بدا أنّ التأثير السياسي للبيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الأمن الدولي تنديداً بالعنف في سوريا، كان شبه معدوم، مع استمرار سقوط القتلى في التظاهرات المسائية في المدن السورية، وبروز أقسى موقف روسي نقدي إزاء الرئيس بشار الأسد ونظامه حتى اليوم. وعلى وقع حديث المعارضة السورية عن أن 45 شخصاً على الأقل قتلوا في حماه، و7 آخرين في مدن أخرى، حذّر الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف الرئيس الأسد من مواجهة «مصير حزين» إذا لم يسارع إلى تنفيذ إصلاحات والتصالح مع معارضيه. وقال مدفيديف، في مقابلة تلفزيونية، إن الأسد «يحتاج إلى تنفيذ إصلاحات على نحو عاجل والتصالح مع المعارضة واستعادة السلام وإقامة دولة حديثة، وإذا لم يفعل ذلك فسيواجه مصيراً حزيناً». وتابع مدفيديف أن روسيا تشعر بـ«قلق هائل» إزاء «الوضع المأساوي» في سوريا، لافتاً إلى أن «الوضع في سوريا يأخذ للأسف منحى مأساوياً، حيث يُقتل هناك عدد كبير من الأشخاص. وهذا يثير قلقاً كبيراً لدينا». كلام يُوضع في خانة السقف الأعلى بالنسبة إلى مواقف موسكو إزاء حكام دمشق الذين ظلّوا في حماية الموقف الروسي الرافض لاستصدار أي قرار من شأنه إدانة النظام السوري أو فرض عقوبات دولية عليه، لكن كل ذلك كان قبل موافقة موسكو أول من أمس على نص بيان مجلس الأمن. أما البيت الأبيض، فقد رأى أن الرئيس الأسد يأخذ سوريا ومجمل منطقة الشرق الأوسط في «طريق خطير». وقال المتحدث باسمه، جاي كارني، إن سوريا «ستكون أفضل» من دون بشار الأسد، مضيفاً إن الكثير من الأشخاص في سوريا والعالم باتوا يخططون لمستقبل لا يكون فيه الرئيس الأسد.
ووسط إجماع كل من باريس وبريطانيا وكوبنهاغن وعواصم أخرى على «أهمية» البيان الذي صدر عن مجلس الأمن ليل أول من أمس، على قاعدة أنه «يعبّر عن تحوّل في الموقف الدولي إزاء سوريا»، لكونه أدان عنف السلطات السورية ودعا كل الأطراف إلى ضبط النفس وعدم الإقدام على أعمال انتقامية، وافقت دول الاتحاد الأوروبي على توسيع العقوبات على سوريا، من دون أن تطال قطاعي النفط والمصارف. وقال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي إن سفراء الاتحاد المجتمعين في بروكسل اتفقوا على إضافة أسماء أخرى إلى قائمة عقوبات تشمل بالفعل الرئيس بشار الأسد و34 فرداً آخر، إضافة إلى شركات على صلة بالجيش ارتبط اسمها بقمع الاحتجاجات. كذلك أشاروا إلى أنّ السفراء اتفقوا أيضاً على النظر في إمكان توسيع العقوبات لتشمل قطاع النفط. بدورها، وسعت الولايات المتحدة عقوباتها ضد سوريا أمس لتشمل عضو البرلمان، محمد حمشو، وشركته القابضة مجموعة حمشو الدولية، الذي تتهمه وزارة الخزانة الأميركية بالعمل واجهة لمصالح الرئيس السوري وشقيقه ماهر. أمّا ألمانيا، فقد دعت، ممثلةً بوزير خارجيتها غيدو فيستفرفيليه، مجلس الأمن إلى تعيين مبعوث دولي خاص إلى سوريا «لإيصال الرسالة الواضحة التي توجهها المجموعة الدولية للنظام السوري».
وبعيداً عن الجهود والضغوط الدبلوماسية، خرجت تظاهرات عدة ليل الأربعاء، في بعض المدن السورية، وخصوصاً في كل من دمشق وحمص واللاذقية وإدلب والرستن وغيرها من المناطق، فيما ظلت الاتصالات والإنترنت والمياه مقطوعة تماماً عن حماه التي أكّد مواطنون فيها أن قوات الجيش واصلت الانتشار في شوارعها بشكل كامل. حتى إن ناشطاً معارضاً أبلغ وكالة «رويترز» أن 45 مدنياً على الأقل قتلوا في هجوم بالدبابات «لاحتلال وسط حماه وفي حي الحاضر شمالي نهر العاصي فجر الأربعاء ــــ الخميس». وأوضح الناشط أنه عُرف من بين القتلى أفراد من عائلتي فخري والأسعد ــــ من بينهم طفلان ــــ قتلوا بينما كانوا يحاولون مغادرة حماه بالسيارة على طريق الظاهرية. أما شاهد آخر فقد قال لوكالة «فرانس برس» إن ثلاثين شخصاً قتلوا مع وجود عدد كبير من الجرحى في المستشفيات، لافتاً إلى أن القتلى دُفنوا في عدة حدائق عامة صغيرة، مع إحراق عدد من المباني من جراء القصف.
وخارج حماه، أكّد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن «سبعة أشخاص قتلوا برصاص قوات الأمن خلال تظاهرات ما بعد صلاة التراويح» في ريف درعا وتدمر ودمشق. وأوضح عبد الرحمن أن «ثلاثة أشخاص قتلوا في مدينة نوى في ريف درعا، وقتل المتظاهر الرابع في مدينة تدمر (وسط)، وقتل شخصان أثناء تفريق تظاهرة في حي الميدان في العاصمة»، إضافة إلى «طفل قتل في بلدة تلبيسة (ريف حمص) برصاص قوات الأمن».
أما محافظة إدلب، فقد شهدت ثاني عملية اغتيال لقيادي في الحزب القومي السوري الاجتماعي، هو بشار أبو عماش الذي قُتل برصاص مجهولين أطلقوا النار عليه من سيارة، ليكون ثاني قيادي يغتال من الحزب المذكور في المدينة نفسها بعد «منفذ عام إدلب» في الحزب سمير قناطري في صيدليته. وفي السياق، جزم التلفزيون السوري الحكومي بأن مسلحين هاجموا ممتلكات عامة وخاصة في دير الزور وخطفوا 3 حراس لبئر نفط، وضبط الأمن سيارة تحمل أسلحة وقنابل مولوتوف. كذلك أشار التلفزيون إلى أن مجموعات «إرهابية» مسلحة في دير الزور «هاجمت ممتلكات عامة وخاصة، وسرقت محتوياتها قبل تخريبها، وهاجمت مخفراً لحرس الحدود قرب شركة الفرات للنفط وخطفت ثلاثة من حراس إحدى آبار النفط واستولت على أسلحتهم».
كذلك الحال في اللاذقية حيث ألقت قوات حفظ النظام القبض على «ثمانية عناصر من المجموعات المسلحة الذين أطلقوا النار طيلة اليومين الماضيين على القصر العدلي في المحافظة، كما ألقي القبض على آخرين في أحياء قنينص والسكنتوري والرمل الجنوبي، وضبطت معهم كميات من الأسلحة في عمليات دقيقة وصفت بالنوعية»، بحسب موقع «شام برس».
سياسياً، دعا رئيس مجلس الشعب السوري محمود الأبرش إلى انعقاد مجلس الشعب عند الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الأحد، وحدد جدول أعمال هذه الجلسة «لمناقشة مواضيع تهم الوطن والمواطن».
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)