تفيد الأنباء الواردة من سوريا بأنّ الحملة العسكرية للجيش حطّت رحالها هذه المرة في مدينتي الرستن وتلبيسة، بعد درعا وحمص وبانياس ودوما وتلكلخ. وأشارت تقارير وكالات الأنباء إلى مقتل شخصين على الأقل وجرح العشرات بقصف الجيش السوري للرستن التي تقع في وسط البلاد، في ما وضع في خانة الانتقام على التظاهرات الحاشدة التي شهدها يوم الجمعة ضد النظام.
وقال أحد سكان الرستن لوكالة «رويترز» إن قوات مدعومة بالدبابات طوّقت البلدة صباح أمس، وبدأت بإطلاق نيران أسلحة ثقيلة في شوارع المدينة التي يسكنها 80 ألف نسمة على بعد 25 كيلومتراً إلى الشمال من مدينة حمص، والتي تقع في منطقة زراعية على الطريق الرئيسي السريع في الشمال الممتد بين دمشق وحلب. وقال أحد المحامين من البلدة إن الإنترنت وإمدادات المياه والكهرباء وخطوط الهواتف الأرضيّة وأغلب خدمات الهاتف المحمول قطعت، في خطوة يستخدمها الجيش في العادة قبل اقتحام المدن. وأضاف «كنتُ أسمع أصوات الأعيرة النارية والمحتجين، وهم يهتفون الشعب يريد إسقاط النظام في الوقت نفسه». حملة متزامنة يبدو أنها بدأت في بلدة تلبيسة الواقعة على طريق حمص ـــــ حماه، حيث قُتل 3 شخاص وأصيب آخرون بجروح، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وعلى صعيد متصل، أكد شهود عيان أن القوات السورية حاصرت بلدة الحراك في سهل حوران الجنوبي، التي تفادت في الفترة الماضية الحملة الأمنية على مدينة درعا وجوارها، وهي حال قرية دير معلا الواقعة بين حمص وحماه.
غير أنّ وكالة الأنباء السورية «سانا» نقلت عن «مصدر عسكري مسؤول» تأكيده أن «عمليات الملاحقة والتعقب لعناصر المجموعات الإرهابية المسلحة في بلدة تلبيسة أدت إلى استشهاد أربعة عناصر، بينهم ضابط، وجرح أربعة عشر آخرين». وأضاف المصدر أن عمليات الملاحقة والتعقب «أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المجموعات الإرهابية وإلقاء القبض على عدد منهم ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر المتنوعة». وأشارت «سانا» إلى أنّ «عدد شهداء قوى الأمن الداخلي وصل إلى 32 و547 جريحاً منذ بداية الأحداث». وفي السياق، أفاد مراسل موقع «سيريانيوز» في حمص، نقلاً عن مصدر طبي، بأنّ «مدنييّن اثنين، وأربعة من العسكريين، وعنصر أمن واحداً، استشهدوا اليوم (أمس) في منطقة تلبيسة بنيران مجموعات مسلحة»، وأورد اسم العنصر هاني محمود «الذي استشهد متأثراً بجراح أصيب بها نتيجة كمين مسلح نصبه الإرهابيون على طريق حمص ـــ تلبيسة، فيما استشهد الملازم الأول بسام محمود طلاس نتيجة إصابته بطلق ناري في الوجه».
وأوضحت «سانا» أن السلطات المختصة «ألقت القبض على قتلة الشهيد نضال جنود الذين أقدموا على قتله بوحشية ومثلوا بجثته في بانياس». وجاء في خبر الوكالة: «اعترف عمر عيروط، أحد أعضاء المجموعة الإرهابية المسلحة، بمشاركته في قتل الشهيد جنود، وقال: قمت بطعن جنود طعنتين بالسكين عندما كان يحتجزه أشخاص كثر أمام سوبر ماركت في مدينة بانياس، وكان بيدي مسدس وسكين وعبوة متفجرات ديناميت، كاشفاً عن أن المدعو يحيى الريس طعن الشهيد جنود ثلاث طعنات بعد قتله من قبل الأشخاص الذين كانوا قد احتجزوه».
وفي محافظة دير الزور، شرق البلاد، أكد شاهد أنّ رجلاً واحداً على الأقل أصيب يوم السبت عندما فتحت قوات الأمن النار لتفرقة تظاهرات ليلية في المدينة.
