تُصرّ الرسائل الإعلامية للحكومة المصرية على أن حفر «قناة السويس الجديدة» هو «إنجاز كبير»، ستكون عوائده الاقتصادية «مبهرة»، فيما تأتي رسائل المعارضين لنظام «ما بعد 3 يوليو» لتقلل من أهمية المشروع بأكلمه، واصفة القناة الجديدة بـ«الترعة»، ومدّعية أن المشروع واحد من «المشروعات الوهمية» التي يروّج لها النظام، ليمنح نفسه «شرعية يفتقدها».
ما بين الفريق المؤيد دائماً، والفريق المعارض على طول الخط، تقف الأرقام حائرة بين الفريقين، فيستخدمها كل طرف لخدمة أفكاره، بينما تزداد حيرة الشارع الذي بات لا يثق بهذا الفريق ولا بذاك. في الوسط، يؤكد محللون اقتصاديون أن المشروع «جيد» حقاً، لكن ليس بالدرجة التي تصورها الأصوات المؤيدة للنظام. ويشير هؤلاء إلى أن التقديرات الحكومية لعائد القناة الجديدة تعتمد على «افتراضات متفائلة»، وأن ثمة مبالغة في توقع زيادة معدل التجارة الدولية بنسبة 9%، خاصة أن النسبة الحالية لا تتجاوز 3%.
الباحث الاقتصادي في «معهد الشرق الأوسط» حسام أبو جبل يقول إن الحكومة تتوقع زيادة عائدات قناة السويس عام 2023 لتصل إلى 13.2 مليار دولار، مقارنة بالعائد الحالي، 5.3 مليارات، وذلك بسبب زيادة القدرة الاستيعابية لقناة السويس من 49 سفينة يومياً إلى 97 سفينة قياسية، وذلك بعد افتتاح «القناة الجديدة». قد يكون للحكومة أن تتوقع الحد الأقصى لعائدات مشاريعها، يقول أبو جبل، لكن المعطيات الحالية ترجّح ألّا تنمو التجارة العالمية حالياً بنسبة تسمح لقناة السويس باستضافة ضعف السفن التى تمر فيها حالياً، وتابع قائلاً: «قناة السويس تعتمد على السوق الأوروبية في الأساس، التي تشهد تراجعاً منذ 7 أعوام، حتى إن حركة المرور في السويس لم تصل إلى الحد الأقصى المتاح منذ عدة أشهر».
ورغم التقديرات المتفائلة للحكومة، لجهة العائد المتوقع للقناة الجديدة، فإنه لا خلاف على مساهمتها على المدى الطويل في زيادة الدخل القومي من العملة الصعبة، ومساهمتها في إعمار وتنمية الضفة الشرقية للقناة أيضاً. ويذهب الدكتور مصطفى النشرتي، وهو وكيل كلية الاقتصاد في «جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا»، إلى أن افتتاح القناة سيعود على المصريين بمزايا «أهمها إجهاض المشروع الإسرائيلي البري لنقل الحاويات والبضائع عن طريق خط سكك حديد، من ميناء إيلات على خليج العقبة إلى ميناء أسدود على البحر المتوسط». وهذا المشروع كان ينافس قناة السويس الحالية في زمن عبور البضائع، وأيضاً في الأسعار، ويقلل حصة السفن التي تمر عبر القناة، يوضح النشرتي، قائلاً إن افتتاح القناة الجديدة سيكبّد المشروع الإسرائيلي خسائر بالمليارات، ويعظّم في المقابل قدرات قناة السويس التنافسية، ويميّزها عن القنوات المماثلة.
ويشرح النشرتي أن بدء عمل القناة الجديدة سيؤدي إلى العبور المزدوج للسفن على طول المجرى الملاحي، وتقليل زمن انتظار السفن، وزيادة عددها وحمولتها، واختصار وقت العبور، ما سينعكس «زيادة في إيرادات القناة من خمسة مليارات دولار سنوياً حالياً إلى 13.2 مليار دولار». وبعد استقطاع مصاريف القناة وفوائد شهادات الاستثمار فيها، سيحقق المشروع الجديد لمصر فائضاً لا يقل عن 11 مليار دولار، يمكن ترحيله إلى الموازنة العامة للدولة، ليساهم في تخفيض عجز الموازنة، البالغ 240 مليار جنيه، بنسبة الثلث، وفقاً لتقديرات وكيل الكلية.
على جانب آخر، فإن قناة السويس ساهمت عند افتتاحها لأول مرة عام 1869، في إنشاء ثلاث مدن على الضفة الغربية (الإسماعيلية وبورسعيد والسويس)، يقيم فيها مليونا مواطن، فضلاً عن إنشاء صناعات ومشروعات سياحية وموانئ وخدمات. وكذلك، سيكون للقناة الجديدة نتائج مشابهة، فمن المقرر إنشاء مدينتين، شرق بورسعيد والإسماعيلية الجديدة، ترافقها مراكز لوجيستية لخدمة تجارة الترانزيت، ومناطق صناعية للتصدير، إضافة إلى استغلال أحواض الترسيب على ضفتي القناة كمزارع سمكية، يُتوقع أن يغطي إنتاجها ربع استهلاك مصر من الأسماك.
ووفق أستاذ الإدارة والاستثمار في جامعة القاهرة هشام إبراهيم، فإن القناة الجديدة «تساوي فرص عمل وعمران»، ذلك أنها ستوفر حوالى 1.5 مليون فرصة عمل في محور السويس، شارحاً أن افتتاح القناة سيتبعه الكشف عن خطة متكاملة لتنمية إقليم قناة السويس، تتضمن أكثر من 40 مشروعاً، ستؤدي إلى خلق مجتمعات سكنية وزراعية وصناعية جديدة.
وبناءً على حديث وزير الري المصري، حسام مغازي، فقد تمّ حفر آبار أسفل مجرى القناة الجديدة، لتُنقل المياه من الضفة الشرقية للقناة إلى الضفة الغربية، وذلك لاستزراع 50 ألف فدان من الأرض شرق البحيرات، بهدف إنشاء مجمعات زراعية وصناعية متكاملة.