لا تقتصر عنصرية النظام الطائفي على الإخوة في الوطن. فحين تضرب العنصرية، والطائفية نوع منها، لا يعود هناك من فضل للبناني على فلسطيني إلا بانتمائه الطائفي. هكذا، شارك العديد من الفلسطينيين/اللبنانيين في تظاهرات إسقاط النظام الطائفي. وشهدت تلك التظاهرات خاصة مشاركة النساء اللبنانيات المتزوجات بفلسطينيين واللواتي حُرم أبناؤهن جنسية الأم بحجة أن المرأة اللبنانية إن هي تزوجت لاجئاً فهي لن تنجب إلا لاجئاً! ولا تقتصر أضرار النظام الطائفي اللبناني على هذه الفئة، فضحاياه قد يظهرون في أماكن لا تخطر لك ببال.وهناك، في مكان ما على أطراف منطقة صبرا، في مكان ليس ببعيد عن المدينة الرياضية، حيث تمركز الجيش الإسرائيلي ذات يوم أسود من أيلول عام 1982 لمساندة «القوات اللبنانية» المارونية في ارتكابها أبشع مجازر التاريخ المعاصر، يجلس رجل عجوز أمام دكانه. ترتجف يداه وهو يشعل سيجارة تتراقص بدورها بين شفتيه. يزمّ عينيه لعله يرى الواقف أمامه الذي يبدو مصدر الصوت. يبتسم ساخراً لسماعه السؤال عما يريده الفلسطينيون من إلغاء النظام الطائفي في لبنان، يقول بدون تردد: «بدي يحاكموا سمير جعجع».
محاكمة مرتكبي المجازر في صبرا وشاتيلا، الممنوعة بسبب ملوك الطوائف وكهنوتها، وقبلها تل الزعتر والكرنتينا، من أبرز مطالب الفلسطينيين. قد يقول قائل: وما دخل الفلسطينيين بإلغاء النظام الطائفي في لبنان، لكن الجواب سرعان ما يأتيه من رشدي، الذي غادر والداه تل الزعتر بعد مجزرة 1976. لولا النظام الطائفي لما كوفئ «مجرمو الحرب على مجازرهم» بتبوّئهم مناصب سياسية مبنية على حسابات طائفية. يبلع رشدي وجعه مع رشفة الشاي «كل أمراء الحرب صاروا زعما طوايف، وحق الفلسطيني راح. لأن حتى قيادتو مش سائلة عنو».
تقترح جيهان، التلميذة الجامعية، على اللبنانيين أن يبدأوا بإلغاء الطائفية بمحاكمة المسؤولين عن المجازر «وفتح ملفات تطاول أسماءً من كل الطوائف». ترى أيضاً ضرورة إشراك الفلسطيني في هذه المرحلة لأنه من ضحايا هذه المجازر العنصرية جنباً الى جنب اللبناني، «لكن تحقيق ذلك صعب» كما تعتقد. وبعد العدالة للّاجئين، يأمل هؤلاء أن تؤمّن حقوقهم المدنية في ظل نظام عدالة جديد. وإذا كان هناك مَن يزعم أنّ من الصعب إعطاء الفلسطينيين حقوقهم في ظل سوق عمل ضيق، لا يتحمل المنافسة بالنسبة إلى حق العمل مثلاً، يرى بعض الفلسطينيين أن إنهاء احتكار بعض الطبقة السياسية/الاقتصادية للثروات سيحرّر الاقتصاد اللبناني شيئاً فشيئاً، ما سينعكس بدوره على ما يقرب من نصف مليون لاجئ يعتاشون من أي شيء. ويقول عبد الرحمن إنه قبل كل شئ يجب التمييز بين الحقوق المدنية والتوطين، الذي يرفضه الفلسطينيّون جملةً وتفصيلاً. «السياسيون يحتكرون السلطة والمال، ويوزعون الفتات على القليل من أبناء طوائفهم، وبذلك يكونون قد ظلموا كثيرين». عبد الرحمن لا يأمل كثيراً من سياسيّي لبنان لجهة إعطاء الفلسطينيين حقوقهم «إذا كانوا لا ينصفون أبناء طوائفهم فكيف سينصفون الفلسطيني، الذي يرونه عدواً لهم». وهو لا يرى عدالة تتحقق إلا بإلغاء النظام الطائفي.
هل إلغاء الطائفية سينصف الفلسطينيين؟ «نعم، إذا كانت الحملة حقاً تنادي بالعدالة الاجتماعية»، تقول زينة. تملّك الفلسطيني منزلاً أو ممارسته أية وظيفة في لبنان لن يؤثر في الاقتصاد، بل ترى زينة أن توزيع العمل بين الطوائف بغض النظر عن الكفاءة، هو ما يضعف الاقتصاد اللبناني ويضيّق فرص العمل. وهذا لا ينطبق على القطاع العام فقط، بل يتعداه أيضاً الى القطاع الخاص، حيث يفضّل بعض أرباب العمل توظيف أبناء طائفتهم وإن كانوا لا يملكون المؤهلات اللازمة.
«إذا بدن يمنعو المسلم يشتري من المسيحي، ويمنعو المسيحي يعيش حد المسلم، بدن يخلّو الفلسطيني يعيش بين اللبنانية؟»، يقول مازن مستهزئاً بمطلب السماح للفلسطيني بتملّك منزل. ويشير الى مشروع القانون الذي كان قد اقترحه الوزير بطرس حرب، والذي يمنع بيع الأراضي بين الطوائف، لكن ماذا إذا أُلغيت الطائفية؟ «يجب إلغاؤها من النفوس أولاً، اللبناني يرضع الطائفية بالقنينة». يقترح مازن أن توضع خطة لتغيير نظرة اللبنانيين الى بعضهم البعض، ومن ثم الى الآخرين. وبعد تحقيق ذلك، يقول مازن، سيصبح الشعب كله مع إلغاء الطائفية، «وبعدين بنحكي بحقوق الفلسطينية».
الفدائي القديم أبو مهدي يرى أنه قبل انتشار وباء الطائفية كان اللبناني «عايش مبسوط مع الفلسطيني». «الإسرائيلي هو من خلق الفتنة الطائفية ليحوّل جهود الفدائيين، لبنانيين وفلسطينيين، عن مواجهته». أبو مهدي يرى أنه حتى نهاية الحرب الأهلية كان الفلسطيني يحارب الى جانب اللبناني، المسيحي والمسلم، ضد العدو الإسرائيلي، «وهادا ما ناسبهم، عشان هيك فرقونا مسلم ـــــ مسيحي، وحتى سني ـــــ شيعي ـــــ درزي..» المشكلة بالنسبة الى الفدائي القديم هي أن جزءاً من اللبنانيين ينظر الى الفلسطيني على أنّه سبب للحرب الأهلية وللفتنة الطائفية، وأن الفلسطيني يُحرم أبسط حقوقه على هذا الأساس.



على الهامش، يرى محمود مكان الفلسطينيين. ويقول: «لا علاقة للفلسطيني أصلاً بالنظام اللبناني، سواء كان طائفياً أو علمانياً. الفلسطيني عايش على الهامش، وخلّيه هيك أحسن». لا يريد للفلسطينيين التدخل في السياسة اللبنانية، إذ يرى أنهم رأوا ما فيه الكفاية. «زجونا في سياسة الأردن، جزّروا فينا، بعدين خلقوا الفتنة بلبنان وقالوا من الفلسطينية». يفضّل محمود أن يركّز الفلسطينيون جهودهم على العودة الى فلسطين، وتحقيق وحدتهم.