غزة | برغم أن مجموعات سلفية في قطاع غزة حاولت استغلال حادثة مقتل الطفل علي دوابشة حرقاً في الضفة المحتلة، ومراكمة ذلك على مشكلاتها الأمنية مع حركة «حماس»، بإطلاق صواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن مصادر أمنية تقاطعت في تأكيد أن نحو عشرة صواريخ خلال خمسة أيام انطلقت من القطاع، لكنها انفجرت في مكانها أو سقطت قبالة الخط الحدودي الفاصل.
هذه التحركات ــ إطلاق صواريخ ــ لو نجحت لكانت ستعيد خلط الأوراق، وخاصة أن المستوى السياسي الإسرائيلي سعى إلى انتقاد الاعتداء الذي نفذه المستوطنون، ظاهرياًَ، فيما لو سقطت صواريخ «داعش غزة» على إسرائيل لأخذت القضية منحى آخر، وضاع التركيز على قضية مقتل الطفل، وذلك في وقت أعلنت فيه جماعة تدعى «أحفاد الصحابة» تبنيها إطلاق أربعة من هذه الصواريخ، قالت إنها «أُطلقت ردًا على اقتحامات اليهود المتكررة للمسجد الأقصى المبارك وحرق الطفل الرضيع علي دوابشة».
في الوقت نفسه، لا تستطيع حركة «حماس» وأجهزتها الأمنية إنكار جدية واقع التهديدات التي أطلقها أنصار «داعش» ضدها واستمرار احتمالية استهداف مقار أمنية أو شخصيات. فالخوف من استخدام هذه الجماعات أساليب جديدة، بالنسبة إلى غزة، كإرسال سيارات مفخخة وانتحاريين، اضطر جهات عديدة من بينها جهاز «الأمن الداخلي» إلى تعزيز الحماية حول المقارّ بسواتر إسمنتية وبراميل فولاذية.

عززت «حماس»
مقارّها بكتل إسمنتية للمرة الأولى منذ سيطرتها على غزة

هذه هي المرة الأولى التي تنتشر فيها مثل هذه الكتل، على غير العادة، في غزة، فمن المعروف أنه بعد سيطرة «حماس» على القطاع عام 2007، ذهبت الأوضاع الأمنية صوب الاستقرار لما فرضه وجود يد واحدة قوية تحكم البلاد، فضلاً عن الأسلوب الاستخباري ــ الاستباقي الذي كانت تتعاطى به «حماس» مع أي تهديدات داخلية، كما أن الخوف من الجوّ، أي الطائرات الإسرائيلية، كان يغلب على أي تقديرات تتعلق بهجوم أرضي على المقارّ الرسمية.
وبرغم ارتفاع درجات الحرارة في الأيام الماضية، واصل رجال الأمن وضع عشرات السواتر الفولاذية قرب المواقع الحساسة في مدينة غزة خصيصاً، كما وُضعت البراميل الحديدية بشكل التفافي لإعاقة حركة السيارات ولإجبارها على تخفيف سرعتها، وهو مظهر يرتبط بصورة أساسية بإعاقة مهمة أي «انتحاري» ينوي اقتحام هذه المقار، وخصوصاً أن «داعش غزة»، التي طبقت تهديداتها قبل مدة، اعتادت في دول أخرى استهداف خصومها بهذه الطريقة. وتأتي هذه الخطوة ضمن الحرب غير المعلنة التي تشنها «حماس» ضد عناصر السلفية الجهادية، بعدما أوقفت عدداً كبيراً منهم بسبب تفجير سيارات تابعة لكتائب القسام (الذراع العكسرية لحماس) وسرايا القدس (ذراع الجهاد الإسلامي) في الشهر الماضي. وكان من بين المعتقلين أفراد «ينتمون إلى حماس وأصحاب نزعة تطرفية»، وفق ما قالت مصادر أمنية رفضت الإفصاح عن اسمها. وأضافت المصادر أن «المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من الاعتقالات ضد عناصر الجماعات المتشددة، وهذا ما دفع القوى الأمنية إلى خطوات استباقية ونشر حواجز أمنية».
في السياق نفسه، قال القيادي في «حماس» والمتحدث باسم كتلتها البرلمانية صلاح البردويل، لـ«الأخبار»، إن هذه «الإجراءات هدفها تأمين حياة وممتلكات المواطنين، ولأن غزة مكان مستهدف دائماً وأمنها مهم جداً». أما بشأن التوقيفات بحق السلفيين بعد «أحداث الشيخ رضوان» وما آلت إليه التحقيقات، فعقّب البردويل: «(وزارة) الداخلية تضاعف جهدها وتقوم بدور مهم لحفظ أمن غزة».
في المقابل، أفاد أحد كوادر «السلفية الجهادية» ويدعى «أبو طلحة اليبناوي»، وهو خرج أخيراً من مراكز «الأمن الداخلي»، بأن «حملة الاعتقالات تطاول كل من يحف شاربه»، لافتاً إلى أن «هناك قرابة 23 مجاهداً وموحداً في معتقلات حماس، عدا الذين يجري توقيفهم لساعات ثم يطلَقون». هذا الأمر نفته «الداخلية» عبر مصدر أمني، مؤكدة أن لديها «مشتبها فيهم لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة»، وخصوصاً في ما يتعلق بالتفجيرات التي استهدفت مركبات المقاومة.
ولكن «أبو طلحة» الذي رفض الكشف عن اسمه، أكد أن الوساطات مع الأجهزة الأمنية و«حماس» تكون «ماشية»، ثم «تتوقف ونُفاجأ باعتقال أمن حماس كوادر الدعوية لداعي الشك، أو بعد وقوع أحداث لا ناقة لنا فيها ولا جمل، مثل حادثة الشيخ رضوان». وعن عدم التزامهم وعودهم بشأن إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، قال: «هناك خلافات داخل الجسم السلفي، كما يوجد أكثر من جهة تنفذ هجماتها ضد أعداء الله بني يهود، وأغلب مراجعهم من قادة وكوادر القسام (الكتائب)، ما يجعل التحقيق في إطلاق صواريخ أمرا غير مرجح».