دمشق | رغم أنّ العملية العسكرية التي قتلت العشرات لا تزال جارية في حماه منذ أيام، لا يزال التضارب في شأن رواية ما يحصل هو أيضاً سائداً بين السوريين، المنقسمين بين من يصدّق رواية النظام عن قيام «العصابات المسلحة» و«الميليشيات الارهابية» بقتل وترويع الأهالي وقوات حفظ الأمن في المدينة وبين من يرفضها. على سبيل المثال، فإنّ الناشطة الاجتماعية والسياسية، مجد نيازي، التي سبق لها أن شاركت في مؤتمر المعارضة الذي عقد في فندق سميراميس في 27 حزيران الماضي، وكان لها مساهمات في تنظيم تظاهرات أمام السفارات الأجنبية، أعربت عن استيائها الشديد من المشاهد الدموية التي عرضتها الفضائية السورية الحكومية، والتي أظهرت فيها من قالت إنهم جماعات إرهابية مسلحة في مدينة حماه، يلقي أفرادها بجثث قتلى من عناصر الجيش وأجهزة الأمن في نهر العاصي. وقالت نيازي «إنها مشاهد تتعارض مع جميع الأديان والشرائع السماوية والأخلاق الإنسانية. أطالب الجيش بالتدخل بحسم للسيطرة على الأوضاع على الأرض، والقضاء على جميع هذه المظاهر المسلحة والجماعات الأصولية الغريبة عن بنية المجتمع السوري».
قبل أيام قليلة، كانت نيازي في زيارة قصيرة لمصر، وشاهدت هناك ما كانت تقوم به المجموعات الإسلامية السلفية المصرية. واختصرت الناشطة السورية مقارنتها بالقول: «تحاول الجماعات الإرهابية الدينية المتطرفة في مدينة حماه تحويل البلاد إلى قندهار ثانية، ويجب علينا الاستفادة من التجربة المصرية في التعامل مع مثل هذه الجماعات حتى لا يتكرر السيناريو الدموي نفسه في سوريا».
لا تتهم نيازي الإعلام السوري الرسمي بالانحياز أو بفبركة الحقائق، رغم إشارتها إلى أنه «ربما يكون إعلامنا الرسمي مقصِّراً في تعامله وعرضه للأحداث والحقائق». كذلك هي ترفض الاتهامات التي تطلقها بعض رموز المعارضة السورية والمتظاهرين حول الممارسات الدموية التي يقوم بها الجيش السوري في حماه وغيرها من المدن والمحافظات. وتعرب عن انزعاجها من أن المعارضين «يتعاملون مع ما يقوم به الجيش السوري وكأنه جيش أجنبي جاء ليحتل أرض الوطن ويقتل أبناء شعبه»، لتجزم «أنه الجيش السوري الذي يحق له دخول أي منطقة على الأراضي السورية لحفظ الأمن والأمان لجميع المواطنين وأبناء الشعب السوري». يأتي الرد على هذا الكلام من عبد اللطيف، الشاب الثلاثيني المعارض، وقد سبق له أن شارك في العديد من التظاهرات في دمشق وريفها. وعن المشاهد الدموية نفسها التي تتحدث عنها نيازي، يقول عبد اللطيف «أرى أن هذه المشاهد الدموية من ألاعيب النظام السوري وأجهزته الأمنية لتبرير ما يقوم به من جرائم قتل واعتقالات ولتبرير جرائم جديدة مقبلة». ويتابع أن «هناك العديد من مشاهد القتل والإجرام لا مجال للتشكيك في صحتها من قبل الاعلام السوري ومن يدور في فلكه نظراً لوضوحها من جهة مكان الحدث، وأسماء الشهداء الذين يشيَّعون أمام أعيننا كل يوم». كذلك ينفي الناشط المعارض أن تكون جماعات مسلحة هي من يقوم بهذه الجرائم، «وهو ما أكّدته تنسيقية الثورة السورية في مدينة حماه التي أظهرت جفاف نهر العاصي في المنطقة التي شهدت العمل الإجرامي المصوّر»، في إشارة الى المشاهد التي بثها التلفزيون السوري عن مدنيين يرمون جثثاً قال التلفزيون إنها لجنود سوريين تم التنكيل بهم ورميهم في نهر العاصي.
