I كان يوم تكسير تابوهات عمرها طويل. جمعة غضب ثانية؟ لماذا؟ وضد من؟ ولم لا نرجع للاستقرار؟ لم يكن المناخ ينذر قبل الجمعة إلا بمذبحة أو حفلة انتحار جماعي للعلمانيين والليبراليين واليساريين، تلك القوى التي لا تضع فوق رؤوسها مظلة من النصوص المقدسة، ولا تجيّش جمهورها في طريق توعد بالجنة في آخره. الإخوان غابوا عن الغضب الثاني، وهاجموه، وعدّوه «ضد الجيش» و«ضد الدين» وضد «الشعب والثورة»، كما ورد في تسريبات الجماعة وبياناتها العلنية (رغم لغتها المجتهدة في محاولة الحفاظ على الخطاب)، إضافة إلى جولات أنصارها في الشوارع، وسيارات مرت لتحذر من «طوفان الكفار» في ميدان التحرير، ولافتات تقول إن «تأييد المجلس العسكري واجب ديني».
مذبحة، إن لم تكن من الجيش وشرطته الحربية، فإنها ستكون من قطعان الدفاع عن الإسلام، وتطهير مصر من كفارها المنادين بالدولة المدنية. يحب الإخوان تعبير الدولة المدنية، يتعلقون به، من أيام مبارك، ليثبتوا أنهم وحدهم خارج تنظيمات ما قبل التاريخ السياسي، التي ترى في الديموقراطية كفراً، وفي الدولة المدنية هدماً للإسلام.
الإخوان شاركوا في لعبة اختراع الأوصاف لإمرار كلمات أصبحت ملعونة، المدنية أنقذت العلمانية، وورثت الشيوعيّة في اللعنة. العلمانية، بعد سقوط الشيوعية عدواً، أصبحت لوحة التنشين لتنظيمات ترى وجودها في عملية «تسييس الدين» وتحويل السياسة إلى مصنع تربية الفرد على الكتالوغ الخفي.
II
صبحي صالح كشف الخفيّ، قبل جمعة الغضب بأيام قليلة، نسي المحظورات وخرج من كهف التقية، وقال ما يدور في أعماق جماعته، «كيف يمكن الإخواني أن يتزوج بغير الإخوانية؟». هذه فاشية ريفية، أكدتها إجابة القيادي، الذي تصدر مواقع في اللجنة التشريعية بالبرلمان واختاره المجلس العسكري في لجنة إعداد التعديلات الدستورية. هو نفسه الذي قال بلهجة لم يجتهد في التخلص من لكنتها الفلاحية، كما يفعل عادة: «يعني إحنا نربيلك الإخوانية وبعدين تروح أنت تتجوز واحدة من على الرصيف؟». إلى هذا الحد يمكن تقسيم العالم إلى «جماعة تربت على كتالوغ الملائكة» و«رصيف تتجمع عليه كل الشرور، فاشية لم يكن من السهل خروجها إلا بعد أن يغيب سحر الاضطهاد».
III
الجماعة سلطوية أيضاً. التصقت بالمجلس العسكري، قدمت خدماتها، وعدت بالسيطرة على الشارع و«الميدان». المجلس بدون جهاز سياسي، تسلم دولة انهار جهازها السياسي، وعقليته مثل أي مؤسسة وصاية، لا تعرف إلا الترويض، وليس هناك من يصلح مروضاً للشعوب الجريحة إلا الإخوان. الجماعة محترفة قديمة في اللعب على أناشيد النرجسية الجريحة: «سنعيد مجد الإسلام».
ورغم ظهور جماعات وتنظيمات توغلت في جروح النرجسية إلى مدى أبعد، إلا أن الإخوان بتنظيمهم القديم، ومهارتهم في اللعب داخل أرض الهامش الذي تسمح به السلطة، واحترافهم في دور السنيد الذي يحتل الأرض التي يتركها «شجّيع السيما»، ويمارس فيها نَفَس الشر ولكن بإحساس الأضعف، مثل محمود المليجي، شرير لكنه يهزم في العادة من فريد شوقي، رمز السلطة الحاكمة المستمدة شرعيتها من تصفيق الشعب.
