القاهرة | في أول أيام رمضان، ووسط هتافات «الله أكبر... الله أكبر»، نفذت الشرطة العسكرية والأمن المركزي في مصر أمس عملية فض اعتصام عشرات الناشطين وأسر الشهداء في «ميدان التحرير» وسط العاصمة المصرية، القاهرة. وأزالت القوى الأمنية جميع الخيام المنتشرة في وسط وأطراف ميدان التحرير، الذي شهد الاعتصامات الكبرى منذ ثورة 25 يناير، فيما فتحت جميع منافذه لمرور السيارات والمواطنين، وسط أنباء عن حالات اختناق وإصابات طفيفة.ودخلت القوات المسلحة ميدان التحرير أمس لفض اعتصام بضع مئات من المحتجين واصلوا تحركهم، بعدما علقت الجماعات السياسية الرئيسية اعتصاماً دام ثلاثة أسابيع. وبحسب وكالة «رويترز» فإنه لم تكن هناك مؤشرات تذكر على وقوع أي عنف، رغم أن شهودَ عيان أفادوا بإطلاق أعيرة نارية في الهواء مع دخول مركبات الجيش وجنوده الميدان لإنهاء الاعتصام، الذي بدأ في الثامن من تموز للمطالبة بتعجيل الإصلاحات، فيما أفادت وكالة أنباء الشرق الأوسط أن الشرطة العسكرية ألقت القبض على «عدد من البلطجية».
وجاء تحرك الجيش قبل يومين من موعد بدء محاكمة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في أكاديمية الشرطة بالقاهرة، التي تُعقد غداً، لدوره في قتل المتظاهرين خلال الانتفاضة التي أطاحته في 11 شباط. وأعلنت 26 حركة ناشطة تعليق الاعتصام، خلال شهر رمضان، لكنهم فوجئوا بالمئات من عناصر الشرطة العسكرية والأمن المركزي، يجبرونهم على مغادرة «ميدان التحرير»، ويزيلون جميع الخيام الموجودة فيه. وحدثت مواجهات خفيفة، بين المعتصمين من جهة، والشرطة العسكرية من جهة أخرى، وقال شهود إنه نجمت عنها إصابات طفيفة وإختناقات، مشيرين إلى أن جنود الشرطة العسكرية دخلوا الميدان، وهم يهتفون «الله أكبر» و«الإيمان... الإيمان»، و«مظلات... مظلات». وفُتحت الطريق أمام السيارات، وسط هتافات مضادة للجيش، أطلقها بعض المعتصمين، وأخرى مؤيدة له من جانب أصحاب المحال الموجودة في منطقة وسط البلد.
الاعتصام سبق مليونية 8 تموز ( جمعة الثورة أولاً)، بأيام قليلة على خلفية اعتداء الشرطة على أهالي الشهداء عند المسرح، وأمام مبنى وزارة الداخلية، وهو ما دفعهم إلى الاعتصام في ميدان التحرير، الخيام القليلة ما لبثت أن زادت مع المليونية الحاشدة التي دعت إليها قوى سياسية مختلفة، مع اعتصامات موازية في ميادين المحافظات الأخرى. اعتصامات المحافظات جرى فضها بعد التغيير الوزاري، وحركة تنقلات الشرطة، والإعلان عن محاكمة مبارك.
وصفّق بعض المارة مع عودة حركة المرور في ميدان التحرير، وهو موقع محوري سدّه المحتجون، مما أغضب بعض المصريين الذين سئموا الاحتجاجات، ويقولون إنها أضرت باقتصاد البلاد وعطلت حياتهم. وكان المحتجون المعتصمون في الميدان منذ الثامن من تموز، قد تقدموا بمطالب، منها إجراء عمليات تطهير تشمل مزيداً من المسؤولين الذين خدموا مبارك، وإجراء محاكمات أسرع في قضايا الفساد وقتل المتظاهرين.
وقدم الجيش والحكومة بعض التنازلات، بما في ذلك إبعاد بعض كبار ضباط الشرطة عن مواقعهم، وإذاعة محاكمات الفساد وقتل المتظاهرين تلفزيونياً، كما حذر الجيش في وقت سابق هذا الشهر من أنه سيستخدم الوسائل القانونية في فض الاحتجاجات، لكنه لم يتحرك قبل يوم أمس.
من جهه أخرى، وقبل يوم واحد من محاكمة الرئيس السابق في «أكاديمية الشرطة»، لا يزال قرار نقله إلى مكان المحاكمة «حبراً على ورق»، لكنّ تحرّكاً ما حدث أمس، حيث تلقت مديرية أمن جنوب سيناء، إخطاراً من النائب العام بنقل مبارك إلى القاهرة، إلا أنه حتى الآن لا توجد معلومات عن كيفية تنفيذ قرار النقل، أو عودته إلى المستشفى الذي يعالج فيه بشرم الشيخ، إذا حضر الرجل المحاكمة، وصدر قرار بالتأجيل.
ومن جهته، توجه مدير أمن جنوب سيناء أمس، إلى مستشفى شرم الشيخ الدولي، وسلّم الرئيس السابق إخطاراً بموعد محاكمته غداً.
وأفاد موقع التلفزيون المصري على الإنترنت أن مبارك وقّع تسلم إخطار موعد المحاكمة. وكشفت المعلومات عن رفض مبارك توقيع الإخطار إلا بعد الاتصال بمحاميه، الذي أقنعه بالتوقيع.
وعرضت وسائل الإعلام الحكومية لقطات خاصة بالاستعدادات في أكاديمية الشرطة في العاصمة المصرية، حيث ستجرى المحاكمة، بما في ذلك إعداد قفص الاتهام.
في هذا الوقت، لا تزال قوات الشرطة الموجودة داخل مستشفى شرم الشيخ الدولي وخارجه، في أماكنها، هذا ما أوضحته مصادر عديدة، فيما ذكرت مصادر طبية، من إسعاف جنوب سيناء، أنها لم تتلق «حتى الآن»، أي أوامر بالاستعداد الخاص لنقل الرئيس المخلوع، إذ تجهز في مثل هذه الأمور، أكثر من سيارة إسعاف، لمرافقة المتهم في تحركاته، وللاستعانة بها في حال تدهور حاله الصحية. وربما كان هذا التراخي مرده الى أنه معروف أن الرئيس السابق لن يحضر الجلسة الأولى.
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الصحة، على لسان متحدثها الرسمي، أن مبارك لا يزال يعاني الاكتئاب والضعف، مع عدم الرغبة في تناول الطعام، لكن وظائفه الحيوية تعمل على نحو طبيعي. وأضافت إنها ستنفّذ ما كلفتها به وزارة الداخلية والنائب العام، من تأمين الجانب الصحي للرئيس المخلوع، من تجهيز سيارة إسعاف وطاقم طبي كامل، أثناء عملية نقله إلى مكان المحاكمة، يوم غد، لكن الثابت أن وزارة الصحة ليست «إلى الآن» طرفاً في المحاكمة، كما أنها لم تتلق أي اتصالات من الداخلية أو النائب العام.