نجحت التظاهرات في العراق، بعد ثمانية أيام على انطلاقها، في فرض واقع سياسي قد يغير كل المعادلة ويقلب الطاولة على الجميع. المستقبل السياسي لرئيس الحكومة حيدر العبادي، المدعوم دولياً وعربياً، أصبح على المحك وبات أمام تحدٍّ آخر غير الانتصار على «داعش». تحدٍّ فرضته المرجعية الدينية العليا عليه بأن «يكون جريئاً» في وجه المفسدين وكشفهم وأن يضع جميع القوى السياسية أمام مسؤولياتها.
خطاب المرجعية يُعَدّ غطاءً للعبادي بأن يضع حداً للفساد المتفشي في مؤسسات الدولة العراقية، وإلا فإن المرجعية التي دعمت وصول العبادي إلى رئاسة الحكومة لن تتورع في سحب دعمها له، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى سقوط الحكومة الضعيفة أساساً. العبادي سارع إلى تلقف رسالة المرجعية وأعلن التزامه توجيهات المرجعية وتعهده بإعلان خطة شاملة للإصلاح والعمل على تنفيذها. وشهدت بغداد وسبع محافظات عراقية، عصر أمس، خروج تظاهرات حاشدة قدرت بالآلاف. وتجمع نحو 8000 متظاهر في ساحة التحرير وسط بغداد، فيما تجمّع الآلاف أمام مبنى الحكومة المحلية في بابل، بينما عمدت القوات الأمنية إلى استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين في كربلاء.
كذلك شهدت البصرة والديوانية (جنوب العراق) والنجف (وسط) خروج تظاهرات مماثلة قُدِّرت أعداد المشاركين فيها بالمئات. وقد تركزت معظم المطالب على إجراء اصلاحات في العملية السياسية والحكومة، واستقالة الوزراء الفاشلين، فيما أشادوا بدعوات المرجعية ومساندتها للمتظاهرين. وكان ممثل المرجعية، السيد احمد الصافي قد دعا رئيس الحكومة، حيدر العبادي إلى الكشف عن المعرقلين لـ«مسيرة الإصلاح»، وأن يكون اكثر جرأة وشجاعة في خطواته الإصلاحية والضرب بيد لكل من «يعبث بأموال الشعب».
وشدد الصافي، في خطبة الجمعة في مدينة كربلاء، على ضرورة أن يتخذ العبادي «خطوات صارمة في مجال مكافحة الفساد»، داعياً إياه إلى عدم «التردد في إزاحة من لا يكون في المكان المناسب، وإن كان مدعوماً من بعض القوى السياسية، وأن لا يخشى رفضهم واعتراضهم».

وضعت كتلة «المواطن» بزعامة عمار الحكيم استقالة وزرائها بتصرف العبادي

وطالب ممثل المرجعية القوى السياسية بـ«توحيد مواقفها في هذه المعركة التاريخية التي هي معركة وجود للعراق، وعلى الحكومة أن تستثمر مختلف إمكاناتها لإسناد المقاتلين ودعمهم»، لافتاً إلى أن «العراق يمرّ بأوقات عصيبة ويعاني من أزمات متنوعة أثرت بصورة جدية على حياة المواطنين وكانت لها تداعيات كبيرة».
العبادي بادر فوراً للرد على دعوة المرجعية وتعهد في بيان مقتضب التزام توجيهات المرجع الأعلى علي السيستاني وإعلان خطة شاملة للإصلاح والمضي قدماً في تطبيقها. وأعلن العبادي التزامه الكامل بالتوجيهات القيمة للمرجعية الدينية العليا التي عبرت عن هموم الشعب العراقي وتطلعاته.
ودعا العبادي القوى السياسية إلى التعاون معه في تنفيذ برنامج الاصلاح.
وسريعاً عقد حيدر العبادي، مساء أمس، اجتماعا مع عدد من الخبراء والمستشارين لمناقشة محاور الإصلاح الإداري والمالي وتحسين الخدمات ومعالجة الترهل الوظيفي، إضافة إلى تخصيص جزء موسع حول السبل الكفيلة للتصدي للفساد والمفسدين.
واستعرض في الاجتماع جملة من الإجراءات التي سيتبناها سواء ضمن صلاحياته الدستورية أو ضمن اختصاصات مجلس الوزراء والتي ستعرض في القريب العاجل.
بدوره، عد نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي توجيهات المرجعية الدينية العليا للإصلاح فرصة ثمينة «لاصلاح الخلل في مسارات العملية السياسية».
وطالب المالكي في بيان «الحكومة ورئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي بالإسراع في تصحيح الأوضاع وضرب المفسدين مالياً وسياسياً، وندعو الجميع إلى الوقوف إلى جنب الحكومة في سعيها لتحقيق هذه الأهداف».
من جهته، أعلن رئيس البرلمان، سليم الجبوري، الشروع باستجواب كافة الوزراء الذين يطالب المتظاهرون باستجوابهم، مؤكداً تخصيص الجلسة المقبلة للبرلمان لمناقشة مطالب المتظاهرين والعمل على وضع سقف زمني لتنفيذها.
ودعا الجبوري المتظاهرين في كلمة وجهها لهم، أمس، إلى «ممارسة حقهم الدستوري والاستمرار بالتظاهر، والتعبير عن آرائهم بحرية. فقد ذهب زمن الاستبداد والكبت». وأكد أن «مجلس النواب سيشرع بجملة اجراءات سيراها الشارع في القريب العاجل، ولن يتردد في مساءلة كل من كانت له يد في سرقة الثروات او تضييع الاقتصاد».
بدوره، أعلن رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، عمار الحكيم، في صفحته على موقع «فايسبوك» دعمه لرئيس الحكومة حيدر العبادي بتنفيذ توصيات المرجعية الدينية في مجال مكافحة الفساد وضرورة الإسراع في الإصلاح الشامل.
وكانت كتلة «المواطن» التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي قد دعت وزراءها وبقية الوزراء إلى وضع استقالاتهم تحت تصرف العبادي. عضو الكتلة النائب إبراهيم بحر العلوم قال في حديث لـ«الأخبار»، إن «التحالف الوطني أمامه فرصة تاريخية لوأد مبدأ المحاصصة وإنقاذ البلاد من خلال تقديم استقالة جميع وزرائه وتخويل العبادي حرية اختيار من يراه مناسباً وعدم عرقلة خياراته عند طرحها للثقة في البرلمان».
بحر العلوم أشار إلى أن «أمام رئيس مجلس الوزراء اليوم فرصة ذهبية لضرب الفساد الذي ينخر الجسد العراقي»، لافتاً إلى أن «خطبة الجمعة لهذا اليوم كانت موجهة إليه مباشرة ليأخذ خطوات جادة وفاعلة في عملية التغيير، ليتجاوز كل الخطوط الحمراء». كذلك دعا الأمين العام لمنظمة «بدر»، هادي العامري إلى «المحافظة على قدسية التظاهرات وسلميتها والمطالب المشروعة وعدم السماح لأحد بالعبث بها، وعدم السماح للبعث باستغلال التظاهرات، والحذر من بعض الفضائيات التي تريد حرف مسار التظاهرات».
(الأخبار)