عندما خرج المحتجّون اليمنيّون إلى الشوارع، ساعين إلى اسقط النظام، كانوا يدركون مسبقاً أن مهمتهم لن تكون سهلة، ليس فقط بسبب تجذر النظام بعدما نجح الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، طوال أكثر من 33 عاماً في احكام قبضته على السلطة، بل بسبب المصالح الدولية والاقليمية في اليمن التي ستعمل على اجهاض اي تبدّل في طبيعة النظام.
ومع تصاعد الاحتجاجات، بدأت ملامح الدور الخارجي تتضح من خلال اتفاق السعودية والولايات المتحدة على ضرورة حرف مسار الأحداث من ثورة شعبية تشارك فيها مختلف اطياف الشعب اليمني إلى ازمة سياسية محصورة بين حزب المؤتمر الشعبي الحاكم والمعارضة الممثلة بأحزاب اللقاء المشترك، بهدف الحفاظ على مصالحهما في البلاد.
اما السبيل إلى ذلك، فلم يكن سوى من خلال تقديم المبادرة الخليجية التي طرحت ضمن صيغة تضمن التخلص من صالح في مقابل الحفاظ على هيكلية النظام، وذلك بعدما ايقنت الرياض وواشنطن ان التظاهرات التي تشهدها صنعاء وباقي المدن اليمنية لن تهدأ سريعاً كما كانت تتوقع، وتأكدت أن رحيل الرئيس اليمني عن السلطة بات ضرورياً.
أما مع بدء صالح ممارسة ألاعيبه المتعددة للتنصل من المبادرة، رغم أن معظم بنودها قدمت بناءً على اقتراحات منه، فقد وقفت السعودية والولايات المتحدة تترقبان من دون أن تقدما على اتخاذ اي خطوات اضافية للضغط عليه.
وحرصت السعودية على ضمان انتقال صالح اليها للعلاج فيما رفضت تقديم اي معلومات دقيقة عن وضعه الصحي رغم ما يترتب على وضعه من تداعيات على الأزمة اليمنية، وتحديداً لجهة تأمين نقل السلطة عن طريق المادة 116 من الدستور.
اما الولايات المتحدة، فنقلت إلى المعارضة رسالة واضحة بأن اليمن بحاجة إلى انتقال السلطة لكن من دون الفوضى، اما كلمة السر فيجب انتظارها من السعودية، بعدما فُوضت إليها مهمة ايجاد حل للأزمة بحكم دورها التاريخي في اليمن.
وتلتقي المصالح الأميركية والسعودية في اليمن، حول ضرورة الحفاظ على النظام بتركيبته المسيطر عليها عسكرياً من أقارب صالح، وسياسياً من اطراف موالية للسعودية وذلك بهدف ضمان تحقيق عدد من الأهداف من ضمنها استمرار برامج مكافحة الإرهاب.
فالسعودية تخشى من خطر تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، فيما ترغب الولايات المتحدة في القضاء على التنظيم حمايةً لأمنها القومي بعدما وسع من نطاق عملياته إلى خارج اليمن.
والتقاء المصالح الأميركية والسعودية في اليمن، لا يلغي ان للرياض مصالح خاصة تحرص تاريخياً على الحفاظ عليها، وهي تتخطى مسألة القاعدة أو النفط، في مقدمتها الخوف من قيام دولة ديموقراطية في اليمن، نظراً لما يمكن ان تشكّله من تهديد على استقرارها السياسي، وتشجيع السعوديين على المطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية، وتحديداً في المنطقة المتاخمة للحدود السعودية ـــــ اليمنية.
ولذلك فقد حرصت السعودية طوال السنوات السابقة، على ضمان حرمان اليمن من فرص التطور السياسي والاقتصادي، فعملت على اغلاق الباب امام امكانية انضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي في الوقت الذي سعت فيه إلى الحفاظ على قوة القبائل ودورها في الحياة السياسة من خلال صرف مبالغ مالية شهرية ضخمة، يتولى حلفاؤها القبليون مهمة توزيعها لضمان ولاء القبائل لها. وبالتزامن، استمرت السعودية في نسج العلاقات مع العديد من الأطراف الفاعلة على الساحة اليمنية سواء من سياسيين أو عسكريين.
اما احتمالات دخول أطراف جدد إلى قلب المعادلة السياسية في حال نجاح اي تسوية سياسية للأزمة اليمنية، فلا يثير قلق السعودية إلى حد كبير خاصةً أنها تعتقد انه في حال الحفاظ على النظام اليمني، وتعزز دور آل الأحمر داخل المؤسسات اليمنية، فإنهم سيكونون قادرين على تطويق اي تهديد يمكن أن تشكله الأطراف السياسية الأخرى لمصالحها التقليدية.