وكانت مدن سورية عدة قد أحيت أول من أمس تظاهرات تكريمية للفتى حمزة الخطيب، البالغ من العمر 13 عاماً، والذي سُلِّمت جثته لذويه في درعا، بعدما قُتل تحت التعذيب المبرح بحسب ما أظهرته أقوال ذويه وصور تعذيبه. واحتضنت مدن حماه واللاذقية وبلدة بنش وبعض القرى بمحافظة إدلب ودير الزور، وحيَّا القابون والحجر الأسود في العاصمة دمشق، والجيزة بمحافظة درعا، بالإضافة إلى تلبيسة والرستن بعض هذه التظاهرات. ويبدو أن الفتى الراحل حمزة الخطيب قد يتحول إلى نوع من الأيقونة بالنسبة إلى التحركات الشعبية في سوريا، إذ يرجَّح أن تشهد المدن السورية تظاهرات وتجمعات يومية تكريماً له، إذا تمت تلبية دعوة المعارضة السورية القاضية بالتظاهر يومياً بدءاً من أول من أمس. ووضع ناشطون سوريون صورة الفتى الخطيب على واجهة صفحة الثورة السورية على الإنترنت مع عبارة «لن نسكت أبداً». وجاء في نص على الصفحة بشأن الفتى الخطيب «اغتالته يد الغدر، وعبثت أياديهم المريضة بجسده البريء وعذبوه بوحشية. اليوم سوريا كلها ستنتفض لأجلك، لأجل براءتك، لأجل دموع أمك، لأجل حرقة قلب أبيك، لأجل أبنائنا ستغضب سوريا. نعم ستغضب سوريا كلها لأجل حمزة». وأشار رئيس «المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا» عمار القربي إلى أنه «جرى اعتقال الفتى حمزة الخطيب المتحدر من قرية الجيزة بالقرب من درعا مع آخرين أثناء مشاركتهم في تظاهرة يوم الغضب لفك الحصار عن درعا»، لافتاً إلى أن «مصير 25 شخصاً من الذين اعتقلوا معه لا يزال مجهولاً». كما ذكر ناشط آخر أن «قوات الأمن السورية عمدت الى اعتقال والد الطفل، علي الخطيب»، مرجحاً أن يكون ذلك من أجل «إجباره على الإدلاء بتصريحات كاذبة».
وعلى وقع هذه التطورات، كشفت المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا أن حصيلة قتلى يوم «جمعة حماة الديار» وصلت إلى 12، توزعوا على المدن السورية كالآتي: أربعة قتلى في داعل (ريف درعا) وثلاثة في قطنا (ريف دمشق) واثنان في إدلب (غرب) وقتيل في الزبداني (ريف دمشق) وقتيل في حمص (وسط) وقتيل في اللاذقية.
ميدانياً أيضاً، أظهرت صور حصلت عليها فضائية «الجزيرة» القطرية، جنوداً في الجيش السوري ينزفون بعد تعرضهم ـــــ وفقاً لناشطين حقوقيين ـــــ لإطلاق نار من زملائهم، «بسبب رفضهم إطاعة أوامر قادتهم بقتل المتظاهرين العزل في مدينة درعا».
سياسياً، طمأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، نظيره السوري وليد المعلم، أول من أمس، إلى رفض بلاده إحالة الملف السوري على مجلس الأمن الدولي. وذكرت وكالة الأنباء الروسية «نوفوستي» أن لافروف اتصل بالمعلم وجدد له «موقف روسيا المبدئي الرافض لفكرة طرح موضوع سوريا في مجلس الأمن الدولي»، مشيراً في الوقت نفسه إلى «ضرورة تحقيق تحركات إيجابية في سوريا في القريب العاجل».
وأعلنت دائرة الإعلام والصحافة في وزارة الخارجية الروسية أن الوزيرين تبادلا الآراء بشأن تطور الأوضاع في سوريا وحولها على ضوء الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الروسي ديمتري مدفيديف والسوري بشار الأسد في 24 أيار الجاري.
وفي جبهة المتضامنين مع دمشق أيضاً، شكت منظمة المؤتمر الإسلامي من مسوّدة قرار أوروبي يطلب من مجلس الأمن الدولي إدانة سوريا، وطالبت بحذف جزء من النص.
وفي جنيف، سيكون وضع حقوق الإنسان في ليبيا وسوريا وساحل العاج مثار جدل حاد خلال الدورة السابعة عشرة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، التي تبدأ اليوم عند نشر تقارير حساسة عن هذه البلدان. وسيطّلع مجلس حقوق الإنسان في 15 حزيران المقبل على التقرير التمهيدي للمفوّضة العليا المكلفة «التحقيق في انتهاكات مفترضة لحقوق الإنسان خلال قمع الانتفاضة الشعبية في سوريا، وتحديد وقائع وظروف هذه الانتهاكات والجرائم».
وتواصلت موجة التصريحات والمواقف التركية إزاء التطورات السورية، إذ رأى وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو أنّه «لو حصلت انتخابات حرة وتعددية قبل الانتفاضة الشعبية التونسية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، لكان كل زعماء هذه الدول خسروا الانتخابات، باستثناء الرئيس بشار الأسد»، مشيراً إلى أنه لا يعرف ما إذا كان الأسد لا يزال يتمتع بالشعبية بين السوريين اليوم.
