بعث السفير الأميركي في دمشق، روبرت فورد، أمس بمجموعة من الرسائل إلى السلطات السورية تؤكد في مجملها ضرورة الإسراع في عملية الإصلاح ضمن مسار انتقالي تحدد سرعته دمشق، لتلبية مطالب الشعب الذي يملك وحده قرار تحديد ما إذا كان النظام الحالي قادراً على المضي قدماً في الإصلاح. وأكد فورد، في اتصال مع مجلة «فورين بوليسي»، أنه «لم ير بعد أدلة على تغييرات ملموسة على الأرض تشير إلى رغبة الحكومة السورية في الإصلاح بالسرعة التي يطالب بها المحتجون»، مشيراً إلى أن الحكومة السورية «ليست حتى قريبة من الاستجابة لهذه المطالب. وهذه مشكلة حقيقية»، ومحذراً من أنه «إذا لم تتحرك الحكومة بهمة أكبر، فإن الشارع سيبعدهم».
وبعدما انتقد السفير الأميركي الحكومة السورية على استمرارها في قمع المتظاهرين السلميين، دعا الرئيس السوري بشار الأسد إلى «اتخاذ القرارات الصعبة» لبدء إصلاحات جدية قبل فوات الأوان، مؤكداً أن الدعوة «ليست بسبب القلق الأميركي، بل بسبب نفاد صبر المعارضة السورية نفسها». وحذر من أن الحكومة السورية لا تزال عاجزة عن فهم عمق التغييرات في بلادها ومداها، مؤكداً أن «عليهم أن يبدأوا بانتقال جدي حقيقي، لا مجرد أن يتكلموا أو يطلقوا الوعود». كذلك أوضح أنه يجب عليهم «أن يمنحوا حريات سياسية حقيقية، ويبدأوا بتفكيك الأجهزة الأمنية القمعية، غير الخاضعة للمساءلة». كذلك أشار إلى أن «تشجيع الشعب السوري للمطالبة بحقوقه» يشمل مواصلة العمل المتعدد الأطراف مع الأوروبيين وجيران سوريا لتنسيق عقوبات محدَّدة تستهدف أشخاصاً مسؤولين عن القمع، ولدفع مجلس الأمن الدولي إلى التحرك بهذا الشأن.
من جهةٍ ثانية، أقر فورد بأن بعض الخطوات التي أعلنتها الحكومة السورية للإصلاح كانت مهمة في السياق المحلي، لكنه قلل من أهمية معظم اقتراحات الإصلاح التي قدمها النظام، مشيراً إلى أنها «غير ذي صلة»، وأن الحكومة السورية لا يمكن أن تكون ذات صدقية بنظر شعبها في الوقت الذي تواصل فيه قمع المسيرات السلمية أو اعتقال طفل لكتابته شعارات معادية للنظام، بصرف النظر عما يعتقده الخارج مثل الولايات المتحدة.
ونفى فورد فكرة أنه قبل زيارة حماه كان أسير سفارته، غير قادر على التواصل مع أي شخص، مؤكداً أنه على العكس من ذلك، كان لديه إمكانية للوصول إلى الحكومة السورية وإلى قطاعات رئيسية في المجتمع السوري مثل قطاع الأعمال، في وقت أشارت فيه المجلة إلى أن عدداً من المسؤولين في الإدارة الأميركية أكدوا أن السفير هو أحد أهم مصادر معلوماتهم في تقويم المشهد السوري، وهو السبب الرئيسي الذي يدفع مسؤولي الإدارة إلى اعتبار وجوده في دمشق ضرورياً حتى قبل زيارته لحماه.
وفي السياق، شدد فورد على أنه لن يحد من نشاطه في مواجهة الضغوط الرسمية، قائلاً: «لن أوقف الأشياء التي أقوم بها، لا أستطيع». وأضاف: «الرئيس أصدر توجيهات واضحة. إنه الشيء الصحيح أخلاقياً القيام به».
وبعدما أكد أنه يخطط للقيام برحلات أخرى في سوريا، وللاستمرار في لقاء أكبر عدد ممكن من السوريين والدفع لفتح الفضاء السياسي وكبح جماح عنف النظام، أعرب عن اعتقاده بأن الإدارة الأميركية لن تستدعيه، مؤكداً أنه لا يملك ما يشير إلى إمكانية أن تقوم الحكومة السورية بطرده.
وحرص فورد على التأكيد أنه في الوقت الراهن، يرى أن دوره يقوم على «بذل ما في وسعه لفتح فضاء سياسي للشعب السوري للدفع بمطالبه الخاصة بالحريات السياسية، فرض قيود على الأجهزة الأمنية التي لا تخضع للمساءلة والتي عفا عليها الزمن، والدفع لانتقال سياسي ذي مغزى».
