دمشق | عقود طويلة عاشتها سوريا تحت سلطة الحزب الواحد، لكن النظام السوري قرر أخيراً الاعتراف بتعددية الأحزاب، في خطوة جديدة على طريق الإصلاح الموعود الذي تحققه دمشق على المستوى النظري من دون الكف أو التراجع عن الحل الأمني. هكذا، أطل وزير الإعلام السوري، عدنان محمود، ليعلن أن مشروع القانون سيقود إلى تفعيل الحراك السياسي وتوسيع المشاركة الصحيحة في إدارة الدولة من خلال إيجاد البيئة المناسبة لقيام أحزاب جديدة وفق برامج سياسية تعمل بالوسائل الديموقراطية والسلمية بقصد تداول السلطة والمشاركة في مسؤوليات الحكم، مشدداً على أنّ القانون جرت صياغته ليكون عصرياً ويتماشى مع قوانين الأحزاب في دول العالم، مع مراعاة الخصوصية السورية بعدم جواز تكوين أحزاب على أساس ديني أو مذهبي أو قبلي أو مناطقي، وتأكيد الحفاظ على وحدة الوطن وترسيخ الوحدة الوطنية للمجتمع. وأشار محمود إلى أن عشرات الآلاف من المشاركات وصلت من المواطنين على موقع التشاركية لمجلس الوزراء تضمنت مقترحات وآراء أسهمت في إثراء مشروع القانون. وبالنظر إلى القانون الجديد، تبدو بنوده منطقية على نحو كبير، وقد أخذت في الاعتبار التنوع الديني والطائفي والعرقي لسوريا؛ إذ يركز أولاً على الالتزام بأحكام الدستور ومبادئ الديموقراطية وسيادة القانون واحترام الحريات والحقوق الأساسية والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان والاتفاقيات المصدق عليها من الجمهورية العربية السورية، ثم الحفاظ على وحدة الوطن وترسيخ الوحدة الوطنية للمجتمع.
يضاف ذلك إلى علنية مبادئ الحزب وأهدافه ووسائله ومصادر تمويله، وعدم قيامه على أساس ديني أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني أو على أساس التمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون، على أن تكون تشكيلات الحزب واختيار هيئاته القيادية ومباشرة نشاطه على أساس ديموقراطي، وألا تنطوي وسائل الحزب على إقامة أي تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية علنية أو سرية أو استخدام العنف بكل أشكاله أو التهديد به أو التحريض عليه. كذلك ألا يكون الحزب فرعاً أو تابعاً لحزب أو تنظيم سياسي غير سوري. وفور صدور القرار، تباينت الآراء، بين من رأى أن الخطوة تجميلية هدفها التخفيف من وطأة الاحتجاجات، ومن عدّها خطوة تاريخية تؤكد ثبات النظام السوري وتحقيقه وعوده بالإصلاح بناءً على جداول زمنية يلتزم بها رغم الظروف القاهرة للأزمة. السياسي والكاتب المعارض فاتح جاموس قال، في حديثه مع «الأخبار»، إن قانون الأحزاب يحوي جوانب متناقضة، تراوح بين السلبية والإيجابية.
عن السلبيات، يوضح جاموس أن «القانون ومواده المختلفة، جاءت من جهة النظام السوري فحسب. في هذه الحالة، وحتى لو كان النص جيداً على العموم، لكنه سيراعي المصالح الأساسية والعليا للنظام، لأنه أصدر وأعد بعيداً عن التشاور مع فاعليات مختلفة من المجتمع السوري. بمعنى آخر، القانون جاء متعالياً على أرض الواقع، وكأنه خرج من البنية السياسية السابقة نفسها، القائمة على فكرة التفرد بالسلطة لا أكثر». ورأى أن الأحداث السورية المتسارعة على الأرض، كانت السبب المباشر في صدور قانون الأحزاب الذي انتظره السوريون طويلاً، مضيفاً: «من الواضح أن نص القانون ومواده المختلفة، قد تأثرت إلى حد كبير جداً بالحراك الشعبي الذي حدث في سوريا خلال الأشهر الخمسة الماضية، ويظهر هذا التأثير واضحاً في تعديل إحدى مواد قانون الأحزاب الجديد، التي كانت تنص على استثناء أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية من تقديم ترخيص بنحو خارج عن جملة القوانين التي حددها القانون، الآن سيكون التعاطي مع جميع الأحزاب القديمة والجديدة على سوية واحدة».
