تدرس الحكومة الإسرائيلية في هذه الآونة تحديداً خطواتها التي ستأتي رداً على توّجه السلطة الفلسطينية لنيل اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية من الأمم المتحدة في أيلول المقبل. خطوات كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أمس، عن إحداها، مشيرة إلى أنَّ طاقماً، يرأسه مستشار رئيس الوزراء للأمن القومي يعكوف عميدرور، يدرس في هذه الأيام تحديداً إمكان إلغاء اتفاقيات أوسلو، التي وُقّعت بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة اسحاق رابين الإسرائيلية بين عامي 1993ـــــ 1995. وتعمل السلطات الإسرائيلية في هذه الآونة تحديداً على تجنيد دول حول العالم لمعارضة مشروع الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية، كما يدرس الإسرائيليون، في موازاة ذلك، استعداداتهم لما بعد الاعتراف. وبحسب الصحيفة الإسرائيلية فإنّ مسؤولاً اسرائيلياً رفيع المستوى قال إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمر عميدرور، قبل ثلاثة أسابيع، ببدء العمل بالتنسيق مع كل الوزارات الإسرائيلية المختلفة في هذا الموضوع، طالباً منه إعداد توصية لرفعها إلى المستوى السياسي للرد على مبادرة السلطة الفلسطينية في أيلول. ويقدّر الإسرائيليون أنّ السلطة الفلسطينية ستتوجه في نهاية المطاف إلى الأمم المتحدة، وستتنازل عن التوجّه إلى مجلس الأمن خشية عرقلة الخطوة بالفيتو الأميركي.
وكان مسؤول آخر قد أشار إلى أنّ عميدرور بدأ جلساته الأولى في مركز الأمن القومي مع مندوبين عن وزارات الخارجية والدفاع والمالية والصناعة والتجارة والعدل، إضافةً إلى مندوبين عن قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي وقسم القانون الدولي في النيابة العسكرية. وطلب من مندوبي الوزارات دراسة الإعلان الإسرائيلي عن إلغاء اتفاقيات أوسلو. حيث يخشى الإسرائيليون قيام الفلسطينيين باستغلال قرار الأمم المتحدة من أجل إدارة صراع قضائي ضد إسرائيل في المحكمة الدولية في لاهاي، أو العمل على تغيير اتفاقيات اقتصادية وأمنية بين الجانبين.
وأشارت الصحيفة إلى أنّه في تلك الجلسات جرى الإيضاح لمندوبي الوزارات أنّ إسرائيل لا تنوي المبادرة إلى إلغاء أوسلو إنمّا الحديث يجري عن «خطوة رد فقط». وطلب من مندوبي الوزارات بلورة مواقفهم وتقديم توصية قضائية واقتراح ردود ممكنة للخطوات الأحادية الجانب من الفلسطينيين في أيلول. وبيّنت الصحيفة أنّ الجلسات حتى الآن لم ترفع إلى مكتب رئيس الحكومة أو المجلس الوزاري المصغّر (كابنيت).
ويذكر أنّه في هذه الحالة تحديداً، كما في حالات سابقة، فإنّ نتنياهو ومستشاريه يدرسون ردوداً وخطوات طرحها للمرة الأولى وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان. فهذه الفكرة هي أساساً فكرة ليبرمان. حيث إنّه في لقاء جمع ليبرمان بوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، في 17 حزيران الماضي، قال إنّ «خطوة فلسطينية أحادية الجانب في الأمم المتحدة هي نهاية لاتفاقيات أوسلو، وستؤدي الى خرق كل الاتفاقيات التي وقعّت حتى اليوم». وكان ليبرمان قد أضاف إنّ «اسرائيل لن تكون ملزمة بعد باتفاقيات وقعت مع الفلسطينيين في الـ 18 عاماً الأخيرة». وقال مصدر مطلع على المباحثات الجارية إن «نتنياهو يعارض عمليات مثل ضم المستوطنات الى إسرائيل كرد على الخطوة الفلسطينية»، مضيفاً إن «في أعقاب هذا فإن مجلس الأمن القومي يفحص إمكانات أخرى، واحد منها إلغاء اتفاقيات أوسلو. لكن في جميع الحالات لا قرار حتى الآن».
وقالت الصحيفة إنه في هذه المرحلة يبدو أنّ غالبية الوزارات الحكومية التي تعمل على هذا الموضوع تعارض مقترح إلغاء اوسلو، فيما تعارض وزارات الصناعة والتجارة والمالية خطوة كهذه نظراً إلى تبعاتها الاقتصادية.
وفي تعليق على ما نشرته الصحيفة، نفت مصادر في ديوان نتنياهو ما ذكرته صحيفة «هآرتس». ونقلت الإذاعة العبرية الرسمية عن تلك المصادر قولها، إن نتنياهو طلب من مستشار الأمن القومي يعقوب عميدرور دراسة جميع الخطوات التي تستطيع إسرائيل القيام بها إذا اتخذ الفلسطينيون إجراءات أُحادية الجانب. وكانت مصادر اسرائيلية قد ذكرت أن بعض الدول الصديقة، ومن ضمنها الإدارة الأميركية، بعثت باستفسارات الى مكتب نتنياهو بشأن الإجراءات التي تنوي حكومته اتخاذها في حال نيل الفلسطينيين اعترافاً بدولة من الأمم المتحدة.
يذكر أن اتفاقية السلام أوسلو التي وقّعت بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية بين عامي 1993-1995، هي حتى الآن أساس الإطار القضائي لغالبية منظومة العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في مجالات الأمن والاقتصاد والبنى التحتية. وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن إلغاء الاتفاقيات بين الجانبين منوط بدراسة العديد من القضايا المركزية العالقة، أولاها مكانة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. وأضافت إنّ إلغاء الاتفاقيات يلزم إعادة النظر في التعاون الأمني بين إسرائيل والأجهزة الأمنية الفلسطينية، إضافةً إلى إشكاليات أخرى، منها مصادر المياه والكهرباء. وأضافت الصحيفة إنّ إلغاء الاتفاقيات قد يؤدي ايضاً إلى إلغاء منظومة الجمارك التي أُقيمت في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفقاً لاتفاقيات باريس عام 1995، حيث تقر الاتفاقيات بأن إسرائيل تجبي ضرائب من دخول البضائع لمصلحة السلطة الفلسطينية. وبحسب الصحيفة فإنّ التخوف من أنّ إلغاء الاتفاقيات سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الفلسطيني، ويمس باتفاقيات التجارة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، سيؤدي الى ضغط دولي على إسرائيل.