لم يكن من قبيل المصادفة أن تتزامن جلسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للنظر في «التقرير الأولي والتحديث الشفوي في حالة حقوق الإنسان في سوريا»، مع وصول عدد من خبراء المفوضية العليا لحقوق الإنسان إلى هاتاي في تركيا لإجراء «تحقيق في التجاوزات» في سوريا. الرسالة التي أراد مكتب مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي إيصالها هي أن بعثة تقصي الحقائق حول «الحالة الراهنة لحقوق الإنسان في سوريا» لن يعوقها قرار السلطات السورية بعدم السماح للفريق الذي ترأسه نائبة بيلاي، كيونج وها كانج، بالدخول إلى أراضيها.
التقرير المقتضب الذي عرضته أمس كانج في جلسة عقدها المجلس في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، أعلن أن معظم المزاعم التي جُمعت حتى الآن تستند إلى التقارير الإعلامية وتقارير جمعيات حقوق الإنسان ونشطاء وجماعات حقوقية، إضافة إلى عدد قليل من ضحايا الانتهاكات، ومن شهود عيان تمكنت البعثة من توثيق شهاداتهم.
وكان مجلس حقوق الإنسان قد طلب من مكتب المفوضية السامية، بموجب قرار اعتمد بغالبية ٢٦ صوتاً في جلسة خاصة عقدت في ٢٩ نيسان الماضي، أن ترسل بنحو عاجل بعثة إلى سوريا للتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولإثبات وقائع مثل هذه الانتهاكات وظروفها والجرائم المرتكبة، بغية تجنب الإفلات من العقاب وضمان المحاسبة الكاملة. وطلب من المفوضية أن تقدم تقريراً أولياً إلى الدورة السابعة عشرة العادية، التي بدأت أعمالها في جنيف في ٣٠ أيار الماضي وتختتم في ١٧ حزيران الجاري.
وقال التقرير إن «المادة الموجودة حالياً أمام المفوضة السامية تبعث على القلق الشديد وتعكس وضعاً مزرياً لحقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية. الانتهاكات المزعومة للحقوق الأساسية على نطاق واسع من هذا القبيل تستلزم تحقيقاً دقيقاً وتحميل جميع مرتكبيها المسؤولية الكاملة».
وتعتزم بيلاي تقديم تقرير أوسع في الدورة الثامنة عشرة لمجلس حقوق الإنسان التي ستعقد في أيلول المقبل. وذكر التقرير أن المحققين سيجمعون شهادات من النازحين إلى الدول المجاورة لسوريا، بينها لبنان، بعد أن تحصل على إذن من الحكومة اللبنانية. وجاء في التقرير أيضاً أن «أفظع التقارير تتعلق باستخدام الذخيرة الحية ضد المدنيين العزل، بما في ذلك من جانب قناصة يتمركزون فوق سطوح المباني العامة ونشر الدبابات في المناطق كثيفة السكان». وذكر التقرير أن مزاعم وردت عن استخدام الطائرات الهليكوبتر المقاتلة خلال هجوم عسكري على بلدة جسر الشغور، ما دفع أكثر من سبعة آلاف من سكانها إلى الفرار لتركيا.
وذكر التقرير أن «نشطاء وصحافيين وبعضاً من أقاربهم كانوا ضمن ما يقدر بعشرة آلاف اعتقلوا لإسكات المنتقدين رغم الإفراج عن بعضهم». وأشار إلى «معلومات توضح أن قوات الأمن السورية تمارس التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية وغير الإنسانية، ما أدى إلى وفاة بعض الحالات في الاحتجاز».
وأضاف التقرير: «إن قوات الأمن السورية تقمع الاحتجاجات المطالبة بالديموقراطية من خلال الإعدام والاعتقال الجماعي والتعذيب». وأعاد التقرير تأكيد ما أعلنته نافي بيلاي الأسبوع الماضي «من أن أكثر من 1100 شخص، كثير منهم مدنيون عزل يعتقد أنهم قتلوا وأن ما يصل إلى عشرة آلاف اعتقلوا منذ منتصف آذار الماضي».
وفي رسالة مؤرخة بتاريخ ٦ حزيران ٢٠١١، أرسل مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، السفير فيصل الحموي، إلى بعثة تقصي الحقائق تقريراً يفيد بأن السلطات السورية ألفت لجان تحقيق مستقلة ومحايدة للنظر في جميع الانتهاكات وفي قضايا الفساد. ويورد التقرير أن البعثة «لم تتمكن حتى لحظة كتابة التقرير من الحصول على معلومات أوسع عن عمل هذه اللجان الرسمية».
وكان مكتب بيلاي قد طلب أن تمنح بعثة تقصي الحقائق الحق بدخول غير مشروط إلى سوريا. ويورد التقرير أن رسالة أولى بهذا الشأن أُرسلت في ٦ أيار الماضي، وتكرر إرسالها في ٢٠ أيار وفي ٦ حزيران، لكن السلطات السورية لم ترد بالسلب أو الإيجاب على الطلب. وأضاف التقرير: «إن البعثة التي ترأسها كانج وتضم عدداً كبيراً من الخبراء والتقنيين، بينهم موظفون عرب، تصر على دخول سوريا، وعلى جدول أعمالها لقاء مسؤولين رسميين، والاجتماع بنشطاء حقوق الإنسان وبعائلات الضحايا».
مصدر دبلوماسي عربي في جنيف أكد لـ«الأخبار» أن الولاية القانونية لبعثة تقصي الحقائق تحتم الحصول على معلومات موثقة عن جميع مزاعم حقوق الإنسان، وأن هذا لا يمكن أن يحدث إلا بناءً على مقابلات مباشرة مع الضحايا وأقربائهم. وتوقع المصدر أن تنشط البعثة بقوة في الأشهر القادمة كي تستطيع تقديم تقرير دسم إلى مجلس حقوق الإنسان في أيلول المقبل. وذكّر المصدر بأن الدورة الثانية عشرة للمراجعة الدورية الشاملة التي ستعقد في جنيف مطلع تشرين الأول المقبل سيكون على جدول أعمالها مراجعة سجل حقوق الإنسان في سوريا، ورغم أن هذه المراجعة مقررة قبل اندلاع الأحداث، فإن التوقيت الذي ستعقد فيه سيبقي سوريا على جدول أعمال المجلس.