وأبدى جاموس كذلك جملة من الملاحظات على الجهة الموكلة بتطبيق جملة القوانين الجديدة، قائلاً: «حتى الآن لم يصرح قانون الأحزاب الجديد بجملة مواده المختلفة، عن الجهة القضائية المسؤولة التي سيقع على عاتقها تطبيقه». وتوقف عند العديد من مواد قانون الأحزاب الجديد، مبيناً مدى صعوبة تطبيقها بقوله: «هناك المادة 11 التي تنص على ضرورة توفير 2000 منتسب في حد أدنى، إلى أي من الأحزاب الجديدة. هذه المادة لا تتناسب مع الشارع السوري في وقتنا الحالي؛ لأن النظام السوري عمل جاهداً على إنهاك المعارضة التقليدية، ما يسمح لها بالمباشرة في العمل ضمن هذه الشروط». وعن المقترحات التي كان يأمل جاموس توافرها في مشروع القانون الجديد، يشير إلى أنه «كان من الضروري إيجاد بند أو مادة تحدد صفة حزب تحت التأسيس، وإنقاص عدد المنتسبين الجدد، أو إعطاء فرصة زمنية لأي حزب قيد التأسيس بدون تطبيق جميع مواد القانون عليه، للانخراط في المجتمع، الذي يمنحه فترة تدريب عملية حقيقية». لكن هذا لم يمنع جاموس من التفاؤل بمشروع قانون الأحزاب الجديد الذي انتظره مثل غيره من السوريين طويلاً نص مشروع «القانون بشكله الحالي جيد، لكن علينا العمل على تطويره في المستقبل، حسب ما تفرضه علينا المرحلة والتغييرات التي سيشهدها المجتمع السوري».
من جهته، أوضح أمين تحرير جريدة البعث الرسمية، الناطقة باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، عدنان عبد الرزاق، أن مشروع القانون أعد له خلال المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي عام 2005، لكن الظروف الخارجية، كما يقول أصحاب القرار في سوريا، أخرت صدوره، مشيراً إلى أنه قد يكون الحراك الداخلي الشعبي الذي تعيشه سوريا الآن، قد سرع كثيراً في صدوره يوم الأحد الماضي. ورأى أن معظم الشروط أو المواد التي حددها القانون «منطقية مثل تشكيلات الحزب واختيار هيئاته القيادية ومباشرة نشاطه على أساس ديموقراطي». وبعدما أشار إلى أن بعض النقاط كانت محل خلاف قبل إقرار مشروع القانون مثل أن يكون تعداد منتسبي الحزب 2000 في حد أدنى، قال: «أنا أجد هذا العدد منطقياً جداً، فأنت تدعو إلى تأسيس حزب، ومن الضروري أن يكون لديك إذاً قاعدة شعبية واسعة، ومن لا يجد 2000 عضو في بداية تأسيسه، الأجدر به عدم تأسيس حزب. أيضاً هناك مسألة أن تشتمل القاعدة الحزبية على خمس محافظات سورية، وهذا له اعتبارات خاصة في بنية المجتمع السوري، حتى لا نقع في المسألة الفئوية والطائفية، لعدم الانتماء إلى الحزب على أساس ديني أو طائفي أو عرقي».
كذلك أشار إلى أن أكثر من اعترض على هذه المواد، هم «الإخوة الأكراد»، لكنه أبدى تأييده للمادة؛ «لأنني ضد تأسيس حزب كردي بالمطلق، دعنا نؤلف حزباً ونعرض أهدافه ومبادئه على الملأ، وندع من يشاء أن ينتسب إليه، بغض النظر عن طروحاته الروحية الدينية أو العرقية الطائفية عموماً». وعن إدراج أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية ضمن الشروط أو القوانين الجديدة، قال: «إنه أمر طبيعي جداً؛ لأن من حق أحزاب الجبهة إعادة طرح نفسها من جديد بنفس تسمية الحزب أو شعاراته، أنا لا أقول إن لها الأولوية، لكنها تمثّل جزءاً من نسيج المجتمع السوري السياسي».