وعن هذه المشاهد، يتساءل عبد اللطيف: «كيف للتلفزيون السوري أن يصوِّر هذه اللقطات بكاميرا تبتعد عن العصابة مسافة لا تتجاوز المتر الواحد أثناء رمي الجثث في نهر العاصي، مع ترداد هذه العصابة التابعة للنظام أصلاً هتافات الثوار؟». أما مشاهد العصابات المسلَّحة في شوارع حماه، فيرى أنّ التلفزيون السوري تقصّد عرضها في هذا التوقيت بالذات لإرهاب الناس وتخويف عناصر الجيش الشريف، ولإعطاء مبررات مقنعة للشارع السوري والرأي العالم العربي والعالمي تسمح بدخول الجيش السوري والأجهزة الأمنية لارتكاب مجازر جديدة بحق السكان العزّل». وينقل عبد اللطيف من مصادر موثوقة أن «جميع عناصر الجيش السوري ممنوعون من حمل أجهزة الراديو أو الهواتف المحمولة، ويقتصر تواصلهم مع العالم الخارجي حصراً على نشرة أخبار التلفزيون الرسمي التي تؤكد رواية النظام عن تعرُّض الجيش للقتل على يد العصابات المسلحة».
وبين نيازي وعبد اللطيف، هناك من يحاول أن يكون معتدلاً وحيادياً في قراءته لأحداث حماه، والمشاهد الدموية الآتية منها، كما هي الحال مع دريد، المتخرج الجامعي الذي قال لـ«الأخبار»: «بغضّ النظر عن حقيقة الفاعل أو المفعول به، سواء أكان القاتل أو المقتول من العصابات المسلحة السلفية، أم من عناصر الأمن والشرطة، إنه بحق مشهد دموي لا إنساني». ويضيف أن «من العار أن نشاهد مثل هذه الجرائم على الأراضي السورية»، ملاحظاً أن الوقت الآن «ليس مناسباً لتبادل الاتهامات بين معارضة النظام وأجهزته الأمنية، إذ علينا جميعاً أن نعمل بكل طاقاتنا لمنع حدوث جرائم مماثلة بعيداً عن العنف والقتل والدماء».
وبعكس نيازي، يحمّل دريد الإعلام الحكومي الرسمي وقناة «الدنيا» الخاصة المقربة من النظام، جزءاً كبيراً من المسؤولية في الانقسام الحاصل في المجتمع السوري، لأن «من المستحيل الآن أن يصدق المؤيدون للنظام السوري مشاهد القتل أو القمع التي تقوم بها أجهزة الأمن السورية بحق المتظاهرين السلميين، مع العلم أن الرئيس بشار الأسد أكد وجود ممارسات خاطئة ارتكبتها أجهزة الأمن المختلفة بحق المتظاهرين». ويضيف: «كذلك من الصعب أن يقتنع المعارضون للنظام بوجود عصابات مسلّحة تقوم بأعمال قتل وتخريب منذ بداية الأحداث». وهنا يتساءل: «هل يعقل أنه، وحتى هذه اللحظة، لم تعرض القناة الفضائية السورية مشهداً واحداً لتشييع شهيد سقط برصاص أجهزة الأمن السورية، بينما تعرض على مدار الساعة جنازات لشهداء الجيش وقوى الأمن؟».



«حكواتي الثورة»

روى أحد الحمويين الذي يلقب نفسه بـ«حكواتي الثورة» قصة جرائم مدينة حماه بالتفصيل على شبكة الانترنت، وافتتح حديثه بالإشارة إلى أن المدينة كانت ولا تزال «قرباناً للحرية السورية» إذ فاقت سخونة أحداثها ما جرى في كل أيام الجمعة بأسمائها وحشودها، وذلك من خلال عدد الشهداء الذين سقطوا في الأيام الماضية». هكذا، تصدرت حماه واجهة الأحداث في سوريا لتنشر حالة من الاستياء عند سوريين علت أصواتهم للمطالبة «بوقف الحل العسكري، أو رحيل النظام على الفور، ما دامت السلطة تقتل الشعب». أما إذا صدقت رواية العصابات المسلحة، «فعلى النظام الرحيل أيضاً لأنّ مؤسسته الأمنية تعجز عن إيقاف هذه العصابات». وبعد يوم الأحد، انتشرت مئات التعليقات وعشرات الصفحات التي أسسها شباب سوريون على موقع «الفايسبوك»، وكأنّ الحل العسكري في حماه حسم المواضيع بالنسبة إلى وجهات نظر الكثير من السوريين.