الحركة الاحتجاجية في سوريا تعرضت هي الأخرى للاستغلال من الأطراف الإقليمية والدولية. ومنذ اليوم الأول حصلت محاولات خارجية لركوب موجتها. كان واضحاً أن هناك من أراد توظيف الضغط الشعبي للضغط على النظام السوري لتصفية حسابات أو الحصول على مكاسب لم يكن في الحسبان تحقيقها في الظروف العادية. لذا، برزت تسريبات في وسائل الإعلام عن تحركات خليجية تحمل رسائل غربية للحكم السوري تطالبه بفك ارتباطه بإيران ووقف دعمه للمقاومة في لبنان وفلسطين. وأخذت الضغوط الغربية شكل حملة إعلامية وسلسلة من العقوبات وتحريك الوضع السوري في مجلس الأمن الدولي. وبرفضه التدخل الخارجي في ما يجري على الساحة السورية، اعترف اللقاء التشاوري، الذي عقد في دمشق، أول من أمس، بمشاركة نحو 200 شخصية من المعارضين للنظام السوري، بأن الحراك الشعبي الداعي إلى تطبيق إصلاحات شاملة في البلاد، يتعرّض للاختراق من دول عربية وغربية، بهدف زعزعة استقرار سوريا الحليفة للمنظمات والدول المناهضة للسياسة الأميركية في المنطقة.
المعارضة، وإن اعترفت بوجود تدخل أجنبي، رأت أن «العملية الأمنية الجارية هي التي تستدعي مثل هذه التدخلات».
ويبدو أن تصريحات واشنطن وباريس التي تقف كرأس حربة ضد السلطة في دمشق، من شأنها تشويه صورة المعارضة السلمية، أكثر من خدمتها؛ فقد أشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، إلى أن «العديد من المعارضين على اتصال بالسفارة الأميركية في سوريا». تصريح من شأنه إحراق ما بقي من صورة المعارضة التي تحولت إلى «مجموعات سلفيّة» أو «عناصر إرهابية مسلّحة» تارة وإلى «مندسّين» ينفذون أجندة خارجية لفك الارتباط بين المقاومة وإيران وبين دمشق.
رواية السلطة هذه تدعمها تحركات الدول الكبرى، وبعض الدول الخليجية التي وظّفت وسائل إعلامها على مدار الساعة للتحريض على النظام، بينما تحاول عدة دول أوروبية، بينها فرنسا وبريطانيا، استصدار قرار دولي يدين «قمع» السلطات للمتظاهرين. محاولة تصطدم برفض روسيا وتحفظات الصين والهند.
لكن التحرك الدولي لم يتوقف عند هذه المحاولة، فأقرّ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات أحادية: فرضت واشنطن في 19 أيار عقوبات مباشرة على الرئيس بشار الأسد وستة من كبار المسؤولين، لدورهم في «قمع الحركة الاحتجاجية». أما الاتحاد الأوروبي، فقد أعلن في العاشر من أيار الماضي، حظراً على تصدير الأسلحة والمعدات التي يمكن أن تستخدم في «قمع الاحتجاجات» إلى سوريا، وفرض عقوبات بحق 13 مسؤولاً سورياً. ثم ما لبث في 23 أيار أن قرر اتخاذ عقوبات إضافية، بينها تجميد أرصدة الرئيس بشار الأسد، ومنعه من الحصول على تأشيرات دخول على خلفية «قمع الاحتجاجات». وواصل الاتحاد الأوروبي ضغوطه على دمشق حين وسّع عقوباته لتشمل 3 مسؤولين في حراس الثورة الإيرانية بذريعة أنهم على صلة بـ«قمع المتظاهرين في سوريا».
أمام هذه التطورات، ترى دمشق أن مجموعة مواقف لدول غربية تأتي في إطار حملة الضغوط عليها «للحصول على تنازلات في مواقفها من القضايا الوطنية والإقليمية». أما المحللون فيرون أن قرارات فرض العقوبات على دمشق تهدف إلى تشجيع الاحتجاجات في سوريا، وبالتالي المساهمة في تصعيد الموقف إلى نقطة اللاعودة.
(الأخبار)