جوبا | وضعت جوبا أمس اللمسات الأخيرة على ترتيبات احتفالات انفصال الجنوب وسط إجراءات أمنية مشددة، وفرحة عارمة طغت على الجنوبيين الذين يستعدون اليوم للانتقال من كنف السودان الموحد إلى كنف جمهورية جنوب السودان.
وشهد ضريح الزعيم الجنوبي جون قرنق دي مبيور في مدينة جوبا، الذي ستقام الاحتفالات أمامه، أمس عروضاً عسكرية شاركت فيها القوات النظامية والمعوّقون وقدامى المحاربين ومنظمات المجتمع المدني والفرق الثقافية، بحضور نائب رئيس حكومة الجنوب ريك مشار، والأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان، باقان أموم، فضلاً عن عدد كبير من الوزراء وجموع غفيرة من المواطنين.
وحتى ساعات قليلة من موعد إعلان الانفصال، تمسك أبناء الجنوب باحترام النشيد الوطني السوداني، فعزفت الفرقة الموسيقية النشيد الوطني لجمهورية السودان، ثم عزفت الفرقة الموسيقية النشيد الوطني الجديد لجمهورية جنوب السودان. وإثرها، نُكِّس علم جمهورية السودان من على السارية، وأخذ علم الدولة الجديدة محله، إيذاناً بإعلان دولة جنوب السودان، في حين من المنتظر أن يؤدي اليوم الفريق أول سلفا كير ميارديت رئيس حكومة جنوب السودان الحالي اليمين الدستورية أمام رئيس المحكمة العليا ورئيس القضاء في جنوب السودان المولانا جون وول مكيج، ليصبح أول رئيس لدولة الجنوب الوليدة.
وعقب مراسم أداء القسم، ستعزف الفرقة القومية النشيد الوطني الجديد لدولة جنوب السودان، على أن يوقع ميارديت على دستور الدولة الجديدة الذي أجازه البرلمان بعد مداولات ساخنة، كذلك سيُكرّم الشهداء الذين ناضلوا من أجل تأسيس دولة الجنوب. وفي مقدمة المكرمين جون قرنق الذي ستشارك أرملته ربيكا نياندينق دي مبيور في الاحتفالات، إلى جانب مسؤولين من مختلف أنحاء العالم، يفترض أن يتقدمهم رئيس السودان عمر البشير، الذي أطلقت منظمات المجتمع المدني واتحاد طلاب جنوب السودان من أجله حملة شعبية كبرى تهدف إلى حث الجميع للخروج لاستقباله، على اعتبار أن مشاركته في الاحتفال سيثبت اعتراف الشمال بالدولة الجديدة، وسيفتح إمكانية التواصل غير المحدود بين الدولتين لتعيشا في جوار أخوي وسلمي. وأكد وزير الإعلام الجنوبي، برنابا مريال، أنه بات في حكم المؤكد مشاركة شخصيات شمالية، يتقدمها وفد رفيع من حزب المؤتمر الوطني، إلى جانب كل من رئيس حزب الأمة الصادق المهدي وسكرتير الحزب الشيوعي السوداني، محمد إبراهيم نقد، بالإضافة إلى قيادات الحركة الشعبية شمال السودان، فيما لم تتأكد مشاركة زعيم الحزب الاتحادي الديموقراطي محمد عثمان الميرغني.
أما دولياً، فإلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أعرب رئيس اللجنة العليا للاحتفالات أبدون أقاو، لـ«الأخبار» أن من المنتظر أن يصل رؤساء الدول الأفريقية إلى الجنوب اليوم، بالإضافة إلى مسؤولين كبار من دول أوروبية، أبرزهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
ووفقاً لجدول الاحتفال، سيلقي البشير كلمة في المناسبة في حال حضوره تلبية للدعوة التي وجهتها إليه حكومة جنوب السودان، على غرار رؤساء الدول المجاورة ومنظمة (الإيغاد) والاتحاد الأفريقي وممثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية التي أسهمت في مفاوضات السلام في كينيا التي انتهت بتوقيع اتفاقية السلام.
وبعد الكلمات والخطب، ستعزف الفرقة القومية النشيد الوطني مرة أخرى، وعلى أثرها، ستطلق إحدى وعشرون رصاصة في الهواء رمزاً للسنوات الإحدى والعشرين التي قضاها الجنوبيون في الحرب مع الشمال، وعقب إطلاقها ستحلق الطائرات العسكرية فوق سماء موقع الاحتفالات.
وبانتظار قدوم موعد الاحتفال، غصت شوارع جوبا أمس بالعديد من الفرقة التراثية والشعبية التي رقصت فرحاً بالانفصال على وقع قرع الطبول، احتفالاً باللحظة الموعودة، بالنسبة إلى الكثير من الجنوبيين، الذين يمثل الانفصال بالنسبة إليهم لحظة انتصار طال انتظارها. كذلك شهدت المدينة مسيرات نظمتها تنظيمات المجتمع المدني ترحاباً بميلاد الدولة الجديدة، جابت شوارع المدينة بسيارات كثيرة تحمل علم الدولة الوليدة وصوراً لجون قرنق وسلفا كير وعدد من رموز حزب الحركة الشعبية التي تحكم الجنوب.
ولخص جابريل ياك، فرحة الجنوبيين بالانفصال قائلاً: «إنني سعيد جداً بالاستقلال»، وأضاف: «لا شيء سيئ في المستقبل. إذا كنت وحدك في منزلك يمكنك إدارة أمورك. لن يعترض سبيلك أحد». وعلى الرغم من أن الاحتفالات الرسمية ستتركز في جوبا، إلاّ أن بلدة توريت التي تفخر بأن شرارة التمرد الذي أوصل إلى الانفصال انطلقت منها، أتمت استعداداتها للاحتفال.
وقال رئيس المجلس التشريعي في توريت، امبروز ايمانويل شولوموي إن «هذا هو اليوم الذي كان البعض يتطلع إليه كل هذا الوقت، بأن نحصل على الاستقلال يوماً ما».
وأوضح شولوموي أهمية تاريخ توريت الذي أكسبها وصف «مهد النضال»، قائلاً: «توريت بالطبع بلدة تاريخية، حتى إن بعض الناس يصفونها بأنها مهد الصراعات»، وأضاف: «أول رصاصة أطلقت هنا في عام 1955 ضد الطغاة... ضد العرب».
بدوره، تحدث وزير النقل والطرق، بيتر اوتيم كارلو كليب عن الأجواء، قائلاً: «الإثارة تتجاوز نسبة 100 في المئة؛ لأننا نقاتل منذ عام 1947، نشعر بإثارة بالغة لأن تكون لنا دولة جديدة، بلد جديد يعترف به في العالم».
أما رجل الدين باسكوالي باكوتو الذي كان يرتدي قميص الجيش الشعبي لتحرير السودان، فأكد أن السودانيين الجنوبيين انتظروا الانفصال على مدار عقود، مشدداً على أنه «مبعث سعادة بالغة».