دمشق| ... وفي الأسبوع التاسع عشر لبدء حركة الاحتجاجات في سوريا، تُرجم تعزيز الحل الأمني في جمعة «أحفاد خالد (بن الوليد) والوحدة الوطنية»، أمس، بفرض حالات حصار شديدة، وخصوصاً في دمشق، التي وعد حزامها الناري في ركن الدين بالانتفاض، فقوبلت المنطقة بطوق أمني كثيف غير مسبوق. العدد الإجمالي للقتلى انخفض، حتى من ناحية أرقام مصادر المعارضة، كالمرصد السوري لحقوق الإنسان، والمنظمة الوطنية لحقوق الإنسان، ورسا عند حدود الـ 11، 5 منهم فجر الخميس ـــــ الجمعة، بينما اقتصر عدد القتلى على 5 بحسب وكالة «أسوشييتد برس».
اعترف الجميع بحصول تظاهرات في حماه وبعض ريف دمشق وضواحيها ودير الزور والقامشلي، وسط حالة تردُّد باتت معتادة في حلب.
ومن أحياء دمشق، قال مصدر لـ«الأخبار» إن المنطقة تعرضت منذ الصباح الباكر لحملة مداهمات واعتقالات شديدة غير مسبوقة منذ بدء الاحتجاجات، وغالباً ما تأتي هذه الحملة رداً على توعد أهل المنطقة «بزلزلة دمشق» ثأراً لمقتل الشاب زردشت يوم الجمعة الماضية، لكن القبضة الأمنية لم تترك فرصة للتنفس، حتى تترك فرصة لزلزلة دمشق أو أقل من ذلك بكثير، إذ أضاف المصدر إن «نحو 5000 عنصر ما بين عناصر أمن بلباس مدني، وعناصر من كتائب حراسة القصر الجمهوري المرابطة في جبل قاسيون، دهموا البيوت ونفّذوا اعتقالات». وقد استمرت الحملة الأمنية حتى الساعة العاشرة والنصف صباحاً، حيث اقتحموا الأحياء التالية: حي الأكراد، ووادي سفيرة، وأنلي 1، وأنلي 2، وأنلي 3، والكيكية، وجسر النحاس، وآدم، والحارة الجديدة، وساحة شمدين، والشيخ خالد. كل ذلك وسط فوضى وحالات نهب لبعض المنازل التي دُهمت بحسب المصدر، الذي أكد انتشار سواتر يقف خلفها عناصر من الشرطة العسكرية في شارع برنية الممتد من ساحة الميسات، فيما تقف عند مدخل حي أسد الدين وشارع ابن النفيس سيارات تابعة لقوات الأمن الجوي.
وفي الوقت نفسه، تُنوقلت أنباء عن قطع الاتصالات في مناطق برزة وحرستا ودوما بعد عمليات تطويق نفّذها الجيش، لكن رغم ذلك، شوهدت بعض التظاهرات تخرج من القابون وبرزة والقدم والميدان.
ومن ناحية حمص التي دخلتها قوات الأمن بعد اقتتال طائفي لأكثر من يوم، خرجت تظاهرات في كل أنحاء المدينة التي خُصّص شعار تحركات يوم أمس لابنها، خالد ابن الوليد. غير أن السكان أكدوا أن منطقة باب السباع ظلت منفصلة عن حمص، بعدما أغلقها الأمن تماماً، إلّا أنّ عدد المتظاهرين في حمص لم يتعدَّ الـ 200 شخص بحسب موقع «شام برس».
في المقابل، بدا أن الخطر ظل موجوداً في المدينة رغم دخول الجيش إليها، في ظل إضراب عام يبدأ اليوم. ووسط هذه الأجواء المتوترة، يروي البعض معاناته التي جعلت غالبية الأهالي يصنعون ما يشبه الملاجئ داخل منازلهم، في غرف لا تطل على الشارع ويُحكمون إغلاق أبوابها خشية من رشقات الرصاص العشوائية التي تُطلَق بين الفترة والأخرى. وعلى عكس الوضع في حمص، خرجت حماه، التي ظل الجيش مرابطاً على حدودها، في تظاهرات حاشدة قدَّر المعارضون وبعض المواقع الإلكترونية المستقلة عدد المشاركين فيها بما يزيد على أربعمئة ألف متظاهر، تجمعوا في ساحة العاصي، بينما علت صرخات سكانها محذرةً من بدء تدهور أوضاعهم الاقتصادية نتيجة الأوضاع السائدة.
