قبل أيام فقط، مضت الذكرى السادسة لوفاة زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، جون قرنق، في وقت تمر فيه الحركة التي تأسست على يديه في مرحلة سياسية تعد الأهم في تاريخها في ظل امساكها بزمام السلطة في دولة جنوب السودان الوليدة. ورغم البصمة التي تركها قرنق في حياة مواطني جنوب السودان من خلال نجاحه في انتزاع حق تقرير المصير للجنوبيين عبر توقيعه على اتفاقية نيفاشا للسلام في عام 2005، تسعى الحركة إلى اقامة قطيعة كاملة مع كل ما يرتبط بأفكار مؤسسها. وبعدما كانت الوحدة ضمن «السودان الجديد» الهدف الأسمى الذي سعى قرنق إلى تحقيقه، فإن مرور السنوات الست على توقيع اتفاقية نيفاشا، لم يدع مجالاً للشك في أن «أبناء قرنق» نجحوا منذ لحظة وفاته، بعد ستة أشهر فقط على توقيع اتفاق السلام الشامل، في قيادة انقلاب على رؤيته السياسية، بعدما حولوا حلم الانفصال الذي ظل يراود العديد منهم إلى حقيقة لتبصر دولة جنوب السودان النور في التاسع من تموز الماضي.
ولادة أصرت حكومة جنوب السودان على أن تترافق مع مجموعة من المرتكزات، تتقدمها اقامة قطيعة كاملة مع كل ما له صلة بالعرب. وهو ما تجلى من خلال سعي حكومة الجنوب، التي تسيطر عليها الحركة الشعبية، للقضاء على القاسم المشترك الذي يجمع مختلف القبائل الجنوبية والمتمثل باللغة العربية، عبر إقرارها اللغة الانكليزية لغة التعامل في المؤسسات العامة، فضلاً عن اعتمادها بمفردها في المناهج الدراسية.
كذلك، أكدت حكومة الجنوب رفضها القاطع للانضمام إلى جامعة الدول العربية في مقابل مسارعتها إلى التحول إلى العضو الرابع والخمسين في الاتحاد الافريقي.
اما اسباب الرفض، فلخصها احد مسؤولي الحركة الشعبية لتحرير السودان، أثيم قرنق، بالتأكيد أن الدولة الوليدة «لن تكون دولة عربية وليس هناك ما يجمعها بالعرب لا لغة ولا ثقافة ولا عرق»، في تناقض واضح مع أفكار قرنق القائمة على أن السودان يجب أن يبقى موحداً ضمن منهج جديد للحكم فيه، يستوعب تنوع البلاد العرقي والإثني والثقافي والديني.
سبب اضافي أكثر منطقية وضعه القيادي في الحركة قائلاً «لماذا الانضمام إلى منظمة فاشلة؟»، فماذا فعلت الجامعة العربية لبلد مثل الصومال؟.. قبل أن تتعدد الأمثلة على لسانه عن فشل منظومة عمل الجامعة العربية في مختلف الأقطار العربية، بدءاً بالسودان الذي مزقته الحرب الاهلية لسنوات لم يكن خلالها للجامعة اي دور، مروراً باليمن الذي تقتصر المبادرات فيه على الدول الخليجية والغرب، ووصولاً إلى القضية الأهم فلسطين المحتلة.
ومن بين ثنايا هذه القطيعة التي تحاول الدولة الوليدة رسمها مع العرب، أطلت اسرائيل برأسها محاولة الاستفادة، ومستندةً إلى علاقة جيدة تمكنت من ارسائها مع الحركة الشعبية وحكومة الجنوب منذ سنوات إلى درجة جعلت العلم الاسرائيلي يرفرف جنباً إلى جنب مع علم جنوب السودان خلال احتفالات الانفصال الشهر الماضي دون أعلام الدول الأخرى.
أما أوجه الاستفادة، فأكدت اسرائيل انها تتخطى مسألة الموارد الغنية المتوافرة في جنوب السودان وخصوصاً قضية المياه، لتتناول قضايا سياسية، في مقدمتها الطلب الصريح من جنوب السودان، التي نالت عضوية الأمم المتحدة عدم دعم الفلسطينيين في حال توجههم إلى المنظمة الدولية لمحاولة نيل الاعتراف بدولتهم ضمن حدود عام ١٩٦٧، مذكرةً الجنوبيين بما قدمته لهم خلال سنوات حربهم مع الخرطوم من دعم مادي وعسكري، وبما هي مستعدة لتقديمه في المقبل من الأيام.
تقديمات لطالما كان الجانب الاسرائيلي أكثر صراحة في التعبير عنها وبخاصة من خلال التقارير الصادرة عن اجهزته الاستخبارية والتي تشير بوضوح إلى أن العلاقة مع الحركات المتمردة الجنوبية تعود إلى فترة الستينيات.
أما الجنوبيون، وتحديداً الحركة الشعبية لتحرير السودان، ففضلوا ابقاء تفاصيل العلاقة طي الكتمان، منعاً لاعطاء حكومة الخرطوم اي ذريعة لانتقادها، وخصوصاً أن السودان لا يقيم علاقات مع اسرائيل وسبق له أن تعرض لعدد من الغارات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية على خلفية اتهامه بأنه تحول إلى معبر لتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة.
أما بعد الانفصال، فبات الحديث عن العلاقة مع اسرائيل أكثر علانية، في اطار دولتين مستقلتين يعود لهما تحديد طبيعة علاقتهما بحرية وبعيداً عن أي ضغوطات. وبالفعل لم يكد يمضي اسبوعان على الانفصال حتى كان الاعلان الرسمي عن اقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، فيما بدأ الاسرائيليون يجاهرون بالبعثات والمساعدات التي يرسلونها إلى جنوب السودان، وسط حديث عن مساع حثيثة يبذلها رجال اعمال اسرائيليون لتعزيز اعمالهم في الدولة الوليدة، بدءاً بالقطاع الزراعي، مروراً بالبنى التحتية ووصولاً إلى لقطاع الصحي والأمني. أما الأهم، فهو ما سرب عن تعهد إسرائيلي بدعم انشاء جنوب السودان خط أنابيب جديداً يمتد إلى ميناء مومباسا في كينيا، بما يسمح للدولة العبرية، في حال نجاحها في انتزاع هذا الحق من بين المتنافسين الكثر الذين يسعون إلى انشاء الميناء وبينهم الصين، بوضع يدها على أكثر القطاعات استراتجية في الدولة الوليدة.



اعلنت مجموعة متمردة في جنوب السودان، يقودها الزعيم المتمرد بيتر غاديت، موافقتها على وقف غير مشروط لاطلاق النار.
وقال المتحدث باسم الحركة، بول غاتكوت، «نعلن وقفاً لاطلاق النار ونقبل العفو الذي قدمه الرئيس سالفا كير ميارديت أساساً لمحادثات مع حكومة جنوب السودان». ولفت غاتكوت إلى أن قرار المجموعة التي تضم قرابة 10 آلاف مقاتل، «جاء بعد ضغوط من اصدقائنا في الخارج وتأكيد شعب جنوب السودان جدية الحكومة ازاء المصالحة».
(أ ف ب)