وجدد داود أوغلو الاعتراف بما تريده تركيا من النظام السوري، ألا وهو أن يقود الأسد الإصلاحات التي يطلبها شعبه منه، متعهداً بأن تقدم تركيا كل المساعدات المطلوبة للسوريين في إطار مسار الإصلاح. وعن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان والأسد، كشف داود أوغلو أن الرئيس السوري جدد التأكيد لأردوغان على قراره تنفيذ الإصلاحات، مختصراً أهمية سوريا بالنسبة الى تركيا على طريقة أن الاستقرار في سوريا «قد يؤثر على دول كتركيا وإسرائيل ولبنان والأردن».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)



واشنطن بوست: إيران تدعم الأسد بالمدربين والمعدات


نقلت صحيفة «واشنطن بوست»، أول من أمس، عن مسؤولين أميركيين وغربيين قولهم إن إيران ترسل مزيداً من المدربين والمستشارين، بينهم عناصر من قوة النخبة «القدس»، إلى سوريا لمساعدتها على قمع التظاهرات التي تهدّد بإسقاط أهم حلفائها في المنطقة.
ويرفع تدفق هذه القوة البشرية الإيرانية باتجاه سوريا من المساعدات الآتية من طهران، التي لا تتضمن فقط السلاح ومعدات مكافحة الشغب، بل أيضاً معدات مراقبة متطورة تساعد السلطات السورية على تعقب المعارضين عبر المواقع الاجتماعية «فايسبوك» و«تويتر»، بحسب مصادر الصحيفة. ويُعتقد أن المساعدات التي قدّمها الإيرانيون في مجال مراقبة الكمبيوتر، ورفع الحظر عن المواقع الاجتماعية، أدت إلى اعتقال المئات من الناشطين السوريين داخل منازلهم خلال الأسابيع الماضية.
وأشارت الصحيفة إلى أن العديد من التقارير التي قدّمها مسؤولون غربيون تحدثت عن المساعدات التقنية الإيرانية لسوريا، وتشتمل على خوذات مكافحة الشغب والهراوات وغيرها من الأدوات اللازمة للسيطرة على الحشود. وحصلت الصحيفة على هذه المعلومات من «مسؤولين أميركيين ودبلوماسي من دولة حليفة (لأميركا)». ورفضوا جميعهم الكشف عن هويتهم لحساسية المعلومات الاستخبارية. ولم تعلق السفارة السورية أو قسم المصالح الإيرانية في واشنطن على هذه المعلومات.
وأوضح دبلوماسي لـ«واشنطن بوست» أن «المدربين العسكريين الإيرانيين وصلوا إلى دمشق لإرشاد السوريين إلى تقنيات إيرانية استخدمت خلال «الحركة الخضراء» في إيران عقب الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في 2009؛ «فالإيرانيون كانوا فعّالين وتعاملوا بوحشية مع هذه التظاهرات».
وبحسب مسؤولين أميركيين وغربيين، أدى ضباط من قوة «القدس» دوراً رئيسياً في سحق الاحتجاجات السورية منذ منتصف نيسان الماضي. وقالوا إن العقوبات الأميركية التي استهدفت قوة «القدس» في نيسان كانت بمثابة تحذير لايران كي تتوقف عن هذه الممارسات.
وكانت العقوبات الأميركية الأخيرة قد شملت القائد العسكري الإيراني في قوة «القدس»، الرجل الثالث المسؤول عن التدريب، محسن شيزاري. ويقول المدير السابق الرفيع لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي خلال إدارة جورج بوش، مايكل سينغ، إن «تسمية شيرازي في العقوبات ترجّح امتلاك المسؤولين أدلّة على دوره في سحق الاحتجاجات السورية». ويضيف: «هناك علاقة مندمجة بعمق لا تتناول فقط دعم الإرهاب، بل سلسلة كاملة من النشاطات التي تضمن بقاء الأسد».
ويشير مسؤولون أميركيون وخبراء في الشرق الأوسط إلى أن نظام الأسد ضعف بسبب الاحتجاجات. وتقول الخبيرة السابقة في فرع الاستخبارات الخارجية منى يعقوبيان للصحيفة إن «إيران تركز على كيفية تطور الأمور في سوريا». وتضيف: «الدولتان لديهما حلف وثيق وطويل يناهز الثلاثين عاماً. سوريا هي أكثر المعابر أهمية لإيران إلى العالم العربي، وقاعدتها الأمامية مع إسرائيل». وتؤكد أن «إيران بحاجة ماسة إلى الأسد. إذا خسرت النظام السوري فستتعرض لنكسة كبيرة».
(الأخبار)