البداوي | يخيّل إليّ وأنا أجوب شوارع مخيم البداوي أن الدنيا تمطر دونما مطر. أفرك عينيّّّ جيداًً، ربما أنا في حلم، وربما أكون متوهمة، ولكنّ الدنيا تمطر... ودونما مطر!لطالما انتابني هذا الإحساس. وأخيراً بدا لي أنه أخذ يسيطر على تفكيري وتحركاتي، فأراه يتلاشى تدريجاً مع قدوم فصل الشتاء. ففي الصيف لا أستطيع أن أحمل مظلة تحميني من المزاريب المنتشرة على طول الشارع، بينما في الشتاء أتنفّس الصعداء، وأحمل مظلتي دونما خجل وأنطلق...
في شتاء حيّنا، أكثر ما يرعبني هو وجود مزراب وشريط كهربائي يتعانقان، كأنهما حبيبان، يغمر أحدهما الآخر في اشتياق، فأتجنّب المرور من أمامهما خشية أن أقطع عليهما لحظات الخلوة والهيام. ولكن ماذا أفعل إذا كان طريقي من أمام هذا الحب الكبير!؟ فلا تعجب يا صديقي إن مررت. مرغمة أختك لا بطلة!.
أحبّ الشتاء كثيراً والسير تحت فضائه بهدوء، ولكن مع أشرطة الكهرباء، يصبح الشتاء أمراً مرعباً، يجعلني أمشي مسرعة خوفاً من «نظرة» تشملني خلسة.
أحبك يا شتاء، يا حبيبي. ولكن هناك من يقف ضد حبنا. شريط كهربائي يمنعني من البوح بحبي، يهزّ قلبي ويجبرني على المضي في طريق آخر، فأتساءل إلى متى سيبقى موعدنا على عجل؟ إلى متى سيرافقه الوجل؟
أحياناً يخطر في بالي أن ألتقيك خارج شوارع المخيم!؟ «يلّا خلينا نشوف بعض شي مرة من غير خوف»... ولكن، يا شتائي، لا أستطيع أن أراك خارج الشارع الذي عرف حبّنا لأول مرة، ولا أقدر أن أحسّ بنبضك إلا في شوارعنا الضيقة، وفي حاراتنا المسكونة بالأمل، وفي أزقتنا الممنوعة من الصرف. حبي لك فوق حدود التصور، وأكثر مما تتوقع أو تظن أو يجول في بالك. أخاف إذا رأيتك خارجاً أن يحبني الشتاء في المكان الآخر. أو أن تحب أنت غيري. حينها سيصبح موعدنا مؤجّلاً. وسينتصر شريط الكهرباء علينا، ويبقى في مكانه صامداًً ومتدلياً يعانق المزراب ويحضنه بقوة واشتياق.
قررت... وليس لي حق القرار من دونك...أن أراك عندما تكون أشرطة الكهرباء نائمة، وما أكثر نومها هذه الأيام! ولكن لا أعرف لماذا تستيقظ فجأة، هل تعرف بمواعيدنا السرية؟
أرجو من عينيك المعذرة، سأحاول أن أراقبك من النافذة، وأن أرمي لك القُبل، قبلة قبلة، أعرف أنك تراني وتراقبني كما أراقبك، وتنتظر مروري كما أنتظر مرورك، وأدرك جيداً أننا بحاجة إلى عناق طويل طويل. ولكن «العين بصيرة واليد قصيرة، إيش أعمل بحالي!».
لحظات صعبة أقضيها في البعد عنك، رغم قربك. آه يا حبيبي، سأتحدّى الدنيا لأجل موعدنا. لن يرهبني شريط الكهرباء ولا المزراب الذي لا يكفّ عن البكاء. سأحملك في ضلوعي وأهرب. ..ربما إلى زمن العشق والعاشقين.
8 تعليق
التعليقات
-
الحكي عن معانتنا شي حلو لوالحكي عن معانتنا شي حلو لو سمحتي تكتبي عن حقوقنا المدنيه لنعيش زينا زي اي انسان
-
عزيزتي، كلام جميل ودمج معقدعزيزتي، كلام جميل ودمج معقد للرومنسية في باطون الشوارع وأشرطة الكهرباء وزواريب المخيم... مما يؤكد أنا من الصخور نشق زهوراً. محدثكم لاجئ مثلكم من إحدى ناطحات السحاب الفايف ستار التي بنوها من أجلنا في مخيم نهر البارد...
-
شتاء على عجلمساهمه جميلة جدا بتهون الموت و التعتير
-
العجلما هي الحياة بالمخيم صايرة كلها عجل بعجل والله يستر ما يدوسنا العجل
-
رائعة يا ميسون دائما تحاولينرائعة يا ميسون دائما تحاولين تخفيف المعاناةعلينا في المخيمات من خلال سردك الرائع وتبسيط المعاناة لتعطينا جرعات من مقومات الصمود في وجه مؤامرة فزاعة التوطين .... وهذه المعاناة اليومية ما هي الا ضريبة لصمودنا في مخيمات لا تتمع بأبسط مقومات الحياة الا اننا صامدون
-
والله يا عمار المخيم اخر رواقوالله يا عمار المخيم اخر رواق لا شرطان كهربا ولا من يحزنون، والحياة فيه بتنعش عشان هيك بتشوف الشباب بالشوارع ويمكن تكون انت واحد منهم
-
عتبصديقتي ميسون لماذا هذه الصورة المشوهة عن المخيم فانا البارحة تنقلت في شوارعه بالسيارة بدون أن ألامس أي عجقة ولا ضجة ولا غبار حتى أن الجو كان منعشا من هواء المكيفات التي تعمل 24 على 24 لنعمة الكهرباء الدائمة . شربت فنجان القهوة تحت احدى الشجرات في الساحة الواسعة أمام المقهى الثقافي ثم خرجت من المخيم مرورا بحاجز الجيش الذي أوقفني للسؤال عن حالي والاتطمئنان على أوضاعي وها انا اليوم بالعمل أعد الثواني لأعود من بيروت وأشاهد المهرجان الكروي بين الأشبال والقدس . (( الاعلام الرسمي العربي ))
-
الشتاء في المخيمفي النظر إلى الموضوع من ناحية ادبية فلا يخطر ببالي سوى ان احيي الكابة على هذا الموضوع، ولطالما رأيناها وعرفناها ككاتبة متمكنة وقادرة على إيصال ما تريده. اما بما يخص الموضوع.. فنعم هذا الذي رأته الكاتبه هو من يوميات مخيماتنا الفلسطينية في لبنان.. بلد المؤسسات والإصلاحات.. ولكن هو لا يخجلنا وإنما يعكس صورة كاملة عن عجز المضيف في إكرام الضيف.. شكرا لك يا لبنان