خطفت أحداث مدينة جسر الشغور في شمال غرب سوريا، أمس، كل الاهتمام الموجه إلى الملف السوري، وسط تأكيد السلطات أنّ مجزرة حقيقية حصلت بحق القوى الأمنية في تلك المدينة، حيث يقوم الجيش بحملة ضد «العصابات المسلحة» منذ يوم السبت. مجزرة واكبها تسارع لوتيرة الضغوط الدولية على سوريا، مع اقتراب يوم الخميس، حيث يتوقع أن تقدّم الدول الغربية مشروعاً لإدانة دمشق في مجلس الأمن الدولي، مع تولّي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيو أمانو، مهمة رفع حدة الضغط انطلاقاً من الملف النووي السوري. وبحسب التلفزيون السوري الرسمي ووكالة الأنباء الحكومية «سانا»، فقد ارتفع عدد قتلى قوى الأمن والشرطة إلى 120 سقطوا «بنيران تنظيمات مسلحة تحصّنت في بعض المناطق واستخدمت أسلحة رشاشة ومتوسطة وقنابل يدوية»، بالقرب من جسر الشغور. ووفق المعلومات الأوّلية، فإن عناصر الأمن والشرطة كانوا في طريقهم إلى جسر الشغور «تلبية لنداء استغاثة من مواطنين مدنيين كانوا قد تعرضوا للترويع وهربوا من منازلهم باتجاه مراكز الشرطة والأمن»، فتعرضوا بدورهم لكمين مسلح، تبعته اشتباكات استخدمت فيها «التنظيمات المسلحة الأسلحة المتوسطة والرشاشات والقنابل اليدوية وقذائف الآر بي جي، متخذةً من الأسطح مراكز لقنص المدنيين وقوات الشرطة والأمن». وقال مندوب «سانا» إن التنظيمات المسلحة هاجمت المركز الأمني الذي التجأ إليه مدنيّون «خوفاً من تلك التنظيمات التي روّعت المواطنين واعتدت على المنشآت العامة والخاصة والمنازل». كذلك قُتل ثمانية من حراس مبنى البريد في جسر الشغور جرّاء هجوم عشرات المسلحين عليه وتفجيره بواسطة أنابيب الغاز، بحسب المصادر نفسها. حتى إن الجهة المهاجمة «نفّذت مجزرة حقيقية، حيث لم تكتف بقتل العناصر، بل مثّلت ببعض الجثث وألقت ببعضها الآخر في نهر العاصي»، إضافة إلى «ترويع الأهالي في المدينة وقطع الطرقات ومهاجمة منازل المواطنين واقتحام المباني العامة والخاصة والمحال التجارية». ونقلت الوكالة السورية عن الأهالي توجيههم نداءات استغاثة لتدخل سريع للجيش، بعدما «سرقت التنظيمات المسلحة خمسة أطنان من مادة الديناميت كانت مخزنة فى موقع سد وادي الأبيض، بعد مهاجمتها للموقع، وحاولت تفخيخ محطة كهرباء سد زيزون».
وأشارت «سانا» إلى أن تعزيزات أمنية توجهت إلى المكان لتحرير بعض المنازل التي يتحصّن فيها المسلحون ويطلقون منها النار على العسكريين والمدنيين. وفي السياق، أكّدت الوكالة نفسها أن مئات المسلحين «مدربون ومدججون بالأسلحة المتوسطة والقنابل اليدوية، يروّعون الأهالي ويستخدمونهم دروعاً بشرية، بينما تدور حالياً اشتباكات بين قوات الأمن والشرطة من جهة وهذه العصابات المسلحة من جهة ثانية».
وتقسّم قتلى القوى الأمنية على النحو الآتي: «عشرون من جراء كمين نصبته عصابات مسلحة، وأكثر من 82 عنصراً استشهدوا (لاحقاً) في هجوم قامت به تنظيمات مسلحة على مركز أمني».
وضع دفع وزير الداخلية إبراهيم الشعار إلى الخروج عن صمته، محذّراً من أن حكومته ستتصرف «بحزم ووفق القانون» مع الهجمات التي تطاول القوات الأمنية. وقال الشعار للتلفزيون الرسمي «لن نقف صامتين إزاء أي هجوم مسلح يستهدف أمن الوطن والمواطنين».
بدوره، رأى وزير الإعلام السوري عدنان محمود أن المدنيين في بعض مناطق ريف إدلب «فوجئوا بانتشار تنظيمات مسلحة مدربة في قراهم تروِّع السكان وتقتل من يرفض منهم التعاون، واتخذوا بعضهم الآخر دروعاً بشرية». وطمأن محمود إلى أن وحدات الجيش «ستنفّذ مهماتها الوطنية لإعادة الأمن والطمأنينة إلى أهالي هذه المناطق حتى يتمكنوا من ممارسة حياتهم الطبيعية من دون خوف».
في المقابل، أشار ناشط معارض في اتصال هاتفي مع وكالة «فرانس برس» إلى أنّ «إطلاق نار تلاه انفجار سمع في المقر العام للأمن العسكري (في جسر الشغور)، ويبدو أنه حصل إثر عملية تمرد». وقال الناشط إنه «سمع إطلاق نار في المقر العام للأمن العسكري، وأعتقد أنهم أعدموا عناصر من الشرطة رفضوا إطلاق النار على متظاهرين» يوم الأحد.
في غضون ذلك، وصلت حصيلة قتلى يوم الأحد إلى 40 مدنياً، بحسب أرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان. وسلّمت قوات الأمن، مساء أمس، جثة رجل كان قيد الاحتجاز منذ شهر إلى عائلته في دوما قرب دمشق، بحسب رئيس المرصد رامي عبد الرحمن، بينما وصل عدد المفرج عنهم في إطار العفو العام إلى أكثر من 450 معتقلاً سياسياً وسجين رأي.
في هذا الوقت، جدّدت فرنسا التنديد بـ«الترهيب والقمع اللذين يمارسهما النظام السوري بحق المدنيين»، داعيةً إلى وقف استخدام العنف ضد الشعب السوري فوراً، وتنفيذ إصلاحات سريعة وعميقة وطموحة. وجاء دور صحيفة «ديلي تلغراف» لتكشف أن الاستخبارات البريطانية متأكدة من أن إيران تساعد النظام السوري على قمع الاحتجاجات. ونقلت الصحيفة عن مصادر بارزة في وزارة الخارجية البريطانية أنّ هناك «معلومات موثوقة عن أنّ طهران تقدّم معدّات مكافحة الشغب وتدريبات شبه عسكرية لقوات الأمن السورية، كذلك قدم أعضاء من الحرس الثوري الإيراني المشورة الفنية والمعدات للقوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد». وأضافت «من غير الواضح ما إذا كان أفراد إيرانيون قد سافروا إلى سوريا لمساعدة نظام الأسد، غير أن أعضاءً من حزب الله المدعوم من طهران تردّد أنهم يشاركون في القتال إلى جانب قوات الأسد»، لذلك «ستدفع لندن الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات جديدة على أفراد من الحرس الثوري الإيراني».
أما في فيينا، فقد صعّد يوكيو أمانو من ضغوطه على سوريا في اليوم الأول من اجتماع مجلس حكام الوكالة، مدافعاً عن اعتقاده بأن الموقع السوري المشتبه فيه في دير الزور كان «على الأرجح» مفاعلاً نووياً سرياً.
(أ ف ب، سانا، يو بي آي، رويترز)