تونس | بين «حركة النهضة» و«نداء تونس» تحالف سياسي يعرفه جميع المتابعين، لكن إلى جانب ما يعلنه زعيما الحزبين، يبدو مما خفي في الحسابات السياسية وراء «تحالف الأعداء» في هذه المرحلة أنّ الحزبين يحاولان التموضع ضمن ما يوصف بالدولة العميقة عن طريق التعيينات في الإدارة التونسية.
خلال حكم «النهضة» بعد أول انتخابات تشريعية تلت سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عام 2011، وفي إطار العفو التشريعي العام، عيّنت الحركة نحو 7800 شخص من المقربين منها في مختلف الإدارات والوزارات، لعلمها بأن مفاتيح الدولة والسيطرة على دواليبها (هياكلها) تمرّ عبر هذه المناصب الإدارية، لأنها تمكّنها من التحكم في قرارات الدولة حتى وإن لم تكن في الحكم، لكن اليوم يبدو أنّ (مكاسب) «النهضة» باتت مهددة من طرف شريكها في الحكم «نداء تونس»، حزب الرئيس الباجي قائد السبسي وصاحب الغالبية في البرلمان.
وقد تناول «النداء» خلال اجتماع مكتبه التنفيذي المنعقد نهاية الأسبوع الماضي، معضلة التعيينات، وعبّر قادته عن امتعاضهم من عدم انعكاس نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة على التعيينات الإدارية، وخاصة وسط ما يثار عن أنّ رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، يحاول قدر الإمكان من جهته تجنب الرضوخ للضغوط المفروضة عليه التي تمارسها حركة «نداء تونس».

توازنات قديمة

ترى حركة «نداء تونس» أن السلطة الجهوية (المجالس البلدية) والتعيينات لا تزالان تخضعان للتوازنات السياسية التي أفرزتها انتخابات عام 2011، بمعنى أن «حركة النهضة» ــ و«الترويكا» نسبياً من خلفها ــ هي التي تسيطر جهوياً ولا تخفي الأمر بل تجاهر به، وترى أن من حقها، وفق الدستور والإرادة الشعبية، أن تكون الأكثر تمثيلاً في التعيينات الكبرى، كالولاة وداخل النيابات الخصوصية (مجالس بلدية)، وخاصة أنّ البلاد مقبلة على إنتخابات محلية لها أهمية أكبر من انتخابات العام الماضي التشريعية.
وكان الأمين العام لـ«النداء»، محسن مرزوق، قد أكد فور انتهاء اجتماع المكتب التنفيذي الأخير لحزبه أن ‏التعيينات على مستوى الإدارات الجهوية ما زالت تعبّر عن نتائج انتخابات تشرين الأول/اكتوبر 2011، ما أنتج تناقضاً سياسياً بين الواقعين المركزي والجهوي. وأشار إلى أن حزبه سيتجه نحو تثبيت نتائج انتخابات 2014 على المستوى الجهوي، وفي ملف التعيينات.

البحيري لـ«الأخبار»: ندعو إلى أن تكون التعيينات على أساس الكفاءة

كذلك، لفت مرزوق إلى أن التعيينات المشار إليها مبنيّة وفق المحاصصة القديمة التي جرت بعد انتخابات 2011 داخل ‏النيابات الخصوصية (البلديات المؤقتة) وبعض السلطات الجهوية، وهو ما يمكن أن يُنتج نوعاً من التناقض السياسي الذي ‏يعرقل عمل الحكومة، وهو الموقف الذي أكده في حديث إلى «الأخبار» النائب عن «نداء تونس»، وليد الجلاد.
وبحسب بعض التسريبات، فقد دعا قادة من «نداء تونس» خلال اجتماع المكتب التنفيذي وزير النقل الحالي، محمود بن رمضان، وبعض الوزراء الآخرين الذين ينتمون لـ«النداء» إلى مراجعة التعيينات الحزبية التي أجراها الوزراء السابقون (المنتمون بدورهم للنهضة).

استنفار غير معلن

برغم أنّ هذا المشهد المتميز اليوم بما يمكن وصفه بالاستنفار لم يكن معلناً، لكن المتابع للشأن التونسي يعلم بأن «النهضة» حين تعبّر مثلاً في البيان الختامي لمجلس الشورى الأخير عن «انشغالها (اهتمامها) بالتعيينات» التي تجريها الحكومة، فإن ذلك يعني أنّ مصالحها قد مُسّت من خلال ما يُعرف بمراجعة التعيينات التي ستشمل بالضرورة من وضعتهم خلال حكمها في مناصب إدارية عليا.
وفي حديث إلى «الأخبار»، يقول القيادي ورئيس كتلة «حركة النهضة» النيابية، نور الدين البحيري، «نحن ندعو إلى أن تكون التعيينات على أساس الكفاءة لا الولاء والانتماءات السياسية، وكذلك بالنسبة إلى الهجمة التي تُشن على الموظفين والإطارات في الإدارات والمناصب العليا في الدولة، لمجرد انتمائهم إلى طرف إيديولوجي معين، ولمحاولة تعويضهم بموالين لطرف آخر».
ويذكر أن رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، قد أمر بدوره بحلّ 53 نيابة خصوصية منبثقة عن انتخابات 2011 وتعويضها بأخرى إلى حين إجراء الانتخابات البلدية المتوقعة في نهاية عام 2016، الأمر الذي أثار غضب «حركة النهضة» وعدّته استهدافاً لسلطتها في الجهات، فيما ساند هذا الإجراء «نداء تونس».
وفي الوقت الحالي، يحاول رئيس الحكومة إيجاد صيغة توافقية لتعيين الولاة، وخاصة أن «نداء تونس» متمسك بحقه في تعيين أكبر عدد منهم، فيما تعلن «حركة النهضة» أن المحاصصة الحزبية لن تقود البلاد إلا باتجاه ترسيخ منطق «اقتسام الكعكة».