أما في حلب، فقد أكّد المعارضون أن مدنيَّين قُتلا على يد القوات الأمنية من جهة، وسط نفي النظام لهذه الرواية التي قابلها بالتأكيد على أن القتلى الخمسة في حمص هم من العسكريين. وبحسب مصادر المتظاهرين، فإن ستة قتلى سقطوا في ضاحية مليحة في دمشق وفي حمص وفي منطقة إدلب.
ومن المناطق التي شهدت تظاهرات، إضافةً إلى المحافظات المذكورة، اللاذقية ودرعا والقامشلي ذات الغالبية الكردية، التي رأى موقع «سيريانيوز» أنها شهدت أكبر تظاهرة منذ بدء الاحتجاجات، حيث أصيب العشرات.
وبحسب رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان، عبد الكريم الريحاوي، فإنّ أكثر من 1,2 مليون محتج تظاهروا أمس في مدينتي حماه ودير الزور وحدهما. وأوضح أن «متظاهرَين قُتلا طعناً بالسكين أمام مسجد آمنة في حلب على يد ميليشيات موالية للنظام اقتحم أفرادها المسجد وهاجموا المصلين». وأوضح «سيريانيوز» أن «شهيداً قُتل في مدينة اعزاز بريف حلب، يدعى باسل المرعنازي، خلال مشاركته في تظاهرة عقب انتهاء صلاة الجمعة، بنيران مسلحين ملثمين. أما في مدينة البوكمال في دير الزور، فلم تخرج تظاهرة بعد الاتفاق الذي جرى بين وجهاء المدينة».
ونفى مصدر إعلامي سوري ما تناقلته بعض المحطات الفضائية عن وجود انشقاقات في صفوف الجيش والقوات المسلحة السورية، مشيراً إلى أن هذه الأخبار عارية من الصحة جملة وتفصيلاً.
وبدا واضحاً أنّ الحل الأمني في سوريا بدأ بمضاعفة جهوده قبل حلول موسم الفصل في شهر رمضان. فمن وجهة نظر كل من النظام والمعارضة، سيكون هذا الشهر حاسماً لكون كل أيامه يمكن أن تصبح أيام جمعة، بالتالي فرصة للتجمع، وبالتالي للتظاهر. لذلك، راجت أنباء ترجّح أن يصدر بعض رجال الدين الموالين للنظام فتاوى دينية تمنع صلاة التراويح أثناء هذا الشهر، «درءاً للفتنة»، وذلك رغم نفي مفتي سوريا الشيخ أحمد حسون هذه الشائعات. وقال حسون لتلفزيون «الدنيا» الخاص إنّ «هذه القنوات لجأت إلى التدجيل والنفاق بعدما فشلت في النيل من وحدة الشعب السوري، الذي أكد تمسكه بوحدته الوطنية ووطنه»، مؤكداً أنه لم يُعقد أي اجتماع بهذا الخصوص، وأنه لا يوجد أي نية حتى لبحث مثل هذا الموضوع.
