضامن مع قرايبو، أو موافق ع سلوكه. وهاد الاعتصام حيعطيهم المجال أكتر للصيد بالمي العكرة» يقول محمد، الذي رفض المشاركة بالاعتصام، الذي تحوّل لاحقاً إلى مسيرة جالت في العديد من أحياء المدينة، وصولاً إلى منطقة بسنادا، مسقط رأس الشهيد. ويؤيده في ذلك صديقه كمال، الذي شدّد على ثقته بالرئيس، وبالأمر الذي أصدره بإلقاء القبض على القاتل: «يلي عندو وعي، وبخاف على البلد، ما بيقدر يكون جزء من هيك حراك. الرئيس قال رح يتحاسب، يعني رح يتحاسب. أنا عندي ثقة برئيسي».
في المقابل، يرى يسار، المشارك في الاعتصام، أنّ «العقيد المعروف بشجاعته، ونجاته من عدة محاولات اغتيال، ما مات بساحة المعركة. مات على يد سائق هامر، بس أكيد هوي شهيد. وإذا اعترفنا كمان إنو سائق الهامر بيشبه داعش، ومن عصابة مسلحة، لازم نتعامل معو متل ما منعاملهم». ويلفت إلى أنّ هذا الاعتصام لن يكون الأخير، وأنّ الوقت حان لقول الحقيقة «على الأقل مشان المقاتلين ع الجبهات، يلي شافو رفيق سلاح عم ينقتل بدم بارد، وإذا ما تحاسب القاتل حيقولوا لحالن نحنا حقنا رصاصة».
السجال الدائر لم يخفف من حدّته حديث محافظ اللاذقية، ابراهيم خضر السالم، إلى إذاعة «شام إف إم»، وتوصيفه الجريمة على أنّها «جنائيّة»، وأنّ القاتل سيلاحق، ويقدّم للقضاء «أياً كان اسمه أو كنيته أو عائلته». فالسّالم في معرض ردّه على سؤال حول لماذا لم يتمّ إلقاء القبض على القاتل، رغم أنّ شهوداً كثيرين أكّدوا هويّته، وتحدّثوا عن ارتكابات سابقة له؟ أجاب: «إن كان سليمان الأسد أو غيره، هو المجرم، فإنه سيمثل أمام القضاء. وفي القانون: المتهم بريء حتى يدان، وسليمان الأسد مواطن سوري، والقانون يطبق على أي شخص، ولا يوجد طلب سابق بحق الشخص المذكور» وقد أشعلت العبارة الأخيرة حدة السجال بين المواطنين، وأثارت مخاوفهم حول إمكانية «لفلفة» القضيّة، وتبرئة القاتل. وقد عزّز هذه المخاوف منشور كتبه سليمان الأسد على صفحته الشخصيّة على «فيسبوك» في ليلة الاعتصام، حيث أكد براءته من التهمة الموجهة إليه، قائلاً، بعدما افتتح منشوره بآية من القرآن الكريم: «إن جاءكم فاسق بنبأ...»، قبل أن يتابع: «أنا سليمان ابن البطل الهمام. كم يحزنني موقف الأهل والأصحاب والأحباب. كنت أتامل وقوفكم معي، ومساندتكم، لا أن تحيكوا عليّ المؤامرة والحقد»، ليقول أخيراً: «الحمد لله الذي أظهر الحق، وزهق الباطل، فبعدما تمت تبرئتي من قبل أهل الشهيد، العقيد حسان الشيخ، رحمه الله، وبعد التحقيق الذي أثبت براءتي من كل ما نسب إليّ في هذه الجريمة، أقول لكم: في ما مضى كانت هناك تصرفات لا أرتضيها الآن لنفسي، وإنني أقدّس البدلة العسكرية التي يرتديها رجال الله، وأقدّس كل من حمل السلاح دفاعاً عن سوريا، لأنهم رفاق سلاح مع أبي، ورفاق دربه، ولا أسمح لأحد باتهامي جزافاً، من دون أي علم أو دليل»، ليبقى القلق والتوتر هما السائدين لدى أهل اللاذقية، وسط تحفّظ الجهات المعنيّة عن الإدلاء بأيّ معلومة حول القضيّة إلى حين انتهاء التحقيقات.