الصحافي والكاتب الشيوعي، بسام القاضي، أعد دراسة عن مشروع قانون الأحزاب الجديد، وكان له العديد من الملاحظات على النسخة النهائية منه، مشيراً إلى أن «صدور القانون كما كانت عليه مسودة مشروعه الأول، ما هو إلا دليل واضح على أن الحكومة السورية أصمت آذانها بالكامل، عن جملة الملاحظات التي قدمت أثناء مناقشته، وجميع الأقاويل التي دارت في الفترة الماضية عن مناقشة مسودة مشروع قانون الأحزاب، ما هي إلا كلام فارغ وعار من الصحة».
ومن جملة النقاط التي طالب الكثيرون بزيادة توضيحها وشرحها في القانون «مفهوم الوحدة الوطنية الذي مثّل إحدى أهم وسائل القمع في سوريا على مدى 40 سنة الماضية، لكونه مفهوماً متأرجحاً وخاضعاً لمزاج السلطة، الآن دخل إلى قانون الأحزاب أيضاً، وبالتالي تحول إلى سلاح مباشر ضد أي حزب جديد». ويبرر القاضي اعتراضه على هذا التعبير الذي أدخل على قانون الأحزاب بأنه «في تسعينيات القرن الماضي، حوكم العديد من الشيوعيين بتهمة إضعاف الوحدة الوطنية. ترسيخ الوحدة الوطنية، من يستطيع أن يحدد ما الذي تعنيه الوحدة الوطنية؟». ويجد القاضي أن لجنة شؤون الأحزاب الذي نص القانون المرتقب على تأسيسها، ما هي إلا لجنة نظام بالكامل «المادة السابعة من القانون تنص على أن يرأس لجنة الأحزاب السيد وزير الداخلية، أما بقية أعضائها الثلاثة، فيعينهم السيد رئيس الجمهورية من دون وجود اشتراطات أخرى. أما أوراق تأسيس أي حزب جديد، فتقدم إلى رئيس اللجنة مباشرة، من دون مرورها بتراتبية معينة، وله الصلاحية لأن يعرضها خلال 15 يوماً على اللجنة أو أن يتجاهل تقديمها نهائياً، هذا ما اعتبره الأكثر خطورة في القانون لأنها تعيد المسألة برمتها إلى يد النظام».
وانتقد القاضي الطبيعة الذكورية للقانون الجديد التي لم يتعرض لدور المرأة السياسي، «نحن على أبواب تأسيس أحزاب ذكورية بالمطلق، لم تتعرض أو تناقش المقترحات التي قدمت لتفعيل دور المرأة الساسي». أيضاً الدور المعطى للمحكمة الإدارية الخاصة بهذه القانون كان موضع اعتراض للقاضي؛ إذ إن «قرارات المحكمة الإدارية العليا، المعنية بشؤون قانون الأحزاب، ستكون مبرمة غير قابلة للاستئناف أو الطعن أو المناقشة، والتي ستكون محكمة موضوعة من طرف النظام، وبالتالي أي حزب صدر بحقه قرار عن هذه المحكمة، يقضي بحله أو عدم الموافقة عليه، لن يستطيع بأي شكل من الأشكال الاعتراض على هذا الحكم».



قانون جديد للإعلام يلغي سجن الصحافيين

سلمت اللجنة المكلفة صياغة قانون الإعلام في سوريا المسودة النهائية لمشروع قانون الإعلام والمجلس الوطني للإعلام إلى مجلس الوزراء بانتظار أن يقره المجلس خلال الأيام المقبلة. وقال رئيس اللجنة طالب قاضي أمين أمس إن «القانون هو ما جرى التوافق عليه بين أعضاء اللجنة حيث أنجز مشروع القانون بعد إغناء المسودة الأولية التي قدمت للقاء التشاوري». وأضاف قاضي أمين: «إن المبدأ الأساس في مشروع القانون هو الحرية والمسؤولية وإعطاء الحرية المطلقة للإعلام في الوصول إلى المعلومة، يقابلها عدم التدخل في الخصوصية الشخصية». وأكد قاضي أمين أن الفصل المتعلق بالمخالفات في القانون خلا من أية عقوبة بالحبس للإعلاميين على الجرائم المرتكبة بواسطة وسائل الإعلام وإنشاء محكمة خاصة بالإعلام. كذلك منع القانون توقيف الصحافي في الجرائم المتعلقة بالنشر.
( يو بي آي)