وفي ظل هذه الأجواء، توقع الصحافي والكاتب المعارض السوري لؤي حسين أن تصعّد الأجهزة الأمنية السورية من تحركاتها وممارساتها القمعية خلال شهر رمضان الذي يبدأ مطلع الشهر المقبل. وقال حسين لـ «الأخبار»: «قدمت السلطات الأمنية في الأسبوعين الأخيرين كل ما تملك من ممارسات قمعية ودموية وعنف وقتل واعتقالات بالجملة، وقد تمكنت السلطة السياسية من تغطيتها عربياً ودولياً بروايات متعددة، مثل الإمارات السلفية والمندسين وغيرها، بالتالي استنفذ النظام السوري جميع الوسائل الممكنة لتبرير ما تقوم به أجهزته الأمنية». وخلص إلى أنّ شهر رمضان يطرح خيارين: الأول أن تعمل السلطة السياسية على نحو جدي وحقيقي من أجل إنهاء الحل الأمني، والاعتراف بوجود معارضة حقيقية على الأرض لا بد لها أن تأخذ حصة كبيرة من السلطة والقرار السياسي. والثاني هو «ظهور عنف شديد أقرب ما يكون إلى ممارسات العصابات الإجرامية الدموية، البعيد تماماً عن الممارسات الأمنية المنظمة التي لا يزال ينتهجها النظام السوري».
وعن قراءته وتوقّعاته للمرحلة المقبلة، يشير حسين إلى صعوبة الوضع بما أن الأجهزة الأمنية «هي وحدها من يتحكم في القرار عبر القمع والاعتقالات وترهيب الشارع المنتفض، وسط غياب كامل للسلطة السياسية، حتى إنها أعلنت استقالتها رسمياً منذ اللقاء التشاوري السلطوي الذي عقد أخيراً».
ومن موقعه كمعارض سوري له علاقات جيدة مع المتظاهرين، نفى حسين أن يكون قد وجّه نداءً أو أصدر بياناً، يشرح فيه آلية جديدة أو يحدّد ممارسات لتعامل المتظاهرين مع الممارسات الأمنية القمعية المتوقعة خلال شهر رمضان، على قاعدة أن «المتظاهرين في الميدان هم أدرى بالطرق والأساليب التي تمكّنهم من مواجهة الاعتقالات والرصاص الحي، ولا يجوز لأي سياسي أو معارض بعيد عن الشارع التنظير أو ابتداع حلول نظرية»، كما توقع أن تشهد الأيام المقبلة تغييرات كبيرة في قراءة المجتمع الدولي السياسي للحراك السوري، لافتاً إلى أن النظام «يستند إلى أرضية هشة تماماً في قراءته للعلاقات الدولية، فهو يعمل ويفكر بطريقة ساذجة كأنه قادر على إلغاء قارات بكاملها، كما فعل وزير الخارجية وليد المعلم، عندما ألغى أوروبا من الخريطة، وربما يلغي قارة أميركا في خطابه المقبل».
أما المعارض والكاتب فاتح جاموس، فيؤكد، بدوره، لـ «الأخبار» أن «النظام لم ولن يغير من وجهة نظره الأساسية، أو الآلية التي لا يزال يتّبعها منذ بداية الأحداث السورية، ألا وهي الخيار الأمني»، «وهذا ما يمكن أن نتابعه في شهر رمضان، الذي أتوقع أن يشهد مواجهات وأحداث دموية»، متوقعاً ألا يقتصر التصعيد الأمني على النظام، وأن تشارك فيه بعض المجموعات المسلحة من الحراك الشعبي.
ومن جهته، يؤكد الصحافي ثابت سالم، القريب من النظام، أن شهر رمضان بطبيعته هو فترة زمنية مناسبة للتجمعات ذات الطابع الديني، ومن أهم طقوس شهر رمضان صلاة التراويح، التي يمكن اعتبارها فرصة حقيقية للتجمعات، «كما تسمح هذه التجمعات لبعض الجماعات ذات الطابع الديني الجهادي بأن تمارس دورها وتبث أفكارها»، مع اعترافه بأنه «ليس جميع المتظاهرين الذين يخرجون من المساجد، ينتمون بالضرورة إلى هذه الجماعات التي ستجد في تجمعات شهر رمضان مناخاً مناسباً لتصدير الفكر الجهادي لدى المصلين»، وربما هذا ما يبرر، بحسب سالم، تصعيد الأجهزة الأمنية السورية لتحركاتها وممارساتها للتصدي لمثل هذه السيناريوهات المتوقعة.