«الإخوان» أظهروا أنهم جناح من النظام، رغم أنهم ضحاياه الدائمون. وطوال عصر الاضطهاد، توحّدت الجماعة مع الأحزاب المدنية، رغم أن للنظام هوى في عقد صفقات معهم، واقتسام السلطة، بمنطق أن الشارع لكم والحكم لنا.
الآن افترق الإخوان عن الظهير المدني، في إطار الحفاظ على الموقع أمام قوة جديدة تتحرك بأفكارها الرافضة للوصاية أو السلطوية. فارق الإيقاع بين الثبات والحركة، هو ما بشر بالصدام في جمعة الغضب الثانية. تكسرت أذرع متعددة، من خرافة «القوة الكبيرة» للإخوان، وبدت الجماعة عارية من لياقتها، حين نظرت النظرة السلطوية نفسها إلى الحشد في ميدان التحرير، وقال موقعها: «إنهم بضعة آلاف». العين السلطوية نفسها التي كانت ترى في المعارضة «شرذمة خارجة عن الإجماع» و«قلّة مندسّة»، إلى آخر تعبيرات يرى فيها العقل السلطوي الإجماع عنده والمختلفين معه خوارج.
هي لحظة فارقة، كانت ذروتها في الميدان، «التظاهرة منزوعة الإخوان»، والله مع العلمانيين، هؤلاء الذين صلوا الجمعة، وأقاموا القداس، بدون سطوة البطاركة ذوي الوجوه الطيبة، المسالمة، المطمئنين إلى سلطتهم على الشعب الطيب، الباحث عن حاكم عنده أخلاق وعدل، وإن كان مستبداً. لكن الميدان في جمعة الغضب لم يكن من الشعب المنتظر لبطريرك جديد، إنه شعب جديد.
IV
الجيش سيتحالف مع الإخوان؟ تركيا جديدة؟ الجيش يقود مدنية من أعلى والإخوان يحصلون على أصوات القاعدة الشعبية من الناخبين؟ إنه خيال مؤامرة لها علامات في الواقع، لكنها أيضاً هواجس قوى تتحرك في مواجهة قوى ثابته. حركة تسعى إلى احتلال مواقع وسط الكيانات المستقرة. الأرض انشقت عن قوى ديموقراطية، خارج المظلات القديمة، والوصاية الباحثة عن شعب يدخل في نسخة جديدة من جمهورية مؤسسات الوصاية. التحالف باتجاه «تركيا مصرية»، من دون تاريخها، إنه قفز إلى جمهورية افتراضية تضمن السيطرة لأساطير الدولة الحديثة في مصر، والدولة التي لم تكتمل في مراحلها من محمد علي مروراً بعبد الناصر وحتى مبارك، آخر الجنرالات. الشعب يكتشف نفسه، مشحون بغضب مستمر، لا يتوقف أمام حواجز التابوهات القديمة (عسكرية ودينية)، ويصنع جمهورية افتراضية في الميدان، متعددة الألوان، والأشكال، والوجوه، باتجاه مصر جديدة.



مصر ترحّل الجاسوس الإيراني

رحّلت القاهرة، أمس، الدبلوماسي الإيراني المتهم بالتجسس، لكن وزارة الخارجية الإيرانية نفت هذا الأمر. وقالت وكالة الشرق الأوسط إن «الدبلوماسي الإيراني سيد قاسم الحسيني الذي يعمل في بعثة رعاية المصالح الإيرانية غادر القاهرة عائداً إلى بلاده على متن طائرة تابعة لشركة الخطوط الإماراتية». رغم ذلك، رأى وزير الخارجية الإيرانية علي أكبر صالحي أن طهران والقاهرة تسيران باتجاه طريق إقامة علاقات دبلوماسية بينهما. وقال «ينبغي الصبر في عملية تحسن العلاقات بين البلدين». وأضاف أن «المصريين يواجهون ضغوطاً في ظل الظروف الراهنة»، وأنه «يتفهمها ولكن وجهة نظر الحكومة والشعب المصري العظيم تقوم على تعزيز العلاقات مع إيران بصورة إجمالية». وبشأن اعتقال دبلوماسي إيراني في مصر بتهمة التجسس، نفى أن يكون قد غادر، وقال إن هذه القضية كانت «مجرد سوء فهم، لكنها عولجت بسرعة ويزاول هذا الشخص مهماته العادية».
(أ ف ب، يو بي آي)