ووفقاً للمجلة، رفض فورد على نحو متكرر الحديث عن مطالب سياسية محددة، مشيراً إلى أن «هذا ليس قراراً أميركياً. وما لن نقوم به هو ادعاء الحديث باسمهم. إنهم قادرون على التعبير عن أنفسهم». ورداً على سؤال عن متى يتخطى عنف النظام السوري الخط، ومتى يكون القمع والعنف قد ذهب بعيداً ليكون أي انتقال سلمي غير ممكن، رأى أن هذا «في الحقيقة ليس سؤالاً للأميركيين»، مشدداً على أنه «سؤال للمعارضة السورية، التي لديها العديد من العناصر الصلبة جداً». وأضاف: «لقد اجتمعت بعدد كافٍ منها، وصدقوني، هم أقوى بكثير من أي شخص في واشنطن بوست أو مجلس الشيوخ الأميركي». وأضاف: «إنهم يعرفون، بالتحديد، ماذا يفعلون». كذلك، رأى السفير الأميركي أن بالمقارنة مع أشهر قليلة، توسعت المعارضة وأصبحت أكثر تنظيماً بنحو لافت، وأظهرت شجاعة هائلة وبقيت بعيدة عن العنف على نطاق واسع. وأكد أن الولايات المتحدة لا تدعم أي حركة معارضة سورية أو شخصية معينة، ولا تؤيد خطة انتقالية محددة، وهي الخطوة التي يعتقد فورد أنها ستمثّل استنساخاً للأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش في العراق عام 2004. وأكد أن «المسار يجب أن يتحرك بناءً على السرعة السورية، لا بسرعة محددة في واشنطن أو لندن أو بروكسل».
وفيما امتنع فورد عن القول ما إذا كانت مثل هذه المحصلة ممكنة مع وجود نظام الأسد في السلطة، شدد على أن القرار سيكون في النهاية للشعب السوري، لا الولايات المتحدة. هذه الرسائل المتعددة التي أوصلها فورد في مقابلته لا تنفصل عن حرص الإدارة الأميركية على إبقاء تواصلها مع الحكومة السورية، على الرغم من التوتر الذي تصاعد بعد زيارة فورد لحماه وقيام متظاهرين مؤيدين للنظام بمحاولة اقتحام السفارة الأميركية في أعقاب خطوته، وهو ما تجلى من خلال تأكيد وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، أنه تلقى اتصالاً من مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليم بيرنز، عقب الهجوم على السفارتين الأميركية والفرنسية، حيث أكد المعلم أن «سوريا تتحمل مسؤولية ما حدث أمام سفارتي أميركا وفرنسا».



واشنطن تكثف ضغوطها على الأسد

أفادت صحيفة «فايننشال تايمز» أمس بأن الولايات المتحدة بدأت تكثيف الضغوط على الرئيس السوري بشار الأسد (الصورة)، بعد نفاد صبرها من تحقيق الإصلاحات التي وعد بها، مشيرةً إلى أن الأحداث التي جرت الأسبوع الماضي وشهدت مهاجمة السفارة الأميركية في دمشق، خلقت نقطة تحول بهذه المعادلة. ونقلت الصحيفة عن المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الأميركية بي جي كراولي قوله «إن الإدارة الأميركية تبنت سياسة لا يمكن الدفاع عنها، لكن بعد أحداث الأسبوع الماضي، صار من الواضح أن بشار الأسد ليس لديه أي نية بقيادة عملية التحول». وأضاف كراولي أن هذا الموقف «أجبر إدارة أوباما على تعجيل الإعلان أن الأسد فقد شرعيته»، إلى ذلك رأت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون (الصورة)، أن الوضع في سوريا «لا يزال مفتوحاً». وأوضحت على هامش مشاركتها في اجتماع مجموعة الاتصال حول ليبيا في إسطنبول أن «المصير النهائي للنظام السوري والشعب السوري يعتمد على الشعب نفسه، وأعتقد أن الخيارات لا تزال مفتوحة». وأضافت: «لا أعتقد أننا نعلم كيف ستتمكن المعارضة في سوريا من قيادة تحركها، وما هي مجالات التحرك لديها». وجددت كلينتون التأكيد أن «سوريا لا يمكنها العودة إلى الوراء»، مشيرةً إلى أن الرئيس السوري، بشار الأسد، «فقد شرعيته» بسبب قمعه الدامي للشعب السوري. لكنها أضافت: «في نهاية المطاف، يعود للشعب السوري رسم طريقه».
(أ ف ب، يو بي آي)