في خطوة مفاجئة من شأنها إعادة خلط الأوراق في اليمن والتسريع في عملية رحيل علي عبد الله صالح، بعدما أصبح محاصراً لا يملك سوى اللجوء إلى إراقة المزيد من الدماء في محاولته إطالة أمد حكمه، أصدر عشرة من كبار ضباط الجيش اليمني، أمس، «البيان رقم 1» ، مؤكدين دعم الثورة الشبابية السلمية، ورفض محاولات تمزيق المؤسسة العسكرية.
وبينما كان النظام منهمكاً في تسليم مدينة زنجبار في محافظة أبين إلى عناصر مسلحة يعتقد أنها من تنظيم القاعدة، كان وزير الدفاع السابق، اللواء عبد الله علي عليوة، يذيع «البيان رقم 1» باسم «قيادة القوات المسلحة الداعمة للثورة الشعبية السلمية»، داعياً «قادة المناطق والألوية إلى أن يعلنوا بكل شجاعة تأييدهم للثورة بالاصطفاف إلى جانب الشعب».
واتهم كبار ضباط الجيش الموقّعين على البيان، ومن بينهم قائد المنطقة الشمالية الغربية اللواء علي محسن الأحمر، ووزير الداخلية الأسبق محمد عرب، ووزير الدفاع السابق اللواء عبد الملك السياني، الرئيس اليمني بتسليم محافظة أبين إلى الجماعات الإرهابية المسلحة، مشيرين إلى أن صالح أصدر «توجيهاته إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية في أبين بتسليم مؤسسات الدولة إلى الإرهابيين والمجاميع المسلحة»، في محاولة لإظهار المؤسسة العسكرية أنها مؤسسة فاشلة، وأن اليمن بدونه سيتحول إلى صومال آخر.
كذلك اتهم الضباط الذين قدّموا أنفسهم على أنهم «الحماة الأمناء لمكتسبات الوطن والثورة والوحدة والديموقراطية»، الرئيس اليمني بـ«تسليم مرافق الدولة ومؤسساتها في صنعاء إلى مجاميع من البلطجية المسلحين، وسحبه لوحدات الأمن والحرس الجمهوري من هذه المناطق التي باتت مستباحة من هذه العناصر».
من جهةٍ ثانية، وجّه الضباط إلى صالح تهمة محاولة تمزيق المؤسسة العسكرية، معربين في الوقت نفسه عن شكرهم لعدد من المحيطين بصالح، بينهم نائبه عبد ربه هادي منصور، لرفضهم أوامر الزج بالجيش في مقاتلة بعضه البعض الآخر، فيما لم يجد نائب وزير الإعلام اليمني عبده الجندي من سبيل للرد سوى اتهام عليوة وعلي محسن الأحمر بالسعي إلى شق صفوف القوات المسلحة.
وجاء صدور البيان بعد ساعات من خروج عدد من الضباط اليمنيين عن صمتهم، مجمعين على وجود مخطط مدروس ينفذه النظام في زنجبار.
وبينما اتهم عرب الرئيس اليمني بدعم تنظيم القاعدة عبر «تسليمه عدداً من المدن، وترك العشرات من الجنود المساكين يواجهون مصيرهم»، وذلك بعد اكتشاف جثث عشرة جنود، أوضح شهود عيان أن المسلحين أصرّوا على قتلهم رغم استسلامهم، تحدث مسؤول أمني عن أن «قيادة السلطة في محافظة أبين غادرت المكان قبل انفجار الموقف»، في إشارة غير مباشرة إلى وجود معرفة مسبقة بما يخطط له.
بدوره، تحدث أحد ضباط اللواء 25 ميكانيكي عن أن هناك وساطة قبلية لتسليم المعسكر إلى القاعدة، معبراً عن أسفه لوجود «أشخاص من السلطة ضمن الوساطة». وأدى رفض قائد المعسكر الاستسلام إلى نشوب معارك، أدّت إلى مقتل خمسة مدنيين بينهم طفل، فيما أصيب ما لا يقل عن 18جندياً من أفراد اللواء 25 ميكانيكي، بينهم ثمانية في حالة حرجة.
في هذه الأثناء، يتوقع أن تؤدي خطوة الضباط إلى تزايد الضغوط الدولية والإقليمية على الرئيس اليمني، ولا سيما أن الانشقاق داخل المؤسسة العسكرية بات أكبر من أي وقت مضى، ما يعزّز مخاوف الدول الغربية، وتحديداً واشنطن، من تزايد حالة عدم الاستقرار في اليمن.
وفي السياق، أكد مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى، أمس، أن الولايات المتحدة لا تزال على اتصال وثيق بحلفائها الأوروبيين والخليجيين، وتواصل مراجعة الخيارات لزيادة الضغط على الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للتوقيع على اتفاق للتنحّي.
بدوره، قال مسؤول أميركي كبير، طلب عدم نشر اسمه، «إننا نشعر بقلق شديد من أن الوضع غير المستقر في اليمن يؤدي إلى ظهور تناحرات قبلية قائمة منذ فترة طويلة إلى السطح، وهو ما يزيد من تعقيد عملية التوصل إلى اتفاق بشأن انتقال منظّم للسلطة».
في غضون ذلك، نجحت وساطة قبلية في إعادة الهدوء إلى العاصمة اليمنية، بعد التوصل إلى اتفاق هدنة بين القوات الحكومية والأحمر، لتعيد الأمل إلى اليمنيين باستمرار ثورتهم سلمياً. وقال الشيخ عبد الله بدر الدين إنه «جرى تسليم مبنى وزارة الإدارة المحلية، وستستمر عملية إخلاء باقي المباني وتسلميها، بما في ذلك بعض مراكز الشرطة»، مشيراً إلى وجود «التزام بعدم إعادة استخدام هذه المباني كثكنات عسكرية»، وهو أمر اشترطه آل الأحمر، وكان يؤخّر إبرام اتفاق الهدنة بين الطرفين.
ويقضي الاتفاق بأن يجري «تسليم المقار الحكومية التي استولت عليها قوات الأحمر خلال الاشتباكات، ومن أهمها وزارة الداخلية في حي الحصبة إلى وسطاء، ومن ثم إعادة السيطرة عليها من قبل الحكومة اليمنية».
كذلك يقضي الاتفاق بنشر السلطات اليمنية قواتها العسكرية، وإخلاء منطقة الحصبة من أي مظاهر مسلحة، وإزالة كل المتاريس العسكرية، بعدما دفع القتال بالأسلحة الآلية والقنابل الصاروخية وقذائف المورتر آلاف السكان إلى الفرار من المدينة.
إلى ذلك، يستمر الغموض بشأن مصير ثلاثة فرنسيين يعملون في المجال الإنساني، يعتقد أنهم تعرضوا للاختطاف أول من أمس خلال وجودهم في محافظة حضرموت، في وقت أعلن فيه مسؤول في منظمة «تريانغل جينيراسيون أومانيتير» الفرنسية غير الحكومية، التي يتبع لها المخطوفون، أن المنظمة ستسحب أكثر من نصف العاملين لديها في اليمن.
(يو بي آي، أ ف ب، رويترز)