القاهرة | ما إن أُعلن اختيار وزير الخارجية الجديد محمد العُرابي خلفاً لنبيل العربي الذي ينتقل إلى مقرّ جامعة الدول العربية أوائل الشهر المقبل، حتى انهالت التعليقات التي تهاجم الرجل، واصفةً إياه بأنّه رجل وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط. ليست هذه أزمة العُرابي مع المنصب الجديد، لكن الأزمة الحقيقية أنّ الرجل مُطالب بالسير على خُطى العربي الذي قطع خطوات هائلة في ملف السياسة الخارجية، وفي مقدمتها الملف الفلسطيني، وهو ما أكسبه شعبية كبيرة في زمن قياسي. العُرابي الذي سيكمل عامه الستين في آب المقبل، مطالب باستكمال ما بدأه العربي في عدة ملفات، أهمها الملفان الإيراني والفلسطيني. فتصريحات وزير الخارجية السابق، التي فتحت الطريق أمام عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، تحتاج إلى من يستكملها، لكن هذه المرّة عبر تحرّك يُزيل التوتر القديم ما بين مصر وإيران. ربما كانت خبرة العُرابي في المجال الاقتصادي، على اعتبار أنّه شغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الاقتصادية، تمكّنه من فتح الحوار عن طريق التعاون الاقتصادي أولاً، قبل أن يستكمله بحوار سياسي بين البلدين.
بالنسبة إلى الملف الفلسطيني، فإن الجهد فيه سيكون أكبر، لأن مصر راعية اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وعليها استكمال المشوار وتنفيذ هذا الاتفاق على أرض الواقع، من خلال تسمية رئيس الحكومة والانتقال إلى باقي بنود الاتفاق.
مشوار العُرابي الدبلوماسي تدرّج في عدّة محطات مكّنته من الاطلاع بمهماته على وجه جيد. فقد عمل سفيراً لمصر لدى ألمانيا لمدّة ثماني سنوات، كذلك عمل سفيراً في كلٍّ من الكويت ولندن وواشنطن، واستمر بالعمل الدبلوماسي لأكثر من 35 عاماً. وكان عضواً في مكتب كل من وزير الدولة للشؤون الخارجية السابق بطرس غالي، ثم عضواً في مكتب وزير الخارجية الأسبق عصمت عبدالمجيد ومديراً لمكتب عمرو موسى. وفور إعلان اختياره قائماً بأعمال وزارة الخارجية، وجّه المرشح المحتمل للرئاسة، عبد الله الأشعل، انتقاداً عنيفاً لهذا الاختيار. وأصدر بياناً قال فيه إن «تعيين العُرابي يهدف إلى تكريس نتاج نظام مبارك الذي لم تتخلص منه وزارة الخارجية»، مضيفاً أنّه «إذا كانت أميركا وإسرائيل تستطيعان التأثير على القرار المصري في تعيين وزير في الحكومة، فما بالنا بانتخابات حرة ونزيهة تؤدي إلى نظام ديموقراطي يحقق الاستقلال لمصر». انتقادات صاحبتها اتهامات للفترة التي قضاها العُرابي في ألمانيا إبّان تلقّي الرئيس السابق العلاج هناك، إذ يرى البعض أنّه لا يستقيم أن يتولى حقيبة الخارجية رجل شارك في حملة التضليل الإعلامي التي واكبت فترة علاج الرئيس السابق، إضافة إلى اتهامات خاصة بكونه أحد رجال أبو الغيط، ومن «الشلّة» التي أسهمت في تراجع الدبلوماسية المصرية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ومهما تكن هذه الاتهامات، فإنّ فرصة العُرابي في إثبات كفاءته تنحصر في إنجاز المهمات العاجلة للدبلوماسية المصرية بعد الثورة، ومنها التواصل مع الغرب من دون التماهي معه، وإجراء ما يسمّى الفرز داخل مبنى الخارجية المطل على كورنيش النيل، واستخدام مبدأ الكفاءة داخل الوزارة.