جسر الشغور، هي المدينة التي تتبع لمحافظة إدلب السورية، وتحتل عناوين الأخبار العالمية. المدينة التي عاشت قبل أيام المجزرة الغامضة بحق الجنود السوريين، حيث سقط أكثر من 120 جندياً، قالت السلطات إنهم كانوا ضحايا كمين نصبته عصابات مسلحة، وإنهم كانوا في طريقهم الى تلبية نداء استغاثة لمواطنين روعتهم العصابات المسلحة.بتصفح الخريطة السورية تجد المدينة قائمة على نهر العاصي بالقرب من إدلب (على بعد 47 كيلومتراً جنوب غربي مدينة إدلب)، شمال سهل الغاب، وفي منخفض تحيط به الروابي من جميع الجهات. تقع على التخوم الشرقية لجبال اللاذقية، ومن الشمال تقف لها هضبة القصير، ويطل عليها جبل الدويلة من الشرق، وهضبة شيروبية البركانية من الجنوب والجنوب الشرقي.
رغم أنّ حكايتها بدأت مع القرن السابع عشر، يقول المؤرخون الأجانب إن قرية اسمها نيكوبا كانت تحتل مكانها، قبل أن تندثر قبل الفتح الإسلامي. يشهد الرحالة أولياغبلي خلال جولة له في المنطقة عام 1058 هجري أنه لم يكن هناك منطقة معمورة. ولم يكن سوى خان وجامع وحمام بناها محمد باشا الكوبرلي، والي طرابلس، لكونها تقع على طريق القوافل من حلب إلى الساحل الشامي. بعدها بدأت العائلات بالتوافد اليها والاستقرار مشيّدة البيوت الطينية.
يشهد على تاريخها آثار كثيرة منها الجامع الكبير «الكوبرلي» نسبة الى بانيه محمد باشا الكوبرلي، والخان والحمام وحي «آل النجاري» المعروف باسم «حي القلعة» الأثري، حيث البيوت الكبيرة القديمة الطراز العربي ويعود تاريخ بنائها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
تروي الكتابات أن بين أحيائها أزقة ضيقة، شهدت نهضة عمرانية بعد الاستقلال ووُضع لها مخطط تنظيمي في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. لاسمها، جسر الشغور، دلالة ومعان. الجسر نسبة إلى الجسر الحجري الممتد فوق نهر العاصي، والشغور مأخوذة من كلمة «ثغور» وهي تعني المناطق الحدودية الني يُخشى دخول العدو منها، رغم أن كلمة «الشغور» تعني باللغة العربية الأرض الخصبة الكثيرة المياه.
عرفت المدينة كباراً شغلوا مناصب عسكرية وسياسية قيادية في المراحل المتعاقبة من تاريخ بلاد الشام. كان سليم آغا با الحاج بكري النجاري عضو مجلس أعيان ولاية حلب في عهد الدولة العثمانية. وعبد الحسيب آغا النجّاري زاده قائد جيش المنطقة الشمالية في عهد الملك فيصل. قاومت الاحتلال الفرنسي وقدمت الشهداء.
أحب أهلها العلم وسعوا وراءه، فكان الأستاذ عمر فوزي بن سليم آغا النجّاري، الضابط في الجيش العثماني، والملقب باسم عمر أفندي من أوائل المتعلمين في الشمال السوري ومؤسس أول مدرسة حديثة في جسر الشغور. ولدت أيضاً الحاجه فريدة، أول امرأه من جسر الشغور تتخرج من الجامعه السورية عام ١٩٣٦، وأول امرأه تنتخب للبرلمان خلال الوحدة بين سوريا ومصر.
أسماء كثيرة لأطباء ومثقفين ومتعلمين خرجوا من المدينة. وفي دلالة على شغفها بالعلم، من النادر أن تجد رجلاً أميّاً، حيث أغلب أهالي المدينة ذوو ثقافة فوق المتوسطة وغالبيتهم من حملة الشهادة الثانوية وما فوقها. وتكثر فيها المدارس والمعاهد التعليمية. يعيش في كنفها أكثر من 44 ألف نسمة من مختلف الديانات والأعراق. تحضن المسلم والمسيحي، وشركساً وتركماناً وأكراداً. الجميع يعيش في طابع عروبي من العادات والتقاليد.
سكانها مثقفون وأيضاً فلاحون وتجار. وكما باقي المدن والقرى، لها أيام مخصصة في الأسبوع للتسوق الشعبي، السبت والأحد والاثنين حيث يعرض الباعة بضاعتهم من المواشي واللحوم والأجبان والأسماك الطازجة والحبوب. تنتج القمح والشعير والبندورة والرمان، وخاصة الزيتون الذي تشتهر به، ويصدر فائض الإنتاج إلى مدينتي حلب ودمشق. تكثر معاصر الزيتون فيها، بالإضافة إلى أقدم معصرة في قبو بناء عمر أفندي النجاري والتي تعود إلى أوائل القرن العشرين.
الأوقات الأليمة التي تعيشها اليوم المدينة ليست جديدة عليها. كانت مسرحاً لمجزرة في آذار 1980، حين قُتل ما بين 150 و 200 مواطن كان يشاركون في احتجاجات مناهضة للحكومة. ففي 9 آذار من عام 1980، وعلى خلفية احتجاجات مناهضة لحكومة، نفّذ سكان جسر الشغور تظاهرة نحو مقرّ حزب البعث وأضرموا النار فيه. لم تستطع القوات الأمنية أن تستعيد النظام وفرّت. عندها استولى السكان على الأسلحة والذخائر من ثكن الجيش القريبة. على أثر ذلك أرسلت تعزيزات أمنية ومروحيات عسكرية جيء بها من حلب لتعيد النظام الى المدينة المتمرّدة، قُتل وجرح واعتقل المئات.. قبل أن تأمر المحكمة العسكرية بإعدام مئة شخص.
هي المدينة المهيّأة على الدوام للدخول في التمرّد والحاضنة للحركات الاحتجاجية، وجريان نهر الدماء في أزقتها الضيقة لن يغير من طبيعتها.
(الاخبار)