لماذا لم يُزهر الربيع العربي في المملكة السعودية بعد؟ وكيف صُدّت الرياح التي هبّت من المنطقة الشرقية؟ وأين الأصوات المعارضة؟ أسئلة يمكن الحصول على إجابتها في تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» نُشر أمس. يقول التقرير إن إحدى الدول الأساسية التي لم تنل منها التغييرات العاصفة في المنطقة هي أغناها، والتي تعمد الى ضخّ الأموال لشراء الاستقرار. وأشارت الى أن السعودية أنفقت ما يقارب من 130 مليار دولار على المعاشات وبناء المنازل (70 ملياراً) وتمويل المنظمات الدينية (نحو 200 مليون دولار) ومن ضمنها الشرطة الدينية، ونجحت في تحييد غالبية المعارضة. وقالت إن الملك عبد الله بدأ بتوزيع الشيكات مباشرة بعد سقوط الرئيسين التونسي والمصري، في مسعى لاسترضاء الشعب ومكافأة المؤسسة الدينية على ولائها. وأشار التقرير الى أن المملكة تعتمد أيضاً على تحالفها الوثيق مع المؤسسة الدينية التي ساعدت على استقرار السلطة في أيدي العائلة الحاكمة. فمفتي المملكة أصدر فتوى شرعية يحرّم فيها التظاهرات، وهي رسالة بثها شيوخ المملكة خلال خطب يوم الجمعة.
ورأى رجال الدين المعارضون للتغييرات الديموقراطية أنهم حققوا نصراً كبيراً على المفكرين الليبراليين. ويقول رجل الدين الشاب محمد العارفي في هذا المجال «هم لا يهتمّون لأمن البلاد. كل ما يهتمّون له هو اختلاط الجنسين. يريدون أن تقود الفتيات السيارات، وأن يذهبوا الى الشاطئ كي يروا الفتيات في ملابس السباحة»، قبل أن يضيف «الدعم المالي الذي قُدّم للمنظمات والذي لا يحبّذه المثقفون كان طريقاً لقطع ألسنة هؤلاء».
ولفتت الصحيفة الى أن الولايات المتحدة التي أيّدت التغييرات الديموقراطية، بقيت صامتة جداً عن المملكة وجهودها لإخماد الاحتجاجات في المناطق المجاورة، البحرين وعُمان. وأضافت إن السعودية نجحت على المدى القصير في الداخل وفي حديقتها الخليجية الخلفية. لكن بعض المنتقدين يصفون استراتيجيّتها الفعالة في شراء الرأي العام بأنها غير مستدامة لأنها فشلت في مخاطبة المشاكل الكامنة في العمق. ونقلت الصحيفة عن الأمير طلال بن عبد العزيز، والد الملياردير الوليد، قوله «المشكلة في أن بعض القادة لا يفهمون ماذا يجري ولا يتعلمون من الدروس، فيما تتكشف الأمور أمام أعينهم، هم لا يريدون التعلم من دروس التاريخ». وأضاف إن «هؤلاء يريدون الحفاظ على سلطتهم ومالهم ومواقعهم، ولذا يريدون استمرار الأمور على ما هي عليه». وتابع «خائفون من كلمة تغيير وهذه مشكلة لأنهم قصيرو النظر، والصعوبة هي أنني لا أعلم كيف أغيّر طريقة تفكيرهم». وأوضح «للأسف، ثمة أقلية في العائلة المالكة (السعودية) لا تريد التغيير»، مشيراً إلى أنها «أقلية لكنها مؤثرة».
وتقول الصحيفة إن المملكة رغم ذلك لم تهرب من التغيير، فهناك 3 التماسات على الأقل تدعو الى إنشاء مجلس استشاري منتخب. قبل أن تضيف إن الحركة الوحيدة الفاشلة التي خرجت الى الشارع كانت في 11 آذار، وكان منظموها مجهولين، فيما افتقر هدفها الداعي لإسقاط النظام الى التأييد الواسع. وأشارت إلى أن انتخاب المجالس البلدية في السعودية الذي أُجّل منذ عام 2009 حُدّد الآن في 29 أيلول المقبل، وأنّ كثيرين يعوّلون عليها، والسؤال المطروح هو عن نوع التأثير الذي ستلحقه هذه الانتخابات بالحياة السياسية السعودية.