القاهرة ــ الأخبار هذه المرة الخبر صحيح... صديق الديكتاتور في قبضة الشرطة، وإن كانت إسبانية. أحد سدنة نظام حسني مبارك المتهاوي سقط. حسين سالم، الملقب بالرجل الغامض، لم يعد غامضاً ولا عصيّاً على المحاكمة. تتسارع الخطى في مصر لاستعادته، ومن ثم الكشف عن أسرار وحكايات تضع حداً لما بين الحقيقة والخيال في ما يقال عن علاقته بالرئيس السابق. إمبراطور الغاز وسمسار الأراضي وتاجر السلاح يجلس الآن في الزنزانة، ويسعى محاموه إلى تفويت الفرصة على الحكومة المصرية من خلال اللعب على أن سالم تنازل عن الجنسية المصرية منذ سنوات، حسب ما تردّد أول من أمس، بعد انتشار خبر القبض على آخر ديناصورات عهد مبارك. كيف تتصرف الحكومة المصرية؟
النيابة العامة أعلنت أنها أرسلت طلباً إلى الحكومة الإسبانية لاسترداد سالم الذي اعتقلته الشرطة الجنائية الدولية في مدينة مايوركا الإسبانية، وتستند في ذلك إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في ضوء أن كلاً من مصر وإسبانيا وقّعتا على تلك الاتفاقية الدولية، فضلاً عن مبدأ المعاملة بالمثل المتّبع بين الدولتين أساساً للتعاون بينهما. وأشارت النيابة إلى أنه في حالة الاستجابة للطلب المصري، فسيُستجوب حسين سالم بمعرفة النيابة العامة في تحقيقات تكميلية، تمهيداً لعرضه على محكمة جنايات القاهرة.
شُغلت الأوساط السياسية والإعلامية في مصر بتتبّع خطى الرجل الغامض، نظراً إلى قربه من مبارك وكثرة الحديث عن شراكه كانت تجمعه بالرئيس السابق وعائلته، وهو ما أتاح له السيطرة على أراضي مدينة شرم الشيخ بأبخس الأثمان، حتى إن سكان المدينة لقبوه بـ«ملك شرم الشيخ»، وهو النموذج الأمثل لقصة صعود الفساد وتوغّله في عصر الرئيس المخلوع.
سالم هو حامل مفاتيح خزانة أسرار مبارك، كما يؤكد كل من اقترب من الرئيس السابق، حيث كان يحظى بمعاملة خاصة تجلّت في كمّ التصاريح التي حصل عليها في صفقة تصدير الغاز لإسرائيل، ومن قبلها الحصول على أراضي مملوكة للدولة. لكن كيف وصل سالم إلى مبارك؟
لمعرفة كيف نشأت هذه العلاقة تجدر الإشارة إلى بدايات سالم (المولود فى عام 1928) المتواضعة للغاية، حيث عمل موظفاً في صندوق دعم الغزل، ثم التحق بسلاح الطيران وشارك في حربي 1967 و1973. وهنا تعرف إلى مبارك الذي كان قائداً لسلاح الطيران. وبسبب قربه من مبارك ودعمه غير المحدود للرئيس أنور السادات أثناء مفاوضات كامب ديفيد، أصبح أحد مستشاري الرئيس. وبعد توقيع الاتفاق، كُلّف بمهمة الإشراف على تنفيذ المعونة الأميركية للقاهرة في إطار الاتفاقية الثنائية بينهما. قبل العمل في هيئة المعونة، التحق سالم لفترة بشركة «النصر للتصدير والاستيراد»، وهي الشركة التي كانت تستخدمها الاستخبارات المصرية للتغطية على نشاطها في أفريقيا.
لكن عام 1986 شهد أول ظهور لاسم «سالم» في الحياة العامة، عندما تقدم عضو مجلس الشعب في حينها، علوي حافظ، بطلب إحاطة عن الفساد في مصر، مستنداً في جزء منه إلى اتهامات وردت في كتاب «الحجاب»، للصحافي الأميركي بوب ودوورد، تقول إن شركة «الأجنحة البيضاء» التي سُجّلت في فرنسا هي المورِّد الرئيسي لتجارة السلاح في مصر، وإن هذه الشركة تتضمن أربعة مؤسّسين هم منير ثابت ـــــ شقيق سوزان مبارك ـــــ وحسين سالم وعبد الحليم أبو غزالة (وزير الدفاع السابق)، وحسني مبارك (نائب الرئيس في حينها). وبعد هذه الواقعة، بدأ يتردد اسم «سالم»، وبدأت الأسئلة تكثر عن حجم ثروته التي اختلطت فيها الحقيقة بالخيال، حتى إن البعض قال إن حجم أمواله يتجاوز موازنة الدولة لعام كامل.
ثم بدأت أكبر حكاية للرجل الغامض، وهي حكايته مع تصدير الغاز المصري لإسرائيل من خلال شركة «شرق المتوسط للغاز» التي وقّعت عقد الشراكة مع دولة الاحتلال. ولأن القانون المصري لا يسمح بمشاركة الأفراد في شركات الغاز، دخلت الحكومة المصرية بشراكة مع سالم الذي امتلك عشرة في المئة من الأسهم، فيما امتلك الطرف الإسرائيلي المتمثل في رجل الأعمال يوسي ميمان 25 في المئة، في مقابل تملك شركة الخدمات البترولية التابعة للحكومة المصرية باقي الأسهم.