صنعاء| في منطقة الحصبة (وسط صنعاء)، وفي محيط منزل الشيخ صادق الأحمر، يخوضون معركتهم الجديدة، وهم لا يعلمون أنهم قد عملوا على تحويل دفة «ثورة»، لتصبح صراعاً بين طرفين على السلطة. يدينون بالولاء لشيخ قبيلتهم، وينعكس صدق هذا الولاء بوضوح على أدائهم القتالي، وقوة انقضاضهم على الخصم المواجه لهم بدليل قدرتهم على هزيمة قوات نظامية مدربة تابعة لصالح، ونجاحهم في الاستيلاء، بسهولة، على ما يزيد على اثني عشر مبنى حكومياً في ثلاثة أيام، مدفوعين بقوة الولاء القبلي المقدس لديهم.
ولا مجال هنا لأي خطوة واحدة إلى الوراء أو إظهار لحظة تردد، حيث يتقدم شرف القبيلة كل ما عداه، ولا احتمالات غير احتمال النصر أو الموت دونه.
ويمكن تقسيم العناصر القبليين الموالين للشيخ صادق الأحمر إلى ثلاث فئات قبلية تشاركه خوض معركته ضد قوات الرئيس صالح: فئة تنتمي لنفس القبيلة حاشد التي ينحدر منها الأحمر، وجدت حالها منذ سن صغيرة وهي تقوم بمهمة حراسته، لا شيء تفعله في هذه الحياة غير هذه المهمة، وتبقى معه كظله حيثما ذهب، تتناوب في ما بينها على حراسته الشخصية وحراسة مسكنه الذي ورثه عن أبيه الشيخ عبد الله. على درجة عالية من الولاء ومستعدة على الدوام لتقديم حياتها دفاعاً عنه، فيما يتكفل هو بكل حاجاتها من مأكل ومشرب وأمور حياتية أخرى.
أما الفئة الثانية فتتكون من عناصر قبليين قدموا من العصيمات، المنطقة التي ينتمي إليها أبناء الأحمر، وأتت للعاصمة صنعاء تلبية للنداء الذي أطلقه شيخها بغرض نصرته، وهي مسألة لا نقاش فيها بحسب الأعراف القبلية.
فيما تتكون الفئة الثالثة من عناصر قبليين لا تنتمون لقبيلة حاشد، ولا ينحدرون من المنطقة التي ينحدر منها آل الأحمر، لكنهم أتوات ملبّين «الدّاعي القبلي»، وهو عُرف يحتم على أبناء القبائل المتآخية مع حاشد تلبية نداء النصرة والمشاركة في صد أي عدوان يتعرض له حليفهم القبلي.
وفي منطقة الحصبة (شمال صنعاء)، حيث يقع منزل صادق الأحمر وتدور المعارك الحالية حوله، يمكن ملاحظة هؤلاء المناصرين بسهولة، إذ يكاد يجمعهم زي واحد مكوّن من الزي القبلي اليمني بدون الخنجر، الذي يحتل مكانه حزام يحتوي على ذخيرة احتياطية كاملة مع حملهم لأسلحة متنوعة تبدأ بالكلاشنيكوف التقليدي، وتنتهي بقذائف الـ«آر بي جي»، فيما تستقر مجموعات أخرى على ظهور عربات مهيأة لحمل أسلحة ثقيلة مضادة للمدرعات. يتوزعون على هيئة مجموعات مكونة من ثلاثة إلى خمسة أفراد عند مداخل المنطقة التي يقع فيها منزل الشيخ، وهي المنطقة التي اتسعت بشكل دائري إثر إحراز أنصار الأحمر التقدم على حساب الموالين لصالح.
حذرون في التعامل مع الغرباء وقليلو كلام، ربما يعود هذا لحساسية الوضع المحيط بهم، أو ربما بسبب ما يشاع عن تدنّي مستواهم التعليمي الذي توقف عند مستوى مدارس تحفيظ القرآن القائمة بكثرة في قراهم أو لانعدامه على الأغلب. فحياة معظمهم مكرّسة لخدمة الشيخ وأبنائه من بعده. ولهذا يحتاج فتح باب الحديث معهم إلى قليل من الجهد لمحاولة معرفة علمهم لطبيعة ما يجري حولهم، بعيداً عن مهمة الدفاع عن الشيخ.
عند سؤال عبد الله (اسم مستعار)، وهو شاب يبدو متجاوزاً للعقد الثالث من عمره، عن حقيقة الصراع الدائر بين الرئيس صالح والشيخ صادق، يخبر عن اعتداء الأول على الثاني وارتكابه العيب الأسود باستهدافه الوسطاء، وهو ما يفرض نبذه قبلياً وإهدار دمه. كذلك يعرج للحديث عن طبيعة الجذر القبلي الذي ينتمي إليه الرئيس صالح موضحاً أنه ليس «أصل»، بمعنى أنه ليس منتمياً لفرع قبلي أصيل من حاشد، وأنه لم يصعد إلى سدّة الحكم إلا بموافقة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الذي أظهر معارضة لهذا التعيين في بداية الأمر، لكنه ما لبث أن رضخ للطلب السعودي، بحسب ما يقول الشاب.
