فيما كانت فرنسا وبريطانيا في طليعة الدول الداعية إلى التدخل في الهضبة الأفريقية، وفي مقدمة من اعترف بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلاً للشعب الليبي، كانت الولايات المتحدة تماطل في إصدار قرار دولي يحد من قمع قوات القذافي للمتظاهرين عبر إقامة منطقة حظر جوي فوق منطقة النزاع.
مماطلة يبدو أن أحد أهم أسبابها تريّث واشنطن في معرفة هوية الثوار والخوف من تحول الأوضاع في غير مصلحتها.
على الأرض، كانت الحركة مختلفة؛ إذ حاولت دول الحلف الثلاثي (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) احتواء المعارضة، واستغلال ضعفها التسليحي والتنظيمي، لوضع أقدامها على أرض النفط الغنية.
وظهر تضارب كبير بين الدول التي تدعو إلى التدخل العسكري في الجماهيرية (فرنسا وبريطانيا وإلى حد ما إيطاليا) والدول التي تحذّر من تكرار تجربة العراق وأفغانستان (ألمانيا وتركيا وقطر والصين وبعض الدول العربية والإسلامية)، بينما وصلت معارضة روسيا للعسكرة إلى تشبيه ما يجري بدعوات الحملات الصليبية.
بيد أن تطورات الأوضاع الميدانية أعادت خلط الأوراق وصياغة التحالفات، فظهرت خلطة جديدة من شأنها تجميل صورة التدخل الغربي حتى لا يكون شبيهاً باحتلال العراق، فعمدت الدول الكبرى إلى إنشاء غطاء عربي إسلامي للعملية التي تسلمها حلف شماليّ الأطلسي من الحلف الثلاثي في 20 آذار. فشاركت قطر وإلى جانبها الإمارات وتركيا، بعملية فرض حظر جوي فوق ليبيا تحت شعار «حماية المدنيين».
وفيما رفض الرئيس الأميركي، باراك أوباما، دعوات حلفائه العرب والأوروبيّين إلى غزو ليبيا، ذكرت صحيفة «الغارديان» في 18 نيسان، أن الاتحاد الأوروبي وضع خططاً لعمليات نشر قوات عسكرية في ليبيا.
غير أن الولايات المتحدة كانت تعدّ للتدخل على طريقتها، فبدأت في 22 نيسان، باستخدام طائرات من دون طيار، فيما ظلت واشنطن وغيرها من العواصم رافضة لمبدأ تسليح الثوار بحجة إمكان وصول الأسلحة إلى تنظيمات إرهابية، وبيت القصيد هنا في إصرار الغرب على بقاء المعارضة ضعيفة حتى لا تصل إلى مرحلة إدارة الظهر للغرب وحرمانه موطئ قدم في ربوعها.
مع مطلع أيار، بدأ الانحراف عن جوهر القرار 1973 يتضّح أكثر؛ إذ تطورت عملية الأطلسي من فرض حظر جوي إلى استهداف القذافي وعائلته مباشرة في معقلهما بباب العزيزية، حيث قتل نجله سيف العرب وثلاثة من أحفاده.
وقد يكون استخدام مروحيات من دون طيار أو أخرى هجومية من طراز «أباتشي»، أو إرسال مستشارين عسكريين من إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وأميركا إلى بنغازي «لتقديم المساعدة للثوار»، جزءاً من مخطط احتواء حركة المعارضة في وجه النظام. وثمة تحركات أخرى تصب في هذا الإطار لعل أبرزها اللعب على وتر القبائل، كما حاولت إيطاليا عمله، بدعوتها التي فشلت في جمع زعماء القبائل بمؤتمر يعقد في روما. الواضح أن عودة الصين وروسيا إلى الساحة واعترافهما بدور المجلس الوطني الانتقالي شريكاً في الحوار، يسير في سياق سياسة دولية تأخذ قبل كل شيء مصالح هؤلاء اللاعبين، أقلّه اقتصادياً على المدى الطويل، ما يعني أن احتواء المعارضة مسألة لا تراجع عنها.