أمّا عن قصة انضمام صادق الأحمر لمؤيدي ثورة الشباب وتبعات هذا الأمر، وصولاً إلى ما يجري اليوم من مواجهات مسلّحة بينه وبين قوات صالح، فهذا أمر لا يعلم عنه حسين (اسم مستعار)، فهو يسكن في منطقة العصيمات وأتى لنصرة الشيخ بعد النداء القبلي الذي أطلقه. وهناك، حيث يقيم، لا وجود لبث تلفزيوني ينقل أخبار الثورات، أو الأحداث الجارية في الضفة الأخرى، ولا صحف، كذلك لا يعرف القراءة أصلاً. رفيقه عبد الله (اسم مستعار) يقول إنه يقيم ضمن حراسة منزل الشيخ صادق، وهو في هذه المهمة من أيام والده الشيخ الراحل، وأحياناً يرافقه ضمن طاقم حراسته الشخصية أثناء تنقلاته داخل العاصمة أو حتى خارجها. وعند استفساره عن الحدث الدائر في صنعاء منذ أربعة أشهر، يقول الرجل إنه يسمع عن تجمعات لطلبة أمام جامعة صنعاء، وإنهم يطالبون برحيل الرئيس علي عبد الله صالح، وإنه قد ذهب للصلاة يوم الجمعة مع الشيخ صادق في تلك الساحة، ولا شيء أكثر من هذا.
وعليه، قد يبدو عبثياً الدخول معه في حديث حول الإشكالية التي سببها انضمام أبناء الشيخ عبد الله الأحمر، ومنهم صادق وحميد وحسين، لثورة الشباب وتهديدهم لمبدأ سلميتها، وخصوصاً مع صدور آراء متباينة داخل «ساحة التغيير» حول جدوى حضور الشيخ صادق الأحمر برفقة حراسته الشخصية المدججة بالسلاح يوم الجمعة الماضية لتأدية صلاة الجمعة مع شباب الثورة، ثم للصلاة على جثامين الشباب الذين سقطوا برصاص قوات علي عبد الله صالح الأسبوع المنصرم، إلى جانب القتلى الذين سقطوا في مواجهات آل الأحمر الدائرة في منطقة الحصبة حول منزل صادق، وما إذا كانوا قد دخلوا في عداد «شهداء الثورة»!
لكن يبدو من غير المجدي الدخول مع عبد الله في نقاش حول قضية لا يعلم عنها شيئاً، إذ إنه، مع رفاقه، مجموعة أفراد نذرت حياتها لحماية الشيخ وأبنائه من بعده. وعليه يبقى احتمال سقوطهم قتلى أثناء قيامهم بمهمة الدفاع تلك، مسألة لا تعنيهم إطلاقاً، ولا نقاش فيها حيث يتكفل الشيخ بتدبير حياة عائلاتهم ولا يتركهم بحاجة لأحد.



القبلي في عيون أهل صنعاء

يبدو أن صورة القبلي في ذهن أبناء صنعاء، المدينة، لا تزال مرتبطة بفكرة النهب والسلب، وهي صورة باقية في قعر ذاكرتهم منذ عام 1948 عندما جعل الإمام أحمد بن حميد الدين صنعاء مدينة مفتوحة للقبائل يفعلون بها وبسكانها ما يشاؤون، وذلك انتقاماً منه لمقتل والده، الإمام يحيى على أيدي مجموعة من الثوّار.
ورغم ما قيل عن أن مجموع هؤلاء الذين هجموا على صنعاء لم يكونوا من أبناء القبائل، بل كانوا جماعات من المرتزقة واللصوص، بقيت الصورة على حالها واستعادت نفسها مع بدء استجابة قبائل شمال صنعاء للداعي (النداء) القبلي، الذي أطلقه الشيخ صادق بن عبد الله حسين الأحمر بحسب ما تقتضيه الأعراف القبلية، وذلك من أجل نصرته في العدوان الذي افتتحه الرئيس علي عبد الله صالح على منزله. وعلى الأثر سارع الناس إلى إغلاق متاجرهم والاعتصام داخلها، وخصوصاً في المنطقة الممتدة ما بين منزل صادق الأحمر ومطار صنعاء الدولي، بعدما كانت محالها التجارية ومطاعمها مفتوحة على مدار الساعة، نظراً لوقوعها في ممر حيوي لا تنقطع عنه الحركة ليل نهار.